جميل صدقي الزهاوي - قبر الغريبة.. شعر

قبرَ الغريبة لا باكٍ ولا ناع = سوى محبٍّ من حزنه داع
قبر الغريبة لا ماء ولا زَهَرُ = إلاّ دموعي وأشعاري وأسجاعي
والشعر من عنصر الراديوم جوهرُه = فليس ينفكّ ذا ومضٍ وإشعاع
ماتت وصورتها في العين ماثلة = أخِلَّتي لم تمت أم لستُ بالواعي
كأنها من شقوق القبر ناظرة = إليّ نظرةً مُلتاعٍ لملتاع
نزيلةَ القبر قولي: لستُ ميّتةً = وقد تنبهت أرنو بعد تهجاع
أم ليس ما أنا راء في حقيقته = سوى خيالٍ لمن أراه خدَاع
فأنت ميّتة أودعتُها بيدي = قبراً وبالرغم عني كان إبداعي
حزني شديد وأوجاعي مبرّحة = ماذا يخفف أحزاني وأوجاعي؟
دع الدفينة تحت القاع راقدة = فالقاع ليس لما فيه بمضياع
تحفّ بالميت أشياع لتدفنه = أمّا الغريب فلا يحظى بأشياع
ما كان حادث هذا الموت في بلدي = لغير قلبيَ في صدري بصدّاع
في كل عمريَ قد أحببتُ واحدة = وهذه ارتاحت في آخر الساع
أَلمعت للركب استبقيه ملتمساً = فلم يردّ إليَ الركبَ إلماعي
ما الأرض وهي لنا أمُّ بمشفقة = فطالما أوقعت بي شر إيقاعي
ولم اكن هابطاً منها لأودية = ولم اكن لثناياها بطلاَّع
ما كنت احسب أن الدهر يفجعني = بمن أحَبَّ فؤادي شر أفجاع
والدهر مازال منّاعاَ لنائله = عن بعضهم ولبعضٍ غير منّاع
كانت محاسنها اللائي فُتِنتُ بها = يملأن قلبي وأبصاري وأسماعي
كنت السعيد بماضٍ كان يجمعنا = معاً لو أن إليه جاز إرجاعي
في الحب تُسطاع أشياء وان عسرت = إلاّ السلوّ فهذا غير مسطاع
ما أن ذكرتكِ في سري وفي علني = إلاّ توثَّب قلبي تحت أضلاع
أحِسّ في حين طرفي لا يراكِ إلى = جنبي بوخزٍ كحرّ النارِ لذّاع
لهفي على أعين وقّادة طفِئت = بعاصفٍ هبّ يسفي الموتَّ زعزاع
قد كنتِ يوم اجتماع الغيد مفردةً = ككوكبٍ في سماء الحسن لمّاع
سمراء فاتنة العينين خالقُها = قد أبدع الحسنَ فيها أيّ إبداع
ما قيمة العيش في معزولة شطنت .= ما إن بها لنفوسٍ أوذيت راع
أتأذنين بدفني إن هلكتُ إلى = جوار قبركِ في جوفٍ من القاع
فتلتقي في الثرى منا الجسومُ وإن = كنا ولا أحدٌ منا به واع
إن انتظارك فيه لا يطول فبي = تدنو إلى القبر أدوائي وأوجاعي
أما دنوّيَ من حتفي فيُفرحني = كأنما أنا من نفسي له ساع
موتُ الحبيبة في دنياي زهّدني = فلستُ إلاّ إلى حَيني بنزّاع
بكِ التحاقي أكيدٌ لا ارتياب به = فلا يضيركِ إبطائي وإسراعي
وسوف نسبح في هذا الفضاء معاً = وقد نطوف بشمس ذات أتباع
لا يُفزعنّكِ بحرٌ للأثير طمى = وما هنالك من موجٍ ودفَّاع

(بغداد)

جميل صدقي الزهاوي


مجلة الرسالة - العدد 102
بتاريخ: 17 - 06 - 1935

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى