نبهان رمضان عوض - عبد الله النديم.. ( مبدع تنويري)

عبد الله النديم (المبدع التنويري)
كتب: نبهان رمضان
عبد الله بن مصباح بن ابراهيم الادريسي الحسن ولد في الاسكندرية عام 1261 هجرية لأسرة فقيرة نذره والده للأزهر منذ ولادته و ساعده في الاستعداد لاجتياز اختبارات القبول في الازهر اتم حفظ القرآن الكريم و ختمه ثم انكب على كتب التراث و علم السلف ينهمل منهما لكنه لم يلتحق بالأزهر ربما لضيق ذات اليد أو ربما رغبته في العمل لمساعدة والده أو بدى له طريق آخر يداعب خياله.
عاش النديم حياته بين حياة الرغد و الفقر معا عمل في موظفا في التلغراف يتابع حركة المراسلات المرسلة و المستقبلة كان التلغراف في ذلك الوقت مقتصر على المراسلات الملكية و الرسمية بين الحكومة المصرية و العالم الخارجي مما أهل النديم ان يحتك بأكثر الطبقات المصرية آن ذاك ترفا و فحشا في الثراء و يقارن حالهم بحال أبناء طبقته الفقيرة.
كان يرتاد كل مجالس الأدب و الصالونات الأدبية سواء صالونات فخمة تعج بالبذخ أو مقهى شعبي بسيط
كان يرتاد على مقهى شعبي تقام فيه حلقة سجال تسمى الادباتية يدخلون في منافسة فيما بينهم شعرا في وصف عرس اسكندراني او نوة البحر او مسابقات الشعر و المقامات. كان الشعراء البسطاء قادرون على هزيمة أعتي الشعراء في ذلك الوقت لدرجة ان اشهر الشعراء كانوا يهربون من تلك الحلقة و يتجنبون الظهور فيها حتى لا يتعرضون لمواقف لا تحمد عقباها و ينكشف امرهم امام العامة لكن النديم كان يجاريهم و يصمد امامهم و أحيانا يهزمهم يأتي لهم بغرائب و لطائف اللغة
تعود النديم أن يحترم أي عمل يثري شخصيته أو يفيد الناس و يرتقي بهم. في ذات الوقت ارتاد الصالونات الفخمة الراقية التي يرتادها كبار الأدباء في ذلك العصر.
هناك شخصيتان تأثر بهما النديم، الأول كان بالطبع جمال الدين الأفغاني و كلنا يعلم من هو الأفغاني
لكن الشخصية الثانية و التي تأثر بها النديم كان أديب اسحاق كان مصري من اصل ايطالي على ما اعتقد و اشيع عنه أنه ماسوني لكنه أسس أول جمعية تنويرية في مصر مطلع سنة 1879 أطلق عليها اسم جمعية مصر الفتاة كان معظم اعضاءها من النصارى و اليهود و الأجانب الذين يعيشون في مصر وأحبوا الحياة فيها كانت هذه الجمعية تنادي بالحرية المدنية لكل المصريين بصرف النظر عن ديانتهم و تشكيل حكومة وطنية حقيقية تكون مسؤولة إمام مجلس نيابي منتخب انتخاب حر.
يرجع الفضل في عقلنة و علمنة فكر النديم الى اديب اسحاق و جريدة مصر الفتاة التي اشيع ان النديم مؤسسها أو المحرر الأول لها لكن الذي انشأها كان اديب اسحاق واعطى للنديم فرصة ليكتب ما يريد فيها و يخطو أولى خطوات التنوير فيها. اذكت الجريدة روح الوطنية لدى الجماهير المصرية. فكانت ملاذ للأحرار من العرب و الأجانب . كانت جمعية مصر الفتاة تعارض الخديوي اسماعيل و اعتبرته ديكتاتور اتهمها البعض بنشاط تأموري اقتنع بذلك عبد الله النديم تركها مع الاقلية المسلمة في تلك الجماعة و اسسوا جمعية جديدة باسم جمعية المقاصد الخيرية التي جمعت البارزين من رجال الفكر و الشخصيات العامة المصرية و يرجع الفضل في انشاء هذه الجماعة ل انور عبد الملك الكاتب المصري التقدمي ان هناك خلاف ديني سياسي حاد نشب بين اعضاء جمعية مصر الفتاة فالنديم و المسلمون القلة الذين معه كانوا يناصرون افكار العثمانيون الجدد التي تدين بالولاء للخليفة العثماني فانسحبوا من جمعية مصر الفتاة.
لم يكن هناك خلاف بين الجمعية الجديدة و اديب اسحاق تحديدا لان الميثاق التأسيسي للجمعية الجديدة طبع و نشر في مطبعة اديب اسحاق.
انشأ النديم جريدة التنكيت و التبكيت و انطلق منها من السخرية الى المعالجة الاجتماعية لآفات المجتمع في ذلك الوقت انشأ فرقة مسرحية ولم يكتف بدور المؤلف أو المخرج لكنه شارك بالتمثيل ايضا. لم يحفظ التاريخ هذه النصوص المسرحية. من ازجاله
شرم برم حالي غلبان
اهل البنوك و الاطيان
صاروا على الاعيان اعيان
وابن البلد ماشي عريان
ممعاه ولا حق الدخان
شرم برم حالي غلبان
لم يتخذ النديم الكتابة حرفة لأكل العيش كان يكتب بنبضه و دمه.
فاض به الكيل اقتنع تماما بضرورة تغيير الانظمة السياسية التي تسير المجتمع انضم للثورة العرابية حتى اصبح خطيبها الاول سمته جريدة التايمز خطيب الشرق. قالت عنه الديلي نيوز ان النديم متعصب للدين ثوري مهيج يريد احداث فتنة طائفية
بعد انكسار الثورة العرابية هام على وجهه قرابة عشر سنوات برع في التخفي و التنكر بين شيخ و قسيس او عجوز و احيانا امرأة كان يجوب الارض مع الموالد و حلقات الذكر كان يدخل و يخرج مع الدراويش فكان لا يثير انتباه الغفر او العساكر. كتب كتاب ذكر فيه حيل التخفي و سماه الاحتفاء في التخفي
قصة القبض عليه كان غريبة في الفترة الاخيرة من تخفيه ضاق الخناق حوله فقبع في سرداب مع زوجته و الخادم لكنه كان يصر على القراءة على ضوء مصباح به عطب كان يصدر رائحة احتراق شديدة و في يوم اصابه العطب اكثر فاصدر رائحة لا يستطيع احد ان يغفلها بحث الغفر عن مصدر الرائحة حتى وصلوا الى السرداب و قبض على النديم و كان و كيل النيابة الذي حقق معه هو قاسم امين الذي اذيع صيته فيما بعد نصير و مدافع عن المرأة
حبس النديم حتى تولى الخديوي عباس الحكم فخفف عنه شريطة أن ينفى إلى يافا. ثم عاد الى مصر مع حكم الخديوي توفيق و انشأ مجلة الأستاذ التي كانت اخف لهجة من التنكيت و التبكيت لكنه لاحظ تغيير المجتمع إلى الشكل الأوربي الحديث و انتشار شرب الخمر و التبرج و العري كانت مجلة الاستاذ تكتب بالعامية المصرية عاد النديم الى هجوم على نظام الحكم حتى تم نفيه الى الاستانة و هناك عين في دار الكتب و رصد له الخليفة راتبا كبيرا كان يوزع جزء منه على اصدقائه و كان منفي معه في ذلك الوقت استاذة الافغاني فكانت فرصة كبيرة للتباحث و مراجعة كل أفكاره و مواقفة الف كتاب كان و بكون الا انه لم يصمت على شيء لم يعجبه هاجم الخليفة الذي خفض راتبه الكبير.
كان يهاجم اوربا و مواقفها اتجاه الاسلام و الدولة العثمانية التي اطلق جملة لو كانت الدولة العثمانية مسيحية لبقيت بقاء الدهر.
لكنه كان يمدح اوروبا أيضا و يثني على الأسس التقدمية التي تعيش عليها مثل
حرية الكتاب في نشر افكارهم
تشجيع المخترعين و المبتكرين
مساهمة اصحاب الاموال في دفع النهضة
التعليم الاجباري
المؤسسات الاجتماعية المتميزة
المجالس النيابية و مشاركة الافراد في ادارة الوطن
مات النديم و ترك اكثر من 7 الاف بيت شعر لم يصل إلينا الا القليل و روايتين أشهر كتبه الاحتفاء بالاختفاء
اللآلئ و الدرر في فواتح السور، البديع في مدح الشفيع لم يبقي سوى القليل .
مات النديم كما كان في حياته لا يرى نفسه فوق احد ابدا.
كتب: نبهان رمضان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى