لينا كيلاني - التراث بعيون جديدة..

يكاد لا يخلو أدب شعب من الشعوب من تأثير التراث في موروثه الأدبي والفني. ونحن في هذه البقعة من العالم قد تجذر التراث فينا، وتغلغل في الشرايين منا، وكأننا غير قادرين على إزاحته لإدخال الجديد عليه، وليس المطلوب طبعاً إلغاء هذا التراث، أو نسخه، لكن المطلوب هو إعادة النظر فيه لأن الحياة من حولنا اختلفت كلياً في كل مناحيها بدءاً من نفي السؤال: كيف نرى ما هو في آخر بقعة من العالم؟.. وانتهاءً، أو دون انتهاء بسؤال: كيف استطاع الإنسان أن يغزو مناطق بعيدة من الفضاء؟
إن هذا يقتضي بدوره إيجاد تراث معاصر لنا إن صح التعبير، أو تراكمات جديدة تشكل ثروة، أو كنزاً ثميناً لو امتزجت مع ثروة التراث الذي تناقلته شعوب المنطقة عبر أجيال، وأجيال.
صحيح أن تراثنا الأدبي، والفني الذي وصل الينا هو من نسيجنا، ومن نبض عروقنا، لكن ماذا يضيرنا لو أننا نصبغ هذا النسيج بصبغات حضارية، وجديدة، وأن نجعل كذلك دماً جديداً يتدفق في العروق.. وخاصة فيما يتوافر من هذا التراث مما لا يتجاوز أحداث مضت تحمل معاني أيام مضت، بينما نحن لا نزال نقف على أعتابه، والجدال قائم بين مؤيد ومعارض.. بين من يدعو الى تجاوزه، وبين من لم يستطع أن ينفك من إساره.
إن التكريس للتراث (كما هو) يعتبر نوعاً من الجمود إن لم نقل الرجوع الى الوراء لأن الحياة في كل خطوة تفتح صفحة، وهذه الصفحات تشكل كتاباً. فهلّا سألنا أنفسنا ما هو التراث المتعلق بما يقع بين أيدينا من وسائل حديثة كالحواسيب الرقمية مثلاً، أو الألياف الضوئية، أو حتى لدائن البلاستيك التي أحدثت ثورة في حينها؟
كان (الفلكلور)، ولا يزال النبع الأول للخيال في الأدب عموماً.. هذا الخيال الجامح الذي يفرد عباءته على مساحة كبيرة من التراث البشري وهو لم يكن لينبع من فرد ما، أو مجموعة ما من الأفراد بل إنه تراكم لما تفتّح عنه الخيال البشري عبر الأجيال.
لقد انتقل (الخيال) عبر الأدب الشفهي الى الحكاية، ومن ثم الى فن القصة، وباقي الأجناس الأدبية. والخيال في الأدب لا يعني فقط أن نبني عالماً أسطورياً خيالياً، بل قد يكون عالماً واقعياً حقيقياً ولكنه منسوج بالخيال.. إنه محور العملية الإبداعية بحد ذاتها.. حتى الأساطير، والخرافات التي تتحدث عن عوالم غير موجودة، وعن وقائع لا تحدث مطلقاً لا تكتفي بإطلاق الخيال فقط، وإنما تحمل في حقيقتها مضامين عميقة، وإشاراتٍ، ورموزاً لفلسفة الحياة كلها، والهدف البعيد منها لا يقف عند حدود التسلية، والإمتاع بل هما القيمة، والمعرفة الحقيقيتان.
لكن الخيال الذي يتكىء فقط على ذلك المتداول، والموروث قد يأتي بعضه مقصوص الجناحين فلا يُحدث انطباعاً، ولا انفعالاً، ولا يأتي بالتالي بأي إضافة. وبما أن الرؤية الحياتية في هذا العصر قد اتسعت، وأنجز العلم فيه ما يفوق الخيال فقد أصبح كثير من الخيال المتداول، والموروث باهتاً، ولا يثير الاهتمام، كمفهوم (بساط الريح) مثلاً في زمن الطائرات، والمركبات الفضائية، والصواريخ، وغيرها.
وفي الوقت ذاته فنحن لا ننكر أهمية هذا الخيال الموروث، ولعله كان قاعدة للمكتشفات العلمية التي تحققت فيما بعد، إلا أننا وما دمنا قد استهلكناه فقد أصبحنا بحاجة الى خيال آخر مبتكر يحلّق الى آفاق جديدة ربما تكون رسوماً تنبؤية للمستقبل.
إن الخيال المبتكر الجديد الذي أصبحنا بحاجة له هو ذلك الذي يعمل على تحفيز التطلعات نحو المستقبل.. وشحذ هذه الأداة المهمة جداً التي هي (الخيال المبتكر) والتي ستنعكس لا شك على كل مَنْ يقترب منه فيما بعد في كل جوانب الحياة. فالعلم كما الأدب، وكما المهن كلها تحتاج الى الخيال.
وما بين الاكتشاف والابتكار لم تعد هناك جزر، أو قاراتٌ مجهولة، أو عوالم لا يعرفها البشر، ولا فضاء لم تغزه أقمارهم الاصطناعية.. وهذا بدوره يحقق الكثير من شحن الخيال، ودفعه بحوافز جديدة للمزيد من الاطلاع، والمعرفة، وبالتالي الى التجديد، والإضافة.

لينا كيلاني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى