فسحة للبوح مع الكاتب و الروائي العراقي علي غازي: مجتمعنا ضحل ثقافيا و متقوقع على نفسه.. أجرت الحوار: علجية عيش

مجتمعنا ضحل ثقافيا و متقوقع على نفسه
يرى الكاتب العراقي علي غازي أن مفهوم الثورية فيه نوع من الفخامة التي لا تناسب واقعنا المربوط بثقل موروثه التأريخي، باعتبارها أسلوب من أساليب التغيير الإجتماعي، قد تؤدي إلى غاية إسقاط النظام، غير ان الكاتب علي غازي قد زاوج بين الثورة و الثورية و استعملها في مجالات غير سياسية أيأنه أعطاها طابعا فنيا و ثقافيا طالما الثورة تعني التغيير، و قال أن الثورة تحتاج إلى دعم جماهيري يتخطى الطائفية والهويات الشخصية حتى يصح عليها الاسم، يتحدث علي غازي في هذه الدردشة القصيرة عن أزمة المقف العربي و علاقته بالسلطة و دوره في رسم الواقع العربي، و وفق المفهوم الإشتراكي فلا ثورة بلا نظرية ثورية


سؤال/ الحركة الثقافية الثورية في الساحة العربية لم يعد لها وجودا، هل السبب يعود إلى أن المثقف الثوري غاب عن الساحة ما رأيك؟
مفهوم الثورية، حسبما أرى فيه نوع من الفخامة التي لا تناسب واقعنا المربوط بثقل موروثه التأريخي، إذا تتبعنا الموضوع بدقة، سنجد الكثيرين لا شك، مارتن لوثر، روسو، غيفارا، لكن تأريخنا العربي ليس كذلك، فالمثقف هنا، مجرد ضحية لمجتمع أحادي النظرة، ولك ان تتصوري الحلاج، صراعات ابن رشد وابن سينا، بل أننا لا نكاد نرى شاعرا أو فيلسوفا في أي عصر من العصور، قد انتهت حياته بسلام، في العراق هناك موروث ضخم من الأسماء اللامعة التي قارعت حتى آخر نفس ظلم السلطة والدين والمجتمع، لكن لا يمكن إطلاق تسمية ثورية عليهم، حسب وجهة نظري، لأن الدائرة جدا ضيقة، والتأثير بقى في الإطار المعروف لدينا جميعا، لذلك كنا دائما نقول أن مجتمعنا ضحل ثقافيا، ومتقوقع على نفسه لدرجة أن تكون أولوياته منحصرة في سلسلة مطالب حياتية كمالية وليست فكرية.

سؤال/ مفهوم الثورية مصطلح شائك و معقد، فكيف نقيم إذن ما يحدث في العراق و سوريا و اليمن، هل هذا يعني ان البلاد العربية تفتقر إلى ثوريين؟
وجب هنا أن نفرق بين الثورية و الإيديولوجية، و ما يحدث الآن هو صراع الآيدلوجيات وليس ثورات وأظن الفارق كبير ولا يحتاج إلى تعليل، فما يحدث في هذه البلدان معروف، الدموية والغلو في استخدام العنف لدرجة التطرف، ليس له أي مبرر أخلاقي، وإذا أردنا وصفه بأنه ثورة ينبغي علينا أيضا أن نصف الطرف المقابل بذات الكيفي، لا يكفي أ نرفع الشعارات بخلفية اثنية أو ثانوية تخص أفرادا، لنحصل على لقب ثورة أو ثورية، لأن الثورة في جوهرها، تحتاج إلى دعم جماهيري يتخطى الطائفية والهويات الشخصية حتى يصح عليها الاسم، وشرعيتها تأتي من التفاف الجميع حولها، وفهمها بالطريقة التي فهمتها بها كل الشعوب الأخرى، وهذا ما يجعل التمييز سهلا بين صناع العبث والفرسان الحقيقيين،

سؤال/ إذن القضية تتعلق بالمثقف و السلطة ؟
نعم وهو المحور الذي جعل من المثقف مجرد أداة بيد السلطة، و معروف أن الإستبداد السياسي احتكار الحكم ومنع أي مشاركة للشرائح الشعبية والقوى المختلفة من تقاسم السلطة، و الحقيقة أن الثورات الشعبية والنظرية الثورية وغياب دور المثقفين و حتى المفكرين و الفلاسفة غائي أو مغيب لا فرق، حتى و إن تغاضى البعض عنه في مرحلة الزخم الثوري و التعاطف مع تطلعات الشعوب و حركات الجماهير .

سؤال / لنعد إلى الجانب الإبداعي، كيف تكونت القصة القصيرة في الوطن العربي و ماهي الرسالة التي تؤديها القصة القصيرة.؟
لا توجد مقاربات نظرية مؤكدة حول أصول نشأة القصة القصيرة العربية وإن كان البعض يرى أنها قديمة وموجودة بصيغة من الصيغ في السير والمغازي أو حتى المقامات، ولربما سنكون غير منصفين، إذا لم نشر إلى جهود جبران وجرجي زيدان والمنفلوطي، ورغم أن تجربتهم لم تكن على نحو عميق، بحيث يسهل تجنيس كتاباتهم على أنها قصص قصيرة مكتملة من حيث الشكل، لكنها فتحت الطريق خصوصا بعد الثورات العربية وحركات التحرر، منتصف القرن العشرين، أمام طبقة متنورة ليبرالية التوجهات، تأثرت بالثقافات الغربية وكتابها الكبار، كتشيخوف وموباسان، وجويس، و في العراق على وجه الخصوص هناك أسماء لها فضل الريادة في المشهد الثقافي وكانت كتاباتهم تتحدث عن الهموم اليومية والفقر والتعبير عن الصراع النفسي بصورة ناضجة جدا ، كيوئيل رسام، أنور شاؤول، عبد الملك نوري.

سؤال/ هناك اسماء مرموقة في الساحة الإبداعية العربية؟ هل تاثرتم باسم من هذه الأسماء؟
إذا أردنا الإنصاف أكثر، في الحديث عن الموضوع فلابد طبعا من ذكر ذلك الجيل الذي كان لهم التأثير الأكبر على الساحة الثقافية، كفؤاد التكرلي، عبد الرحمن مجيد الربيعي، عبد الستار ناصر، محمد خضير، عائد خصباك، وارد بدر السالم وغيرهم الكثيري.، ولدينا اليوم مئات الأسماء المرموقة التي تكتب القصة القصيرة في الوطن العربي أشهرهم من العراق وسوريا والمغرب، ولهم تأثير جدا واضح على بقية الكتاب العرب، وفي رأيي البسيط، أن القصة القصيرة، لها قابلية مرنة على إلفات نظر القارئ، ليس من ناحية الحجم فقط، بل ما تتميز به من إمكانية خلق مساحة للأفكار الملحة ومعالجتها بأسلوب سلس وخالي من التعقيد

سؤال / ماهي اهم التطورات التي شهدتها الرواية العربية
أظن أن روايائيينا العرب متأخرون بمراحل عن أقرانهم في أوروبا وأمريكا اللاتينية وحتى اليابان، ففي الوقت الذي ظهرت روايات مثل الطاعون، الغثيان، مئة عام من العزلة، والصخب والعنف، ظل البعض من الكتاب العرب يكتب بصورة نمطية و بمسميات عدة، كالواقعية، التي عنت للبعض الهبوط في التفكير لمستوى أبناء الحارات والفتوات والبلطجية، صحيح أبدع البعض روايات خالدة كموسم الهجرة إلى الشمال، وشرق المتوسط و بعض كتابات حنا مينا، لكنها ظلت تجارب فردية، لم تحسم النقاش حول تأثيرها إلا في وقت متأخر من القرن العشرين، حيث بدأت الكتابات تتغير و تتلون وتتعدد أساليبها مستفيدة من المدارس النقدية التي تطورت باطراد ملحوظ وعلى يد منظرين كبار.

سؤال/ أحيانا يستعمل الروائيون الأسلوب الرمزي في كتاباتهم، لماذا التخفي في رأيك؟
حسب وجهة نظري، هناك سببان، الأول متعلق بالأسلوب فالرمزية أداة من أدواة الكاتب، ومن خلالها يمكن ان يحقق نقلة في وعي قراءه، وتجاوز النمطي والمعتاد، والثاني يتعلق بالظروف التي تحيط كتابنا العرب فهم إما محبطون، وإما خائفون، حيث السلطة وممارساتها التعسفية، أو المؤسسة الدينية وسلوكها المتأرجح بين التأريخي والتجديد المتحفظ أصلا حتى في أرقى أشكاله، وهذان الأمران باعتقادي كافيان لتستر الكاتب وراء الرمزية لإيصال أفكاره.

بطاقة فنية: الروائي العراقي علي غازي من مواليد 1968 صدرت له عدة أعمال منها: الفصول الأربعة و هي عبارة عن مجموعة قصصية نشرت بالقاهرة سنة 2017 ، و قصص قصيرة جدا بعنوان : ذهبوا مع الريح طبعة العراق - 2018 ، إعدام شيوعي، تحت الرماد، أربع روايات قصيرة، منها روايته الأخيرة سيبورا صدرت في 2019، و كما هو ملروف يجمع علي غازي في كتاباته بين القصة و القصة القصيرة و الرواية، قال عنه النقاد أن كتاباته تختلف عما يكتبه الآخرون، و أن نظرته للرواية تختلف كذلك عن التي يراها الروائيون أنفسهم بأنها فن أدبي يعتمد على الحبكة والأماكن، و لا تخرج عن كونها تقدم فائدة معلوماتية، إلا أن كتابانه تميزت بتفاصيل واقعية و إنسانية دقيقة، و تبين أنه يحمل مشروعا فكريا.

حوار علجية عيش


علي غازي.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى