إبراهيم أنيس الكاسح - نظرية الأدب المقارن في كتابات المقارنين العرب (محمد غنيمي هلال - عز الدين المناصرة - سعيد علوش)

الحقل المعرفي الذي نستهدفه بالقراءة، فهو (الأدب المقارن)، وأما العقل الذي أنتج ونشط فيه، فهو العقل العربي لمجموعة من المتخصصين في هذا اللون من ألوان المعارف الأدبية. وقد جرى اعتماد مجموعة تتكون من (رواد) هذا اللون المعرفي، ممن أسسوا له عربياً، واشتغلوا على تثبيته والكتابة فيه، فهم، بالتالي، يتنوعون، من جهة التاريخ؛ إذ منهم الدكتور محمد غنيمي هلال الموطّن لهذا اللون المعرفي عربياً، والدكتور سعيد علوش، والدكتور عز الدين المناصرة، ممن واكب تطور أطروحات الأدب المقارن، وصاحب التجديد المنهجي فيه؛ فانعكس ذلك اختلافاً بينهم من جهة، وبينهم و الدكتور محمد غنيمي هلال من جهة أخرى؛ وتفسير اختيار هذه التشكيلة من الأسماء، يعود أساسا إلى سبب تاريخي، ينتقل بالقراءة من المنطلق إلى التوالي والاستمرارية، أي من المؤسس عربياً الدكتور محمد غنيمي هلال، الذي كان وفياً للمرحلة التأسيسية للأدب المقارن؛ فنقل المطروح من أفكار البدايات في هذا الحقل من حقول المعرفة الأدبية، إلى الدكتور سعيد علوش، والدكتور المناصرة، اللذين تعرفا على الإسهامات اللاحقة في الأدب المقارن على المستوى العالمي، وعاشا النقاش الذي دار حول نظريته ومناهجه في الفترات التالية التي تلت فترة التأسيس؛ فهما، بذلك، يعكسان المرحلة المتأخرة من تاريخ الأدب المقارن؛ الأمر الذي يضعنا أمام كل تفاصيل النقاش النظري المفهومي أو الإجرائي الذي عرفه هذا الحقل. يبقى لاختيارنا لهذه الأسماء سبب مكاني (جغرافي) يرتبط بالفضاءات المعرفية والأكاديمية التي نشط فيها هؤلاء الباحثون؛ من المغرب العربي إلى مشرقه، وهذا قمين بوضعنا أمام صورة ناقلة، وبكفاءة، لمشهد الأدب المقارن عربياً.
تأسيساً على ما تقدّم، نروم في هذه الدراسة قراءة نظرية الأدب المقارن كما وقع إنجازها في كتابة المقارنين العرب اللذين سبق ذكرهم.
التأسيس للأدب المقارن عربيا:
يذهب بنا تاريخ تأسيس علم الأدب المقارن، عربيا، إلى الحديث عن مرحلتين متعاقبتين، ومختلفتين تماماً: مرحلة أولى استوعبت كتابات غير منهجية، ولم تُعرف باحتكامها لتصور علمي متماسك، ولا بانخراطها في تيار فكري مستقر، يُعنى بالمقارنة بين الآداب في لغاتها المختلفة. فقد انصرف كتاب هذه المرحلة، التي ربما من الموضوعية وصفها بالمرحلة الأولية التلقائية، إلى إقامة مقابلات بين كيفية الإنشاء الأدبي في اللغة العربية ولغة أخرى. ونستطيع أن نؤرخ لبداية هذه المرحلة ببدايات القرن العشرين، من خلال كتابات روحي الخالدي، وسليمان البستاني، ونجيب حداد، وقسطاكي الحمصي. فقد أتيحت لهؤلاء الكتاب إمكانية التعرف على لغة أو لغات أجنبية؛ مكّنتهم من قراءة آداب هذه اللغة، والتعرف على صفاتها البنيوية، واتجاهات موضوعاتها؛ ولا تختلف هذه المرحلة، في طبيعتها التلقائية، عن مرحلتين أخريين: مرحلة عرفها تاريخ المعرفة العربية في العهد الأموي، وما تلاه، عندما اتجه إلى فحص الملكية الأدبية والمعرفية العربية الإسلامية من خلال نموذج (منجز الآخر الإغريقي أو الفارسي والهندي)، وقد سُجل ذلك في إطار ردة الفعل الطبيعية إزاء الآخر: هوية، وعقلاً، بعد كل مناسبة تتاح فيها فرصة التواصل واللقاء.

كانت نزعة (الإحساس بالعالم) كما يصفها الدكتور عز الدين المناصرة(3) قد أسهمت في الدفع باتجاه تكريس الأدب المقارن غربياً (تحت اتساع التوجه الكوزموبو ليتي في أوروبا)(4)، يُضاف إلى ذلك، هيمنة التفكير الوضعي العلمي الذي يدعو إلى ربط الظواهر بأسباب نشأتها وتطورها، بما في ذلك الظواهر الأدبية، وقد شكل هذا الاتجاه العلمي مناخاً مناسباً لشيوع الدراسات التاريخية المُحققة والممحصّة في القرن التاسع عشر،(أكثر القرون جميعاً نزوعاً للتاريخ)(5). تتفق الكتابات المؤرخة للأدب المقارن، على أن قرن البحث التاريخي (التاسع عشر) قد أسهم، وبفاعلية، في ظهور الأدب المقارن، كما أن النزعة العلمية التجريبية في هذا القرن قد دفعت إلى ضرورة أن يستقل الدرس المقارن بين الآداب بحقل خاص ينفرد به؛ وبذلك نعود إلى القرن التاسع عشر بمزيتين اثنتين قاد إليهما نسق المعرفة والتفكير السائد فيه، وهما: الحرص على استقلالية الأدب المقارن بحقل يخصه، وينشط فيه، في إطار من التحديد والضبط، وهما من شروط أية عقلية تجريبية، ومزية أخرى ترتبط بالمنهج الذي بدأت معه ولادة الأدب المقارن، وهو المنهج التاريخي الذي استفاد كثيراً من الفلسفة الوضعية.
إذا انتقلنا الآن إلى المجال العربي؛ لنعود من جديد إلى رصد ملامح التأسيس الأولى للأدب المقارن، ومن خلال الإشارات التي جاء بها المقارنون العرب الذين اعتمدناهم هنا، فإننا سنقع أمام إشارتين دالتين لهم. الأولى صدرت عن المقارنين: الدكتور سعيد علوش،والدكتور عز الدين المناصرة، وقد جرى دعمها من طرف مقارنين آخرين أرّخوا لبدايات الأدب المقارن في المجال الثقافي والفكري العربي(6).

شدد المقارن الفلسطيني الدكتور عز الدين المناصرة على (أن محمدغنيمي هلال، هو أول من أدخل هذا الحقل المعرفي بمنهجه الفرنسي( الحديث آنذاك) إلى العالم العربي فهو (رائد المنهجية)وقد أثّر – كتاب محمد غنيمي هلال – على كل ما كُتب بالعربية في مجال الأدب المقارن في الخمسينيات والستينيات وعلى طريقة تدريسه في الجامعات العربية حتى في السبعينيات)(7)، وفي كتابه الأخير (علم التناص والتلاص)، احتفظ الدكتور المناصرة بالتأكيد ذاته على ريادة الدكتور محمد غنيمي هلال، لعلم الأدب المقارن في المجال الثقافي والفكري العربي، بل إنه جعل منه صاحب مدرسة في الأدب المقارن على المستوى العربي، وهو يشير بذلك إلى تبني الدكتور هلال للمنهج التاريخي في دراساته المُقارنة، وهو منحى استقلّ به، وعُرف عنه. (كما هي حال مدرسة محمد غنيمي هلال في الأدب المقارن التي لعبت دوراً مهماً في ترسيخ المنهج التاريخي منذ عام 1953، وحتى مطلع الثمانيات من القرن العشرين، وقد تأثر بها معظم المقارنين العرب)(8).
أما الدكتور سعيد علوش، فقد أسند إلى الدكتور محمد غنيمي هلال دور (أول مؤصل لهجرة المادة، ناقلاً بأمانة الآفاق الغربية التي وصل إليها الأدب المقارن، نظرية وتطبيقاً)(9)، وأن كتابه (الأدب المقارن) يُعد(نموذجاً فريداً في تهجير الأفكار الغربية نحو الشرق، إذ يظهر على أن غنيمي هلال لم يطور فيها شيئاً بل استمر على اجترار الدرس الفرنسي المقارن)(10).
لقد التقى المقارنان الدكتور عز الدين المناصرة، والدكتور سعيد علوش، حول فكرة أن الدكتور محمد غنيمي هلال قد كان الموطّن لهذا الحقل من حقول المعرفة الأدبية في المؤسسة الجامعية العربية، وقد كان الموطّن الحقيقي؛ لأنه المتخصص فيه، والمطّلع على حقيقة نظرياته، وعلى المنهج المعتمد في المرحلة الأولى التأسيسية للأدب المقارن.
محمد غنيمي هلال: رائد المنهج التاريخي المقارن

لذلك لا نجد مبرراً لهذه اللغة المُشبعة بالإيحاءات في كلام الدكتور سعيد علوش، وهو يوظّف مفردة (تهجير)؛ ذلك أن جهد الدكتور محمد غنيمي هلال في كتابه التأسيسي (الأدب المقارن)الذي صدرت طبعته الأولى عام 1953 يُدرج تاريخياً في إطار تأسيس البدايات، التي وجدت في أفكار المقارنين الفرنسيين مرجعيتها، وأسباب تشكلها، ولا نستطيع أن نلوم الدكتور هلال على عدم سعيه لتطوير أدوات بحثه في الأدب المقارن؛ ذلك أن المنهج التاريخي كان المهيمن زمن دراسته في فرنسا، وأن النقاش الحادّ حول صوابية هذا المنهج، وكفاءته، للقيام بدراسات مقارنة فعّالة، ومنتجة معرفياً وأدبياً، لم ينشط إلا مع نهاية عقد الستينيات (1958)،عندما أعلن المقارن الأمريكي رينيه ويليك، رفضه للمنهج التاريخي.
لقد كان الدكتور عز الدين المناصرة أكثر قرباً من الموضوعية، عندما أُسند إلى الدكتور (هلال) دور المؤسس المنهجي للأدب المقارن عربياً، وعندما لم يسع وراء التعليق على نوع البحث الذي اعتمده الدكتور هلال، محتفظاً له بهذا الحق التاريخي؛ بوصفه المؤسس والرائد للأدب المقارن عربياً، وقد وعى (الدكتور المناصرة) أن منجز الدكتور هلال كان متسقاً مع طبيعة المرحلة بكل أبعادها. في حين أظهر (الدكتور سعيد علوش) تفاعلاً واضحاً مع المناهج اللاحقة في الأدب المقارن، وبالذات الانعطافة المنهجية المهمة التي جاء بها المقارنون الفرنسيون المتأخرون، مثل: (رينيه إيتامبل، وكلود بيشوا)، دون أن يقدّر أن الدكتور هلال كان يصدر في دراساته عن قبول للمقولات والأطروحات السائدة في تلك المرحلة من عمر هذا العلم. بل إننا نسجل أن الدكتور هلال قد أظهر قناعة بصواب المنهج التاريخي؛ انطلاقاً من نظرته القائمة على العلاقة بين أدب قومي وآخر، وأن التأثير متبادل بين هذه الآداب، دون أن يرتهن لمشاعر التبعية الأدبية، كما يصفها الدكتور عز الدين المناصرة.

بين الضبط المصطلحي والحدّ المفهومي:
يُجمع المقارنون العرب الذين اعتمدناهم نماذج في هذه الدراسة، على قصور مصطلح (الأدب المقارن) في تعيين هذا الحقل المعرفي بدقة، وعجزه عن الوفاء بمتطلبات التسمية التامة، التي تستوعب موضوعها بشمولية، وبدقة في الوقت نفسه.ومطلبا الشمولية والدقة يمثلان شرطاً ضرورياً لسلامة المصطلح وكفاءته، وقد كان التأكيد على قصور مصطلح (الأدب المقارن)، للدلالة على طبيعة هذه المادة وما يطرح فيها من مفاهيم، مستمراً منذ بدايات ظهور هذا العلم، إلى الكتابات المت – أخرة فيه؛ بمعنى أن الحديث عن اختلال المصطلح، لم يأتِ فقط في كتابات المقارنين المتأخرين بتأثير التطور المعرفي، الكمي والنوعي، في هذا العلم؛ الأمر الذي يعكس واقعين عاشهما الأدب المقارن، عالمياً وعربياً.
يعترف (الدكتور محمد غنيمي هلال) بعجز مصطلح (الأدب المقارن) عن تسمية هذا العلم، والدلالة عليه بالصورة المبتغاة، وقد أسس الدكتور هلال اعتراضه، على المصطلح المطروح، على طبيعة نظرته لمفهوم المقارنة أساساً، وهو مفهوم تاريخي – كما سنعرف لاحقاً – يقيم بالاً كبيراً لعلاقات التأثير المؤكد عبر دلائل وقرائن تاريخية؛ لذلك كان الأولى أن يسمي هذا العلم (التاريخ المقارن للآداب)، أو(تاريخ الآداب المقارن)، وتُوفّر هاتان التسميتان المرجوَ من تمام دلالة المصطلح(19)؛ إذ تجمعان بين ثلاثة عناصر أساسية، تختزل مفهوم الأدب المقارن وفق التصور التاريخي الفرنسي؛ فهما تحتويان على: بعد التاريخ (رصد حيثيات العلاقة)، وبعد المقارنة المتمثل في (إجراء البحث في العلاقة)، وبعد الآداب المتعددة التي يُقارن بينها مقارنة تاريخية، بشرط اختلاف اللغة، ولا نحتاج كبير جهد لنضع نقاش الدكتور هلال، حول المصطلح، في سياق نقاش سابق أثاره أساتذته المقارنون الفرنسيون من أمثال: بول فان ثيجم، وجان ماري كارية، وبول هازار، إذ ينتقل الدكتور هلال بالنقاش، حول التسمية، من البيئة الغربية الفرنسية إلى البيئة العربية دونما تحوير. حيث يُقر الدكتور هلال بعجز مصطلح الأدب المقارن عن تسمية المادة بالكيفية المطلوبة، ولكنه يذعن لهذه التسمية، ويعترف بأنها الوحيدة الرائجة اليوم؛ (لإيجازها) مما (سهل تناولها؛ فغلبت على كل تسمية أخرى)(20).
سعيد علّوش : سار في طريق الإذعان للمصطلح!!

لقد كان للدكتور سعيد علوش، موقف منسجم مع الموقف السابق للدكتور هلال، إذ يرى الدكتور علوش قصوراً في المصطلح الذي تسمّت به هذه المادة، أو هذا العلم (الأدب المقارن)، ويعود مصدر قصور المصطلح في نظره، إلى أنه يعطي مجالاً للالتباس من خلال انصرافه إلى الجانب الإجرائي في المقارنة دون أن يحدد موضوعها الأساسي(21).

وقد جاءت تسمية (الأدب المقارن)،على حساب تسميات أخرى (كالآداب الحديثة المقارنة) و(تاريخ الآداب المقارنة) و(التاريخ الأدبي المقارن)، ويبدو أن الدكتور علوش، يرى في هذه التسميات أنها استطاعت تحديد موضوعها: العلاقات التاريخية، أو مقارنة الآداب الحديثة، وهي تسمية تستجيب أكثر للمستجدات التي طرأت على بنية مفهوم الأدب المقارن، من خلال الإضافات اللاحقة، التي جاء بها المقارنون المتأخرون، وبالذات الجيل الجديد من المقارنين الفرنسيين.ولم يتقدم الدكتور علوش باقتراح تسمية بديلة، أو باعتماد تسمية واحدة جرى اقتراحها من مقارنين آخرين، بل أعاد مسلك الدكتور هلال، القائم على التشكيك في صوابية المصطلح (الأدب المقارن)، واستدعاء تسميات أخرى جرى طرحها عند المقارنين العرب، ثم الإذعان، بعد ذلك، لمصطلح (الأدب المقارن)، و الإقرار بأنه قد فرض نفسه، ولا مجال لزحزحته؛ نظراً لما تحقق له من ذيوع عالمي،(وإذا استعملنا الآن اسم (الأدب المقارن) فأخذاً بالاستعمال الأعم لا اعتقاداً بدقة هذه التسمية)(22). لقد انخرط الدكتور علوش في نفس طريقة النقاش التي أجراها الدكتور هلال حول التسمية، وهي طريقة تظهر نقلاً واضحاً للصيغة الغربية للنقاش حول مصطلح الأدب المقارن، وإعادة إنتاج له، دون كبير دورٍ في الذهاب بنقاش المصطلح وجهات قد تمنح فرصة معالجة له في الإطار العربي، والغريب أن إشكالية مصطلح (الأدب المقارن) هي إشكالية في أصل تكوينه، وفي ملابسات إطلاقه منذ الأصول والقواعد، وليست إشكالية ترجمة ونقل للمصطلح إلى لغة أخرى، فقد انتقل المصطلح بمشاكله المصاحبة له إلى اللغة العربية، وهذا أمر غريب؛ إذ كان من الممكن، في إطار نقاش معرفي حقيقي، وبرعاية مؤسسات تؤطّر هذا النقاش، أن تتحقق للمقارنين العرب ولو إضافة معالجة إشكالية المصطلح، أو الإسهام فيها من خلال مؤتمرات الأدب المقارن وندواته العالمية.
عز الدين المناصرة: (النقد المقارن)، أم (علم التناص والتلاص)!!

إذا انتقلنا، الآن، إلى موقف (الدكتور عز الدين المناصرة) من مصطلح (الأدب المقارن)، وما يثيره هذا المصطلح من تعليق، فسنجد أن الدكتور المناصرة،قد كان مدركاً لعدم كفاءة المصطلح للدلالة عن طبيعة المطروح الفكري والمفهومي في هذا العلم، وقد جاء موقفه هذا منسجماً مع النظرة العامة لكل المقارنين في كل البيئات حول قصور مصطلح (الأدب المقارن)، وعجزه عن الوفاء التام بكل أسباب التسمية الناجحة لهذا العلم، يقول الدكتور المناصرة: (منذ فيلمان الفرنسي مؤسس الأدب المقارن 1828 ظل مصطلح الأدب المقارن ملتبساً، والمستغرب أن هناك إجماعاً عالمياً حول هذا الالتباس)(23)، وقد وضع هذا التوصيف، حول المصطلح،الدكتور المناصرة في الاتجاه العام الذي يجمعه مع المقارنين السابقين:الدكتور محمد هلال، والدكتور سعيد علوش، غير أن ما يميز معالجة(الدكتور المناصرة) لإشكالية المصطلح (التسمية) أنها تحمست إلى المبادرة لتقديم بدائل اصطلاحية أخرى، وأقول، هنا، بدائل،لا بديلاً واحداً، وفي هذا تشابه بينه وبين المقارنين الغربيين المؤسسين الذين تنقلوا بين:

Histoire comparative des littératures, Histoire des littératures comparées, science de la littérature comparée

يتفق (الدكتور المناصرة) مع المقارنين المؤسسين في التنقل بين أكثر من بديل وخيار مصطلحي، وهو بذلك يتفق، أيضاً، مع الدكتور هلال، والدكتور علوش اللذين أعادا إنتاج هذا التنوع المصطلحي وفق المصدر الغربي، وبالذات الدكتور هلال. لكن الملمح الذي اختصّ به الدكتور المناصرة، أنه لم يلتزم خياراً مصطلحياً واحداً، وأن اقتراحاته المصطلحية تنوعت في دوال لغوية عديدة، عكست شعوره بقصور المصطلح المتداول، ولكنه لم يكن فعالاً في اعتماد (مصطلح واحد) يحلّ بديلاً للمصطلح المعطوب (الأدب المقارن)؛ فكان الدكتور المناصرة قادراً على التشخيص، وهي قدرة لم ينفرد بها، بل انتقلت إليه من غيره، في إطار تشخيص جماعي لكل المقارنين تقريباً الذين وعوا العجز الدلالي في هذا المصطلح، ولم يكن الدكتور المناصرة، بالمقابل، قادراً على تحديد البديل الكفيل بتصويب الخلل. ولننظر الآن، في المصطلحات التي جاء بها الدكتور المناصرة، والتي توزعت على كل دراساته في الأدب المقارن، فعنوان كتابه المنشور في طبعته الثانية، عام 1996: (المثاقفة والنقد المقارن)، ويتضمن هذا العنوان، من جهته، عنوانين منفصلين، يصلح كل عنوان أن يكون مصطلحاً، بحسب الدكتور المناصرة. فمن جهة هناك: المثاقفة، والنقد المقارن من جهة أخرى.وقد جاءت في هذا الكتاب إشارات عديدة إلى بدائل مصطلحية يطرحها أمام الباحثين في هذا العلم: (النقد المقارن–المثاقفة – علم الأدب المقارن – نظرية المقارنة – نظرية مقارنة الآداب – خطاب المقارنة.

وله في كتابه الحديث عنوان يستقيم تسمية بديلة عن (الأدب المقارن) والعنوان هو:(علم التناص والتلاص)2006، وقد جاءت في هذا الكتاب إشارات إلى تسميات أخرى، من ذلك: النقد الثقافي المقارن، النقد المقارن.
صحيح، اعتماداً على الرصد السابق، أن الدكتور المناصرة قد كان أكثر استخداماً لمصطلح: (النقد المقارن) بالتحديد، مقارنة مع غيره من المصطلحات الأخرى، ولكنه لم يستطع، في الحقيقة، الاستقرار على مصطلح ثابت ونهائي، ينهض بتلبية ضرورات التسمية الدلالية والمفهومية، فقد أدخلنا معه في دوَّامة مصطلحية، عكست إحساسه بالمشكلة.فالدكتور المناصرة يعي، وإن ضمنياً، أن المصطلح شأن جماعي مؤسساتي يستدعي قبولاً عاماً بتطبيقه من قبل المشتغلين في إطار الحقل المعرفي الواحد، وأن تعدد البدائل المصطلحية لا يعالج المشكلة بقدر ما يفاقمها، فأيها نختار؟، وهل بقي لنا مجال للاختيار أصلاً بعد ما يقرب من قرنين على ظهور الأدب المقارن.
لقد كان (الدكتور هلال والدكتور علوش) مدركين لقصور مصطلح (الأدب المقارن) ولكنهما سلّما بحضوره واستمراريته؛ للدلالة على هذا العلم؛ بحكم الأمر الواقع الذي أوجد له شرعية؛ بفضل الاستعمال الدائم. ولم يفعل (الدكتور المناصرة)، بالمقابل، إلا أنه فاقم المشكلة، وزاد من تعقيدها؛ لأنه وضعنا أمام حرية تعدد مصطلحي. غير أنه (المناصرة)، أعلن في (الطبعة المصرية) لكتابه (علم التناص والتلاص)2006أنه يطرحه كبديل، إضافة لمصطلحه القديم (1988)– أي مصطلح (النقد المقارن)، ويترك المصطلحين للمناقشة والحسم. ويفضي حديث المصطلح، دائماً، إلى الانتقال إلى حديث آخر يتصل بالركن المكمّل لهذه الثنائية المتكاملة تكاملاً عضوياً: المصطلح – المفهوم.
يتضمن مفهوم (الدكتور محمد غنيمي هلال) للأدب المقارن الأبعاد الآتية:
1 – بُعدٌ تعدد الآداب؛ تبعاً لتعدد اللغات القومية.
2 – بعد المقارنة التاريخية، التي تسعى وراء رصد العلاقات بين الآداب القومية.
3 – التقاط صور التأثر بين طرفي المقارنة.
4 – أن صور التأثر وأشكاله تتم عبر موضوعات تمكّن لذلك، وتقود إليه، ويسهل رصد أنماط التأثر من خلالها، كموضوع المصادر، والأجناس الأدبية والتيارات الفكرية.

لا نقدم كشفاً معرفياً للمهتمين بالأدب المقارن عربياً، إذ قلنا إن الدكتور هلال يبدو وفياً لتصور أساتذته من المقارنين الفرنسيين، وأنه ظل ابناً باراً للمدرسة الفرنسية التي تشكّل وعيه في إطار مقولاتها النظرية، وأنه كان ملتزماً تماماً بالمنهج التاريخي الذي قامت المدرسة الفرنسية في الأدب المقارن على مبادئه.

مفهوم المقارنة الأدبية تاريخي في تصور الدكتور محمد غنيمي هلال، وعبر التاريخ تقوم المقارنة، ولأجل كتابة تاريخ الأدب القومي أضحت المقارنة الأدبية عاملاً مهماً يعين على كشف الإضافات التي عرفها أدب ما بفضل تأثره بأدب آخر.

يتأثر الدكتور سعيد علوش، وهو يتصدى لمفهوم المقارنة الأدبية، بتطور المعرفة الأدبية في العقود المتأخرة من القرن العشرين، وبتجدد وتنوع الرؤى التي طرأت على الأدب المقارن، تحديداً مع منتصف القرن العشرين؛ لذلك يأتي مفهومه لمصطلح الأدب المقارن مختلفاً عن مفهوم الدكتور هلال، من جهة عدم احتفائه بالتاريخ شرطاً أساسياً عند كل مقارنة أدبية، وما هو كان متمسكاً به الدكتور هلال.

ينطلق الدكتور علوش من مفهوم مصطلح (المقارنة) عموماً، بوصفه(حالة أنطولوجية، ملازمة لسيكولوجية الأفراد والجماعات، ولا تخص مجال الأدب وحده)(32). فالمقارنة فعل وصفي يعتمد مسارات متنوعة كالتأمل، والرصد العقلاني؛ والإحساس أحياناً؛ وتفضي هذه المسارات، بالمحصلة، إلى توصيف الموضوع المعنى؛ لإدراك ملامحه، وصفاته، وإمكاناته مقارنة مع طرف أو موضوع آخر؛ فهي(أي المقارنة) إجراء عقلي، وأحياناً، نفسي مصاحب لكل الظواهر، يفيد مهمة تقييم وتكوين فكرة عن موضوع ما.ولا يعني هذا النقاش أن الدكتور سعيد علوش سيأخذ من المقارنة بعدها القيمي المعياري؛ لتصبح نسقاً يتم تطبيقه وإجراؤه لتكوين فكرة معيارية عن موضوع أو ظاهرة أدبية، عند استدعاء مفهوم المقارنة في مجال الأدب المقارن.
يعرّف الدكتور سعيد علوش، المقارنة الأدبية بأنها تُعنى ب (التقريب بين وقائع مختلفة ومتباعدة، في غالب الأحيان، بغاية استخلاص القوانين العامة، التي تخضع لها هذه الظواهر الأدبية. فالمقارنة تفترض ضمنياً معرفة مسبقة واستعداداً موسوعياً للملاحظة والقراءة والتفسير والتأويل)(33).
المعرفة المسبقة، والاستعداد الموسوعي، وهما صفتان لن تقودا، فقط، إلى التأريخ للعلاقة بين الآداب القومية، وهو ما نطلق عليه البحث عن (كيفيات العلاقة) في الأدب المقارن، وهو جوهر منهج المقارنة التاريخية الذي يتبناه الدكتور محمد غنيمي هلال. صفتا المعرفة، والاستعداد الموسوعي ستمكنان المقارن أيضا من: (الملاحظة والقراءة والتفسير والتأويل)؛ فتلتقي كل هذه الأفعال مشكّلة نظاماً ينهض بمهمة مقارنة الظواهر الأدبية من خلال نقدها ومقاربة بنيتها (كيفيات البناء).
ومحاولة التقاط أهم الأبعاد المكوّنة لمفهوم (الدكتور سعيد علوش) للمقارنة الأدبية. ستضعنا أمام الأبعاد والدلالات الآتية:
1 – بعد التقريب بين الظواهر المتباعدة والمختلفة؛ لاختلاف اللغة والفضاءالادبي(34).
2 – بعد المقارنة النقدية القائم على الملاحظة والقراءة والتفسير.
3 – استخلاص القوانين العامة التي حكمت بنية الظواهر الأدبية، وصاغت نظام تشكلها، ويأتي هذا البعد نتيجة للبعدين السابقين.

يستفيد (الدكتور عز الدين المناصرة)، في حده للأدب المقارن، من الاتجاهات المتأخرة في الدراسات المقارنة، ومن حالة التقارب العامة بين الحضارات والشعوب، وهي حالة تختلف كثيراً، كما نرى، عن النزعة الإنسانية الرومانسية في القرن الثامن عشر. لقد غلب اتجاه بعد – استعماري يحاول توطين قيم جديدة في العلاقات الإنسانية، تدفع باتجاه ما نجده مؤخراً من وفرة في مصطلحات الحوار والتواصل والتفاعل الدولي، وهو جو عام شجعت عليه وسائل التواصل الحديثة، وأيضاً إدراك النخب السياسية والفكرية بضرورة درء التطرف في كل الشعوب، والبحث عن مناطق مشتركة يمكن من خلالها التعايش بين الحضارات الإنسانية، وفي ظل هذا الجو الإنساني ما بعد الاستعماري، نستطيع، بشيء من الثقة، أن نضع مفهوم (الدكتور المناصرة) للأدب المقارن الذي هو:(علم التفاعل الثقافي والأدبي بين الآداب الإنسانية كلها، بغض النظر عن أهمية اللغة ومركزيتها أو كونها لغة من لغات الأطراف الأوروبية)(35)، ويبدو، بجلاء، أن هذا المفهوم ينقل تصوراً أكثر انفتاحاً عن حقيقة الأدب المقارن؛ فمن خلاله تشديده على التفاعل الثقافي والأدبي، تتراجع فكرة التأثير والتأثر الكلاسيكية في الأدب المقارن، والتي تبتعد كثيراً عن مبدأ التوازن بين الآداب الإنسانية، كما أن شرط اختلاف اللغات يظل حاضراً في كل دراسة تُرصد في مجال الأدب المقارن، غير أن الاختلاف بين اللغات لا يقيم بينها فرزاً معيارياً يجعلها تختلف؛ لأنها تتمايز وتتفاضل، بل إنها تختلف؛ لأنها تعود إلى أصول وظروف متنوعة؛ قادت إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تفاضل؛ لذلك كان تشديد (الدكتور المناصرة) واضحاً على عدم إقامة المقارنة الأدبية انطلاقاً من تصور تضبطه علاقة: المركز والهامش، المركز المؤثر، والهامش المتأثر. ويمكن أن نركب فهماً لتعريف (الدكتور المناصرة) السابق يقوم على الأبعاد الآتية:

1 – بعد التفاعل الأدبي بين الآداب الإنسانية، دونما حرص على استمرار التصور التقليدي الذي نشأت معه المقارنة الأدبية الفرنسية، والذي يقدّم في الغالب العلاقة التاريخية القائمة على التأثر، وهو الإطار المركزي الذي ينظم كل مقارنة أدبية.
2 – بعد رصد التفاعل بين الآداب الإنسانية، التي يجب ألا تنحصر في أدب الحضارات المهيمنة، والتي تمتلك حضوراً مركزياً في مدونة التاريخ الأدبي الإنساني، ونقصد تحديداً الآداب القومية الغربية. فمن تشديده على الآداب الإنسانية يُشير الدكتور المناصرة إلى ضرورة الالتفاتة إلى آداب حضارات الشرق الأدنى والأقصى، وآداب دول أمريكا اللاتينية36.
3 – بعد ضرورة كسر هيمنة لغة مركزية ما في المقارنة. بمعنى أنه لا يجوز استمرار الانجذاب وراء لغات، نشعر أنها الأكفأ والأقدر، من جهة ما أنتج فيها من آداب، وبالذات وأن جزءاً مهماً من دلالات كثافة حضورها، تاريخياً، يرتبط بظروف استعمارية إمبريالية، أفرزت معاني القوة والقهر والغلبة.
طبيعة الأدب المقارن:
يصعب فك الارتباط بين الحد والماهية، بين مفهوم الشيء وطبيعته، ومآل ذلك أن كلا العنصرين: المفهوم والطبيعة يقومان بمهمة التعريف بالموضوع، وإظهار حالته، كيف هو؟
غير أن القراءة اللاحقة للمعرفة، وهو ما يوضع أحياناً في إجراءات المنهجية، لا المنهج. إذ تقوم المنهجية على مبدأ فحص واختبار تطبيقات المنهج التي جرى إعمالها في علم من العلوم. تفرض القراءة اللاحقة سعياً دائماً وراء المكوّنات التفصيلية لبنية الظاهرة؛ بما يقدّم كل أجزاء هذه الظاهرة؛ وبما يفضي، في الوقت نفسه، إلى تركيب معرفة أشمل حول هذه الظاهرة.
إذا بدأنا (بالدكتور محمد غنيمي هلال)، مناقشين كيفية تصوره لطبيعة الأدب المقارن، فإننا نفعل ذلك في إطار انسجام طبيعي مع تاريخ ظهور وتطور هذا العلم في البيئة الثقافية والفكرية العربية. وتقوم طبيعة الأدب المقارن في تفكير الدكتور هلال على محاور مركزية أربعة: التأثير والتأثر – التأريخ لعلاقة التأثير والتأثر الحقيقي – اعتيادية التأثير والتأثر – الوظيفة المُنتظرة من دراسات التأثير والتأثر.
المحور الأول: التأثير والتأثر:
لا يقيم (الدكتور محمد غنيمي هلال) بالاً لأية مقارنة بين موضوعين أدبيين لم تنشأ بينها فعلاً صلات من التأثير والمتأثر.
وإذا حيّدت أية دراسة هذا الأصل، ولم تبحث فيه، واتجهت مباشرة إلى موضوعات ومطالب أخرى، فهي لا تُعد من صميم الأدب المقارن، كما أن الدراسات التي تنصرف إلى عقد المقارنات بين الظواهر و الموضوعات الأدبية التي لم تتأكد بينها علاقات التأثير والتأثر، وصلات أخذ اللاحق عن السابق، فإنها بعيدة تماماً عن أن تُدرج في إطار هذا العلم (الأدب المقارن).يقول: (ويترتب على ما سبق… أنه لا يُعد من الأدب المقارن في شيء ما يعقد من موازنات بين كتاب من آداب مختلفة لم تقم بينهم صلات تاريخية حتى يؤثر أحدهم في الآخر نوعاً من التأثير أو يتأثر به)(37)، وإن تم رصد شيء من التشابه والتقارب بين ظاهرتين أدبيتين في لغتين مختلفتين، فإن هذا لا يُعد مبرراً كافياً للقيام بدراسة مقارنة بين هاتين الظاهرتين، يقول: (ولا يصح أن ندخل في حسابنا مجرد عرض نصوص أو حقائق تتصل بالأدب ونقده لمجرد تشابهها أو تقاربها دون أن تكون بينها صلة ما نتج عنها توالد أو تفاعل من أي نوع كان)(38). والبحث في التشابه بين مختلفين لم تتأكد صلة بينها ليست له قيمة تاريخية؛ وبذلك لا يُعد في باب الأدب المقارن(39).
والدكتور غنيمي هلال يعي إمكانية حدوث التشابه بين النصوص الأدبية في الآداب القومية المختلفة؛ لتشابه الحوادث والظروف التي تقرّب بين التجارب الإنسانية، غير أن نتيجة هذا التشابه وانعكاسها على الأدب لا يُعد موضوعاً للأدب المقارن، ومجالاً من مجالات البحث فيه.( ويجب ألا يفوت الباحث التفريق بين التأثر وبين مجرد توارد الخواطر وتلاقي الأفكار).
يُظهر الدكتور هلال، من خلال النصوص السابقة، التزاماً واضحاً بمبدأ الصلة بين الآداب، والعلاقة المؤكدة التي تعود باللاحق إلى السابق، وتجعل من السابق مصدراً للاحق.
المحور الثاني: التأريخ لعلاقات التأثير والتأثر الحقيقي:
يوجّه التصور التاريخي نظرة الدكتور محمد غنيمي هلال لطبيعة الأدب المقارن، ويربط نظرته هاته بأصلين مهمين تقوم عليهما الدراسات التاريخية، فالأصل الأول يقترن بالدلالة العلمية الوضعية التي يؤمنها البحث التاريخي؛ ذلك أن نظام تراتب الأشياء وتعاقبها أفقياً يؤمن تفسيراً مقبولاً لنشوء الظواهر وتخلّقها، فعادة ما نربط الأشياء بأسبابها. وتندرج هذه العلاقة في إطار زمني تاريخي، يقدّم السبب على النتيجة. وبناء على هذه الفكرة يصير الطرف المؤثر: شخصية أو نصاً، أو مصدراً ثقافياً، أو تياراً… سبباً مباشراً وفعّالاً في ظهور الموضوع الأدبي المتأثر. أما الأصل التاريخي الآخر، فهو وثيق العلاقة بالأصل الأول، بل متمم له، إذ أن طرفي علاقة التأثير والتأثر يندرجان في إطار صلة زمنية تقدّم السابق على اللاحق، وأن الأول يسبق الآخر زمنياً (فأحد الفنانين سابق، والآخر لاحق وأن الأول ليس له نموذج يحتذي به، على حين يتوافر للثاني ذلك النموذج، وأن الأول يرى الأشياء وجهاً لوجه، على حين يراها الثاني بواسطة الأول)(40). وفق هذا التصور، يمكن أن نضع هكذا تفكير أدبي من ضمن انشغالات نظرية الأدب التي ترصد مساحة مهمة للمنهج التاريخي، وهي تبحث في سؤال نشأة الإبداع الأدبي، فالبحث التاريخي الرابط بين السبب والنتيجة، والسابق واللاحق، يقدّم تفسيراً للإنتاج الأدبي، يعود بولادته إلى أسباب وضعية تاريخية.
إن التأريخ لعلاقات التأثير والتأثر لا يقدم، فقط، تفسيراً لنشوء الظاهرة الأدبية، وإنما يصحب هذه في تحوّلاتها، وانتقالها عبر رحلة التطور الإبداعي، ومن الانتقال ما يقود الظاهرة الأدبية: نصاً، أو شخصية أدبية، أو مصدراً أدبياً ثقافياً، إلى تجاوز حدود اللغة القومية، وتعدّي أطر الخصوصيات الثقافية، وهنا بالتحديد تكمن منطقة عمل الأدب المقارن. وفي هذه المنطقة بالذات، ينشط المنهج التاريخي في الأدب المقارن؛ ذلك أن العلاقة القائمة على التأثير والتأثر بين الآداب تشترط صلة ما بينها، وهذه الصلة بالذات، هي ما يمثل أحد أهم قضايا البحث في الأدب وفق التصور التاريخي الذي يتبناه الدكتور محمد هلال(فالأدب المقارن يهتم بإثبات الصلة بين الوسط المؤثر والوسط المتأثر)(41) و(يستعان في ذلك بما أدلى به المؤلف من تصريحات عن نوع ثقافته وتأثره بكاتب أو ثقافة بلد)(42)، وتسجيل تصريحات الكاتب عن طبيعة مصادر تشكيل ثقافته، ومن ثم صياغة وعيه الإبداعي، يُعد من صميم الشأن التاريخي، ولا يجب التوقف، فقط، عند هذه التصريحات، بل لابد من التوسع في البحث التاريخي؛ ليشمل الحقائق التاريخية لعصر الأديب، أو الظاهرة الأدبية موضوع الدراسة المقارنة (كي يستطيع (المقارن) إحلال الإنتاج الأدبي محله من الحوادث التاريخية التي تؤثر في توجيهه ومجراه)(43).
الأدب المقارن تأريخ للحظة التلاقي بين طرفي المقارنة (المؤثر والمتأثر)، وتأريخ لظروف وسياقات هذا التلاقي، وهو أيضاً تأريخ للأدب في إطاره القومي من جهة صفاته، وخصائصه المضمونية والشكلية، تم تأريخ، بعد ذلك، لما طرأ على هذا الأدب القومي من تغيّرات مسّت صفاته وخصائصه المضمونية والشكلية. فالأدب المقارن، وفق تصور الدكتور هلال، رحلة قاطرتها التاريخ؛ تنطلق من فرضية الصلة، لتؤكد من ثم، بالدلائل والقرائن التاريخية، وقوع هذه الصلة، وما يترتب عليها من نتائج أدبية وفكرية. ويلخّص الدكتور محمد هلال طبيعة الأدب المقارن التاريخية بامتياز في قوله:(لأننا لا نقصد بدراسة الأدب المقارن إلا الوصول إلى شرح الحقائق عن طريق تاريخي، وكيفية انتقالها من لغة إلى أخرى، وصلة توالدها بعضها من بعض، والصفات العامة التي احتفظت بها حين انتقلت إلى أدب آخر)(44).
ولو أردنا إعادة إنتاج التصور التاريخي العلمي بشموليته وهو يضبط حركية المقارنة الأدبية، فإننا سنقترح صيغة تنتقل بالعملية التاريخية بين جوانبها المتعددة البانية لطبيعتها، وهي:

الجانب العلمي الوضعي: التأثير.

– الجانب التاريخي الوثائقي: القرائن والأدلة التاريخية التي تثبت الصلة.
– جانب تأريخ الإبداع والإضافة: التحوّلات التي طرأت على الطرف المتأثر من جهة الصفات الإبداعية الأدبية الجديدة التي توفرّت له واستطاع تحصيلها.
المحور الثالث: اعتيادية التأثر
من المُنتظر أن يبرز احتجاج على ميل الدكتور هلال التاريخي، أو لنقل على اطمئنانه الزائد إلى المنهج التاريخي وصوابيته؛ بوصفه الألصق بطبيعة المقارنة الأدبية الحقيقية، وبوصفه الأكثر فاعلية؛ لقيام الأدب المقارن بدوره العلمي المعرفي الذي من أجله نشأ. وسيكون مصدر الاحتجاج أصوات مقارنين عرب متأخرين، اطلعوا على تطور الأدب المقارن، وعلى ما استجد على نظريته وتطبيقاتها من إضافات؛ ليعلنوا احتجاجهم واصفين المنهج التاريخي بالعقم(45)، وأنه يظهر تبعية طرف المقارنة المتأثر(46). ويجمع (الدكتور عبده عبود) جملة المآخذ على المنهج التاريخي في قوله: (فدراسات التأثير والتأثر تقلل من أصالة الأديب المتأثر وتظهره في مظهر من يقلد الأدباء الأجانب، إن لم يكن في مظهر من يمارس السرقة الأدبية… فمما لا يمكن إنكاره حقيقة أن بحوث التأثير تعطي الجانب المتأثر دوراً سلبياً، إذ تضعه في موقف المنفعل لا الفاعل، طامسة بذلك دوره الإيجابي الخلاّق)(47).
لم يكن الدكتور هلال غير مدرك لاحتمالات الاحتجاج على استفراد التاريخ بدراساته المقارنة، بل كان يعي ذلك، وينتظره؛ لذلك كانت له عديد الإشارات التي حاولت تصحيح الانطباع السلبي عن فكرة(التأثر) بين الآداب، وبين الأدباء(فالتأثير الرشيد لا يمحو الطابع المحلي، ولا يطغى على الأصالة القومية، ولا ينال من قدر الكاتب ومقدرته)(48)، ويُرجع الدكتور هلال اعتيادية التأثر إلى عاملين مركزيين، أولهما: أن (الأصالة المطلقة مستحيلة، وأن الأفكار متفرقة مجزأة ملك الإنسانية جمعاء، وكفي الناقد أو الكاتب أصالة أن يخلق منها كلا تظهر فيه شخصيته. ولذا كان التأثر الهاضم غير ماس بأصالة الكاتب أو الناقد)(49)، ويستشهد الدكتور هلال بتاريخ الأدب الإنساني ليؤكد أن الثقافات لم تتوقف يوماً عن تبادل المنجزات الأدبية بصورها المختلفة؛ فأمر التأثر شأن طبيعي بين آداب الشعوب المختلفة، ويطلق (الدكتور هلال) وصف: الاستعارات الأدبية(50) ليلطّف، من خلاله، الدلالات الحادّة التي قد تفرزها عملية التأثر حول الطرف المتأثر. ونفهم من هذا الوصف العامل الآخر الذي يبرر عملية التأثر، وبالذات من جهة الطرف اللاحق، ونقصد بهذا العامل: (أن الآداب في مختلف الأمم تتبادل فيما بينها علاقات التأثير والتأثر)(51)،وأن هذه العلاقات سلوك مألوف بين الحضارات والثقافات الإنسانية، دونما تقدير لاعتبارات التفوق أو التمايز؛ فهناك أمم تأثرت وهي قوية، كالأمة الرومانية في علاقتها بالأمة الإغريقية، والأمة العربية في علاقتها بالأمة الفارسية في العصر العباسي.
المحور الرابع: وظيفة التأثر:

يقيم (الدكتور هلال) في فهمه لطبيعة الأدب المقارن التاريخية ثلاث وظائف تفضي إليها الصلات المبنية على التأثر بين الآداب.

1 – وظيفة إنسانية؛ تقرّب بين الشعوب والحضارات، وتُخرج الآداب القومية من عزلتها(52).
2 – وظيفة قومية؛ تؤديها المقارنات التاريخية التي تكشف عوامل القوة والتميز في الأدب القومي؛ الأمر الذي يجعله مؤثراً، أحياناً، في آداب أمم أخرى(53).
3 – وظيفة تتعلق بتاريخ الأدب ونقده؛ فيكمل الأدب المقارن كتابة التاريخ الأدبي، ويعين على إنجازه؛ بتزويد مؤرخي الأدب بحقائق تتصل بمصادر التأثير الخارجي، وحينها يجد المؤرخ الأدبي في علاقة الأديب بالمصادر الخارجية معلومات تعين على كتابة تاريخ الشخصية الأدبية، أو التأريخ للظاهرة الأدبيةعموماً(54).
لقد صاغ التصور السابق (للدكتور محمد هلال) حول طبيعة الأدب المقارن، كما يبدو، عاملان أساسيان، عامل خارجي، يرتبط بالاتجاه السياسي والفكري العام الذي ساد في منتصف القرن العشرين في مصر، وفي بعض الدول العربية الأخرى، ونقصد به الاتجاه القومي العربي. ويدفع هذا الاتجاه ناحية التعرف على خصائص الموروث الأدبي القومي؛ مما يقوي الإحساس بالانتماء، ويغذي الشعور بسمو الهوية المنتمي إليها، وقد تجلّت بعض ملامح هذا الاعتزاز بالهوية، من خلال الحرص على تكريس مقارنات تظهر القومية العربية: ثقافة وأدباً، بمظهر المصدر المؤثر الذي أسهم، وبحيوية، في تشكيل جزء من المدونة الأدبية الإنسانية التي وجدت في الأدب العربي، والثقافة العربية الإسلامية مرجعاً مناسباً لكثير من إمكانات الإضافة المضمونية والشكلية.
ويتصل العامل الآخر بالاتجاه الأدبي المهيمن في مرحلة تكوين الوعي للدكتور محمد هلال، وهو الاتجاه التاريخي، الذي مارس تأثيراً عالياً، ووحيداً، في توجيه دراساته المقارنة.

لن يكون الدكتور سعيد علوش، في الحقيقة، الطرف الآخر الفعّال الذي سينشط، بحيوية، النقاش حول طبيعة الأدب المقارن؛ وذلك يعود إلى عدم احتكامه إلى محددات خارجية وداخلية أثرّت مباشرة على مقاربته لهذه المسألة، كما كان الحال مع (الطرف الأول): الدكتور محمد غنيمي هلال الذي قدّم فرصة مهمة لإقامة نقاش نوعي حول هذه المسألة؛ نتيجة لتنوع مصادر وعيه كمقارن من جهة، ونتيجة لتمسكه بإعمال تصور، في المقارنة الأدبية، رأى أنه الأصوب والأكثر كفاءة من غيره، ولما أبداه من تمسك شرس بهذا التصور، إلى الحد الذي جعل من المنهج التاريخي، بإجراءاته المختلفة، حدّاً لتعريف الأدب المقارن، وضبط مفهومه.
والطرف الآخر الذي يمكن له أن يسهم، في تقديرنا، بحيوية في إغناء النقاش حول (طبيعة الأدب المقارن) عربياً، هو الدكتور عز الدين المناصرة.لقد بنينا هذه الثقة في نجاعة إسهام الدكتور المناصرة في الحوار حول طبيعة الأدب المقارن، على اعتبارات تشبه في إطارها العام تلك التي كانت حاضرة وراء التصور الخاص بالدكتور محمد غنيمي هلال، وإن كانت تختلف تماماً في جوهرها وطبيعتها.
لقد تأسس وعي الدكتور المناصرة (الإنسان) في إطار أزمة ضاغطة تصل حد المحنة، وهي أزمة المصير الفلسطيني؛ إذ كان ابن الحالة الفلسطينية بامتياز، متأثرا بها، وشاعراً بمرارتها، ومنتجاً لممارسات تحاول التدخل لتلطيف قسوة واقع هذه الحالة؛ إذا تعذّر لعلاج التام. كما أن وعيه الأدبي والنقدي، كان متأصلاً في فضاء الدراسات الفكرية والأدبية السلاقية التي تغذى على كثير من رؤاها ومقولاتها إبّان فترة التحصيل الأكاديمي في بلغاريا – هما، إذاً، شرطان نوعيان سيمارسان تأثيراً مباشراً في توجيه تصور (الدكتور المناصرة) حول طبيعة الأدب المقارن، وهما يقتربان، في إطارهما الخارجي العام، من حالة كيفيات بناء الوعي لدى الدكتور غنيمي هلال.
لننظر، الآن، في بناء تصور الدكتور المناصرة حول طبيعة الأدب المقارن، ومن ثم سنرصد أوجه الاختلاف بينه والدكتور هلال، وإن تقاطعا في الإطار الخارجي العام، كما شددنا على ذلك سابقًا.

يقيم الدكتورالمناصرة مفهوم المقارنة الأدبية على مبدأ (التفاعل)(55)، وليس على مبدأ (التأثر)، كما هي الحال مع الدكتور هلال. وينهض مصطلح (التفاعل) على دلالة مركزية هي: المشاركة والتبادل، وهي دلالة تتعارض، تماماً، مع ما قد يطرحه مصطلح (التأثر) من مركزية وقطبية.
يفترض (التفاعل) بين الآداب، مسبقاً، تفاعلاً بين الأعراق والحضارات الإنسانية؛ وهو، بالتالي، يصطدم مع الثنائية خارج – أدبية، التي يعارضها الدكتور المناصرة، والتي تقوم إمّا على التبعية للمركز الغربي (الأنجلو – فرانكفوني)(56)، وإمّا على النرجسية القومية، و(التبعية للموروث العربي بصفته أصلاً ونموذجاً)(57).فالتفاعل الأدبي تجاوز للارتهان لمكوني هذه الثنائية، إذ ينفي التفاعل الأدبي حالة الاستلاب أمام النموذج الغربي، ويدفع إلى التحرر من الهيمنة الضمنية أو الصريحة لهذا النموذج؛ بوصفه قد حاز صفات المثال، التي تؤهله ليكون نموذجاً متعالياً يجب السعي للاقتراب منه، ومن ثم التأثر به. ويخدم (مفهوم التفاعل الأدبي)(الدكتور المناصرة) في الدفع باتجاه البحث عن مقارنات مع آداب تخرج عن دائرة المركزية الأنجلو – فرانكفونية، كالآداب (السلافية والصينية واليابانية والإفريقية واللاتينية)(58)، ويخدم التفاعل المتوازن، الضامن لقدر مهم من الندية، فكرة أخرى تجد صداها في التعاطي الفلسطيني مع القضية والهم المركزي (فلسطين)؛ ذلك أن الدكتور المناصرة، في سعيه لكسر هيمنة النموذج المركزي الغربي (الأنجلو – فرانكفوني)، يعبّر عن رفضه التعاطي مع المنجز الأدبي الإسرائيلي بدواعي المثاقفة والتطبيع؛ ذلك أن هذا النموذج يرتبط بعلاقات حيوية ذاتية مع نموذج الهيمنة الغربية الإمبريالية(59).
ونلحظ أن الدكتور المناصرة لم يقم رفضه للمثاقفة الإسرائيلية، كما يسميها(60)، على أسباب سياسية مباشرة، على الأقل في سياق حديثه عنها هنا، وإنما نجده يضع المسألة في إطار أدبي فكري محض، يبعدها عن الربط الذرائعي الصريح بين الأدب والسياسة، وهو ما أكسب كلامه إمكانية التلقي الموضوعي.
إن إجراء أية مقارنة مع النموذج الغربي المهيمن، ومنه المثاقفة الإسرائيلية، لن يمنحنا مقارنة متوازنة يشترطها مفهوم التفاعل؛ لأن الصفات العضوية للنموذج المركزي الغربي تمنحه أفضلية التفوق على غيره؛ لاعتبارات تاريخية وواقعية.
وإذا كان مفهوم التفاعل سيختل في (حالة التبعية والتلذذ بها)، فإنه سيضطرب، بالمقابل، في وضعية أخرى قد تُجرى فيها الدراسات المقارنة، وهي وضعية النرجسية القومية، التي ستنتج إحساساً غير واقعي، ومبالغ فيه، بقوة حضور النموذج العربي التراثي، وبقدرته الاستثنائية والدائمة التأثير على الآداب الأخرى. والوقوع ضمن هذا الإحساس، الذي قد يصل مرتبة الوهم، يحذّر منه (الدكتور المناصرة) من واقع خشيته على تجديد الأدب العربي، ودفعه باتجاه تطوير وسائله وتقنياته من خلال التفاعل مع الآداب الأخرى، ما ينأى بالأدب العربي عن مشاعر الاكتفاء الذاتي القومي.( نحن الآن مطالبون تحديداً بإنتاج ثقافي – فكراً وإبداعاً… ولا يتم ذلك بمنع التفاعل مع الآخر بل بالانخراط الكلي في معركة الكتابة)(61).
يصطدم مفهوم التفاعل الأدبي المتوازنللدكتور المناصرة، بثنائية أخرى، وهي ثنائية، هذه المرة، أدبية، تتصل بالشأن الأدبي، وبطبيعة المقاربة التي يرتضيها الدكتور المناصرة عند كل مقارنة أدبية.
يرفض (الدكتور المناصرة) الانسياق التام وراء الاتجاه النقدي في الأدب المقارن؛ بحجة الاهتمام بالنص الأدبي، والانصراف لبنيته الفنية الجمالية: دراسة وتحليلاً؛ من منطلق الوفاء لأدبية الأدب، كما يشدد على ذلك الاتجاه الشكلي في دراسة الأدب (إن الدخول في مقارنات مباشرة بين النصوص مع إلغاء إيديولوجية وتاريخ هذه النصوص)(62)، إنما هو قفز على (البنية الحاكمة الأساسية في النص)(63). ولا يعني حرص الدكتور المناصرة على عدم المبالغة في الاهتمام بهيكل النص، وهو الطرف الأول من الثنائية الداخلية التي نحن بصدد الحديث عنها الآن، أنه يميل أكثر إلى اعتماد الطرف الآخر من هذه الثنائية وهي تبني المنهج التاريخي في المقارنات الأدبية؛ لأنه ينظر إلى مفهوم التأثير والتأثر بوصفه اتجاهاً باليا في الأدب المقارن الحديث(64)؛ ولأن المدرسة الفرنسية المعروفة بتوجهها التاريخي بطيئة واستطرادية(65).

بين المنهج التاريخي الفرنسي والنقدي الأمريكي يصل (الدكتور المناصرة) إلى استحداث صيغة تصالحية توفّق بين التصورين، في إطار الحرص الدائم على التوازن. فلا المنهج التاريخي، منفصلاً، يفيد الأدب المقارن، والمنهج النقدي، مستقلاً، ينهض بكل عملية المقارنة، وتفاصيلها. أما التصور الذي يكفل نتائج مهمة من كل مقارنة أدبية، ويحقق إجراء مقارنة متوازنة فعّالة، فهو أن تقوم الدراسة المقارنة بنقد النص الأدبي مراعية اجتماعيته، والشروط المادية الخارجية التي ولد فيها، أي إجراء مقارنة تأخذ في الاعتبار هيكل النص، ولا تغيّب ظروف إنتاجه الواقعية(66).

ولا يخفى أثر قراءات الدكتور المناصرة للفكر المادي الماركسي السلافي، وهو يقترح هذا التصور، ولا أثر توجيه المدرسة السلافية في الأدب المقارن التي دفعته أكثر إلى الانحياز إلى عدم تجاهل التفكير المادي الجدلي، عند كل مقارنة بين النصوص.
الهوامش
1 – المناصرة، عز الدين، المثاقفة والنقد المقارن، دار الكرمل، عمان، الطبعة الأولى، 1987،ص122.
2 – علوش، سعيد، مدارس الأدب المقارن، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 1987،ص24– وانظر كتابه: (مكونات الأدب المقارن في العالم العربي)، 1987.
3 – المناصرة، عز الدين، المثاقفة والنقد المقارن، ص38.
4 – المرجع نفسه، ص18.
5 – حسّان، عبد الحكيم، الأدب المقارن بين المفهومين الفرنسي والأمريكي، مجلة فصول، العدد الثالث، 1983،ص12.
6 – عبود، عبده، الأدب المقارن مشكلات وآفاق، منشورات اتحاد الكتاب العرب،1999،ص9. وأيضاً: مكي الطاهر أحمد، الأدب المقارن، ص189.
7 – المناصرة، عز الدين، المثاقفة والنقد المقارن،ص33.
8 – المناصرة، عز الدين، علم التناص والتلاص، دار مجدلاوي، عمان، الطبعة الأولى،2006،ص372.
9 – علوش، سعيد، مدارس الأدب المقارن،1987، ص 167.
10 – المرجع نفسه، ص 171.
11 – هلال، محمد غنيمي، الأدب المقارن، دار العودة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1953.
12 – المرجع نفسه، ص83.
13 – المرجع نفسه، ص83.
14 – المرجع نفسه، ص83.
15 – درويش، أحمد، الأدب المقارن النظرية والتطبيقية، دار الفكر الحديث، القاهرة، الطبعة الثالثة،1996، ص2.




الدكتور إبراهيم أنيس الكاسح

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى