منذر فالح الغزالي - حارس المقبرة.. قصة قصيرة

الهاتف يرنُّ فوق الطاولة, صوته يختلط بصفيرِ الهواء المتسرِّبِ من شقوق الباب والنافذةِ الصغيرة.
يرفع سعيد العبد الله ـ حارسُ المقبرة العجوزـ السمّاعة:
ـ ألو...مرحبا.
ـ .....
ـ لا أعرف، أجاب وقد تغيّرت ملامحُه حين سَـمِعَ صوتَ زوجته, وتحوَّلتْ مشاعرُ الضجر إلى ما يشـبه الشكوى. الجنازة لم تأتِ بعْدُ, والله أعلمُ متى ستصل، وكيف سينتهي هذا النهار.
ـ تغدّي أنتِ, وتدفَّـئي جيِّداً, الدنيا برد... أخذتِ الدواء؟، سأل, واستأنفَ بسرعةٍ قبل أن يغلقَ الخط:
ـ جاء علاء ؟…. الله يهديه.... مع السلامة.
وضع السـمّاعةَ مكانها, وخرج من الغرفة الصغيرة القابعةِ قربَ مدخلِ المقبرة المعدنيِّ، وقد زادتْه هذه المكالمةُ ضجراً وقلقاً.
نسمةٌ باردةٌ تسـتقبله, ينظرُ إلى الشارع,لا يرى جنازةً, ولا يسمع صوتَ قرآنٍ ينطلق من السيارات القليلة القادمة. السماء رماديّةٌ تملؤها غيومٌ ثقيلة, فتبدو كأنَّها اقتربتْ من الأرض. صالبَ يديه خلفَ ظهره, ومضى يجرُّ جسدَه المنهكَ عبر البوّابة.
قبورٌ كثيرةٌ توزّعتْ فوق أرضِ المقبرةِ الواسعة، قبورٌ مختلفةٌ, رخاميّةٌ بشواهدَ مزخرفةٍ, تحتلُّ الواجهة، و بسيطةٌ بشواهدَ صغيرةٍ اكتفتْ باسم المتوفّى, وتاريخِ وفاته, محشورةٌ في الوسط والخلف، وفي الزوايا الميّتة. تتقدّم القبورَ حفرةٌ جديدةٌ لقبرٍ جديدٍ، قربَ شجرةِ أكاسـيا كبيرة.
تذكّر سعيدٌ الجنازةَ، وعاد من جديدٍ شـعورُ الضجر والحِيرة، َرجع إلى غرفته يجرُّ قدميه الزاحفتين..."لعلَّ أحدَهم يتّصل , يوضِّح أمرَ هذه الجنازة الغريبة".
سعيدٌ العبد الله، رجلٌ لم يبلغ السـتّين؛ لكنَّ هيكلَه الضعيفَ, ومشيتَه البطيئةَ غيرَ المتوازنةِ, وخدَّيه الغائرين، وأسنانَه التي لم يبقَ منها سـوى اثنين أو ثلاثةٍ, تجعله يبدو عجوزاً، جاء حارساً للمقبرة منذ أكثرَ من عشْرِ سنوات.
جنائزُ كثيرةٌ مرَّتْ أمامه، وأمواتٌ كثر دُفنوا في أرض المقبرة، وهو يسجِّل في دفتره الكبير، يطابق الأسماءَ، والإيصالات، كأنّه موظفٌ في دائرة النفوس، وكأنَّ الأمواتَ الذين يسجِّلُ أسماءهم مواليدُ جدد. أكثرَ من عشر سنواتٍ, وهو يعيش في عالم المقبرة الغريب:
"للأموات، كما للأحياء، مراتب, وللقبور، كما للبيوت، درجات -حدّثَ زوجتَه ذات مَرَّة- قبورُ الحَشْوةِ تختلف عن قبور الواجهة...من موقع القبر, أعرف موقعَ صاحبِه...الأمواتُ في قـبورِ الواجهات، مثلَ السـكان في بيوتِ الواجهات، أمَّا الفقراء، فلهمْ قبورُ الحشوات، والزوايا الميِّتة".
عشرُ سنواتٍ، وهو يحرس بيوتَ الأموات، يقتلُ أيَّامَه في انتظار الجنائز, وتقتل الأيَّامُ ما تبقَّّى من جسدِه المريض.
" تأخّرتِ الجنازة ُكثيراً"، حدّثَ نفسَه وهو ينظرُ إلى الساعة، فَتَحَ الدفترَ المُلقى فوق الطاولة، تأكّدَ منْ موعد الدفْن: "كلُّ شيءٍ مضبوط، الدفنُ بعدَ الظُّهْر, وقدْ أذَّنَ العَصْر, والجنازة لم تأتِ".
لفتَ انتباهَه - لسـببٍ ما - ثمنُ القبر المسجّلِ على نسخةِ الإيصال, وارتسمتْ على وجهه ابتسامةٌ متهكِّمةٌ لم يستطعْ منعَها.
الريحُ بدأتْ تحرِّكُ أغصانَ الأشجارِ المتناثرةِ في أرضِ المقبرة، والطقسُ يزدادُ برودةً.
ارتجف بشدّة، وأغلقَ بابَ الغرفة, جلسَ على فرشةِ الإسفنج الممدودةِ فوق بلاطِ الغرفة ليريحَ مفاصله من عذاب الجلوس على الكرسيِّ, شغَّل سخّانة الكهرباء, َنفَخَ في كفّيهِ يدفئهما بأنفاسه، والحيرةُ تأكله: هل يقفلُ البابَ, ويعودُ إلى زوجته المنتظرة؟، أم ينتظرُ, فربَّما تأتي الجنازة متأخِّرة؟، هل يتَّصلُ بالبلديّة يستفسر عن الأمر؟...لكنَّ الوقتَ تأخَّرَ, ولن يبقى أحدٌ في مكتبه حتى هذه الساعة، ثمَّ , لو كان هناك أمرٌ طارئٌ لاتّصلوا همْ به. أفكاره تدور في متاهةٍ لا تنتهي، والوقت يمضي…"ماذا لو لم تأتِ جنازةٌ, ولم يُدفَنْ ميّت؟...يمكن أن تحصلَ, كما حَصَلَ في تلك الحادث: بَعدَ أن تمَّ حفرُ القبر، وتجهيزُه، لم تأتِ الجنازة، ولا أهلُ الميّت".
يومَها لم يخُضْ في التفاصيل كعادته؛ لكنَّ القبرَ رُدِمَ في اليوم التالي فوق ميّتٍ آخر دون إيصال. باعه أحدُهم , واستولى على ثمنه.
"حتّى الأمواتُ لم يسلموا منهم !!"، تنهّد, وارتعش جسدُه كلّه.
فكرةٌ شيطانيّةٌ تسللتْ إلى رأسه:
" ماذا لو لم يصلِ الجثمانُ، وحصلَ ما حصلَ في تلك المَرّة؟"
ابتسم ساخراً من فكرته؛ لكنّها اشتعلتْ في رأسه أكثر:
"اردمِ القبرَ يا ولد, وكان الله بالسرّ عليماً....لن يكلّفك الأمرُ أكثرَ من ساعة عملٍ, وشاهدةٍ وهميّةٍ، وتملكُ قبراً يساوي ثمنَ البيت الذي لم تحصلْ عليه طوالَ حياتك"، نَفَضَ رأسَه كَمَنْ لسعته النار…
"هل تُنهي حياتك لصّاً يا سعيد؟. بعد كلّ تلك القيم, وذلك العذابِ, تنحدر من أستاذ مدرسةٍ إلى سارق قبور؟"
" قيَمُك, ومبادئك ترفٌ لا حاجةَ لأحدٍ به. إن لم تفعلْها أنت سيفعلها غيرُك, ويضيفُ قبراً جديداً إلى قائمة ممتلكاته. ألا يكفيك عمرٌ لتتعلّم؟...عمرٌ كاملٌ ضاع، وأنت تمسِـكُ بِذَيْلِ الفضيلة، وغيرُك كان يبيع ويشتري بعمرك, وبعد أن خرجْتَ, لم تجد حتى لحظة فرحٍ تعتزُّ فيها بانتصار قِيَمِك "، ابتلع ريقَه بصعوبة .
البرْدُ يزداد في الخارج، والريحُ تشتدُّ.
صفيرُها، وهذه الأفكارُ الغريبة نكأتِ الجرحَ القديم ...
كان يصرخُ في وجوههم مُحتجّاً:
ـ أنا المعلم الذي تشـهدُ المدرسة, والقرية كلُّها بنزاهته, وإخلاصه, أُسْحَب مثل المجرمين أمام الطلابِ والمعلمين؟!؛ لكنَّ التهمةَ التي واجَهتْه كانت أكبرَ من كلِّ احتجاجاته :
ـ ما هي علاقتك بالمدعو (س)؟
ـ (س ) زميلي, وابن قريتي، وعلاقتي به قديمةٌ، من أيام الدراسة .
ـ لا تتغابَ. سؤالي واضح: ما هي العلاقة السياسيّة التي تربطك به؟، ومنذ متى؟
ـ لا أعرف عمّا تتحدّث.
ـ أنت متّهمٌ بالانتماء إلى تنظيمٍ مشبوهٍ تدعمه إحدى الدول, وتقاضيتَ - مقابل ذلك- مَبالغَ ماليّة ً عن طريق المدعو( س) .
صدَمَه الاتّهام ..
ـ أنا ؟...مبالغُ ماليّة؟...تجمَّد الدم في عروقه, وتيبَّسَ حلقه، طلبَ كأسَ ماءٍ, وهو يحاول أن يستوعبَ ما يَسمع.
ـ يا سِّيدي...أنا معلّم مدرسةٍ، أكره السياسة, وعلاقتي بـ (س) لا تتعدّى الأمورَ الإنسـانيَّة. هو زميلي, وابنُ قريتي, وغيرُ ذلك لا شيء.
ـ (س) كان سهراناً عندك ليلةَ هُروبِه، ُتنكِر
ـ لا...كان عندي, ومن ليلتِها اختفى, ولا أدري إن كان هربَ, ومن أيِّ شيءٍ قد هرب.
ـ في تلك الليلة قبضتَ منه الدفعةَ الأخيرة.
ـ أنا لا أنتمي إلى أي تنظيمٍ, ولمْ أستلمْ أيَّ شيءٍ, وليس أنا من يبيعُ شرفَه، وكرامته. اسألوا عني إن كنتم لا تعرفونني.
ـ قلتُ لك لا تتغابَ. نحن نعرف كلَّ شيءٍ, وأنتم مُراقَبون منذ زمن.
ـ ولماذا لم تمنعوه من الهرب، ما دمتم تراقبوننا؟
وجاءه الجوابُ سريعاً...طنيناً حاداًً صمَّ أذنه, وكفاً قويَّة ً ألهَبَتْ خدَّه.
بصَق دماً، وصمت، أيقنَ أنَّ الأمرَ خطـير, وأنّه وقع في ورطةٍ الله وحده يعلمُ إن كان سيخرج منها أم لا.
وامتدَّ العذابُ طويـلاً: بين غرفةِ التحقيق، والزنزانةِ، وقبوِ التعذيب .
ارتسمتْ آثارُه على كلِّ جزءٍ من جسده, وانحفرتْ في أعماق روحه.
فقدَ رجولته، وفقدَ معها كلَّ جميلٍ في الحياة.
لكنَّ عذابَه الأعظمَ كان حين رأى اسمه مسجَّلاً على تلك الورقة الملأى بالأختام التي أبرزَها المحقِّقُ الشابُّ ذو النظرةِ الحادّةِ, عليها أسماءٌ وتواريخُ, وأرقامٌ، ومواعيد زياراتِ صديقه , وبجانب كلِّ زيارةٍ رقمٌ كبير.
لم يصدِّقْ ما رآه، اعـتقدَ أنَّ الورقـةَ مجرّدُ لعبةٍ ذكـيّةٍ من محقِّقٍ يريدُ أن يثبتَ جَدارته .
في جلسة التحقيق الأخيرة, أسنده اثنان من السـجّانين، وجلس خائرَ القوى والجوابُ نفسُه يتكرَّرُ:
ـ يا سيّدي، الحقيقة هي ما قلته لك دائماً: لا أعرفُ شيئاً عن الورقة, ولا عن الوقائع التي ذكرتَها،؛ وإن كنتَ تريدُ غيرَ الحقيقة, فأنا مستعدٌّ أن أعترفَ بما تريد, وعلى أيّة حالٍ –بعد كلِّ ما عرفتُه- الحياة لم تعُدْ تـهمُّني.
بات متأكّداً أن الإنسان الذي فتح له بيتَه في جميع الظروف, واستقبله في غرفته الوحيدةِ، كان يبيع ويشتري به؛ لكنَّه لا يملك الإثباتَ، ويخرج.
والمحقِّّق أصبح مقتنعاً أنه بريءٌ؛ لكنَّه لا يملك الدّليلَ، فيُخْرِجَه.
و بين القناعة, والإثبات, يمضي العمرُ بطيئاً داخِلَ الجدران الرطبة.
* * *
هديرُ رعدٍ بعيدٍ يهزُّ النافذة. يلتفتُ حوله, قلبُه ينبض بسرعة, ووجهه أحمرُ مزرقٌّ كما لو أنَّه يسمعُ حكمَ الإعدامِ الآن.
ينظر إلى النافذة: كلُّ شيءٍ خلفها مُعتِماً..."لن تأتيَ جنازة، ولن يُدفنَ ميّت...ومن يَدفن أمواتَه في الليل؟"، ينهض بصعوبةٍ، عظامُه تصطكُّ من البردِ والألم, والحمّى تشـتعل في رأسه، يخرج من الغرفة.
العاصفة تهبُّ باردةً, و الشارع خالٍ من السيارات. حتى أضواءُ المدينة لا تُرى في هذا الليل الثقيل، نباحُ كلبٍ يأتي من مكانٍ ما... يردُّ عليه نباحٌ آخر.
وحدَه, وليل المقبرة، يقف مثل ذئبٍ يحتضر، يعود إلى غرفته، ورغبةٌ بالتقيُّؤ تنتابه، يُحكِمُ إغلاقَ الباب، يتّصل بزوجته، يسأل عن ابنه، ويخبرُها أنه لن يستطيعَ العودة إلى البيت.
يملأ إبريقَ الألمنيوم, يضعه فوق سخّانة الكهرباء, ويجهِّز كأس متّة، يلفُّ هيكله الضعيف بمعطفه القديم، وفكرُه مشغولٌ بزوجته المريضة.
زايَله خوفٌ من شيءٍ لا يدركه، خوفٌ مبهمٌ عميقٌ، وشعورٌ باليأس طغى على نفسه، أسْلَمَ نفسَه للمشاعر المضطرمة التي تتصارع في داخله، وراح في شرودٍ طويلٍ يستمع إلى صوت الريح العاصفة في الخارج، وهسيسِ الماء الذي بدأ يَغلي فوق سخّانة الكهرباء.
لا أحدَ يدري في هذه اللحظة هل هو يهذي, أم هي أحلام يقظةٍ يثيرُها ليلُ المقبرة الموحش، أم هي ذكرياتُ السـنين البائسةِ التي نسيَ عددَها, ولم يَعُدْ يأبهُ بها منذ زمنٍ طويل. كيف مَضَتْ تلك السنين؟، وأين ذهب ذلك الأمل والطموح العارم؟, ولماذا انقلبت فرحـة العيش إلى خيباتٍ متلاحقة, تركتْ في جسـده عاهاتٍ لا تزول, وعلى وجهه ملامحَ بؤسٍ وعبوسٍ دائمٍ، وفي نفسه زهداً في الحياة.
فهو، إنما يعيش كي يملأ كيسَ العمر الذي أصبح فائضاً في نظره منذ أن أنقذتْه من الموت صدفةٌ تاريخيّة، حين أَخرجَ التاريخُ لسـانَه للجميع، وسخِر بهم, وبدّلتِ السياسةُ الأعداءَ والأصدقاء, وكُشِفَتِ الأسرارُ، وانكشـفتْ معها الحقائقُ,وفخرج يحمل براءةً ثمنها عشرُ سنين من عمره، وأبٌ مات دون أن يراه, وزوجةٌ أكلت ليالي الانتظار خلف آلة الخياطة زهرةَ شـبابها, وابنٌ تركه رضيعاً, فما تعرّف على أبيه, ولم يعترفْ به، نفر من هذا الغريب الذي دخل غـرفة أمِّـه, وشاركه حضنها، وفراشها.
"ماذا أفعل بالبراءة, والناسُ الذين أحببتهم, وخدمتهم دون مقابلٍ أصبحوا يتجنّـبون زيـارتي، خوفاً على مسـتقبل أولادهم، أو خوفاً على مصالحهم؟"
لم يلمْ أحداً؛ لكنّه بكى على صدر امرأته:
"زيارتي أصبحت تحتاج إلى فارس...والزمن لم يَعُدْ زمنَ فروسيَّة !"
بيتُ والده تغيّرَ، جدّدَ أخوه البناءَ, وبقيتْ غرفتُه القديمة. صار همُّه العودةُ إلى عمله، والعودة تحتاج إلى قرارٍ, وحتَّى يصدر ذلك القرار, عاش غريباً في بيته: تؤلمُه شكوى زوجته، تجرحُه نظراتُ أخيه, وتلميحاته، كَرِهَ حرّيَّتَه, وبراءته. كلَّ يومٍ يسأل..من دائرةٍ إلى دائرةٍ، ومن مكتبٍ إلى آخرَ، حتى جاء القرارُ أخيراً، ولكنْ بعيداً عن التعليم .
ـ راجِعْ بلديّةَ المحافظة، قال له الموظّف متأثّراً.
ـ ولكنِّي خرجتُ بريئاً, ولا شيءَ ضدّي.
ـ أنا متأسّفٌ حقّاً, ولكنْ, القرارُ هو القرارُ كما تعلم.
نقلَ أمتعته القليلة, واستأجر بناءً متداعياً سُمِّي بيتاً, وعُيِّن حارساً على هذه المقبرة.
* * *
البرق يلمع, والرعد يقصف بشدّة, والريح تدفع حبّاتِ المطر الغزيرةَ, تضرب زجاج النافذة. يلهثُ أنفاسَه بصعوبةٍ تحت معطفه القديم، وجهه يشعُّ محمرّاً, وعيناه تتّقدان كجمرتين، هذيان الحمّى يختلط بالذكريات المؤلمة.
يتحسّس أنفاسَه, يلصق أذنَه بالمخدّة, يتأكّد من صوت نبضاته. ضبابٌ كثيفٌ يملأ رأسه، والأشياءُ تغيبُ عن عينيه، حفرة القبر تظهر من خلف الضباب, تفتح فمها مثلَ وحشٍ مفترس، الرفش في يده , والتراب لدنٌ من ماء المطر،ويبذل جهداً كي يهربَ؛ لكنّ جسـدَه لا يطاوعه، تتقطّع أنفاسُـه, والحفرة تحدّق فيه بتحـدٍّ، يغمض عينيه, لا يريد أن يراها، يهرب من الموت القابع في عتمتها...يلهث بشـدّه، أنفاسُه لم تعدْ تكفيه, والوهَنُ يشلُّ أعضاءه، تنزلق قدماه، يسقطُ الجسدُ المتلاشي مثل منديلٍ مهترئ، يتشبّثُ بالهواء؛ لكنَّه يهبط.
لا شيء سوى ظلام ٍ دامس، وصمتٍ مطبق.
* * *
كلُّ شيءٍ في الغرفة ساكنٌ سكونَ المقبرة.
سخّانة الكهرباء تنشُر حرارتَها بصمت، والهاتفُ فوق الطاولة يرنُّ، صوته يختلط بضجيج الطيور المبكِّرة بعد ليلةٍ قاسـية، الطبيعة تفتّحتْ من جديدٍ، هادئةً هدوءَ جيشٍ متعبٍ بعد معركةٍ عنيفة.
المـطر يوقِِّّعُ عزفه الرتيبَ على زجاج النافذة الصغـيرة, والهاتف فوق الطاولة مازال يرنُّ... ويرنُّ...ويرن .
عن الكاتب
منذر فالح الغزالي
نبذة عن السيرة الذاتية

الاسم: منذر فالح الغزالي

مواليد سوريا - درعا 1968، أعيش في ألمانيا منذ العام 2015
إجازة في الهندسة المدنية، منذ العام 1995

صدر لي:
1. "الهجرة إلى الوطن"، مجموعة قصصية، دار بعل / دمشق 2010
2. "الربيع يأتي متأخراً" رواية، دار المختار، القاهرة 2018.
3 "الريح تكنس أوراق الخريف" مجموعة قصصية، دار ميزر، السويد 2021
4. "كُلَيب أو نحرق البلد"، كتاب مشترك مع كتاب عرب، في القصة القصيرة جداً، دار فلورز، القاهرة 2016
5. "قراءات نقدية بأقلام عربية"، كتاب في النقد الأدبي (نقد الشعر)، مشترك مع كتاب عرب، دار المختار، القاهرة 2018
6. "تراتيل الحرف"، كتاب في نقد القصة القصيرة جداُ، مشترك مع كتاب عرب.
7. بالإضافة إلى مقدمات كتب لكتاب عرب من سوريا، والعراق والمغرب والسعودية.
8. كتابات متنوعة، منشورة في مجلات وصحف عربية في الوطن العربي وأوروبا وأستراليا.

جوائز وشهادات:
• جائزة "قصص على الهواء" مجلة العربي 2010"
• شهادة تقدير من الحملة الأهلية لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية، سوريا / درعا 2010
• شهادة تقدير من منظمة إدراك / العراق، لمساهمتي في لجنة التحكيم الخاصة بمسابقة خبر الدولية للقصة القصيرة جداً، أكثر من دورة.
• شهادة تقدير من وزارة الثقافة العراقية، لمساهمتي في لجنة تحكيم مسابقة خبر الدولية للقصة القصيرة جداً.
• تسميتي سفيراً للإنسانية والثقافة العربية في ألمانيا، من منتدى ثورة قلم لبناء إنسان أفضل.
• عضو هيئة استشارية للتجمع الثقافي الإنساني
• عضو لجنة التحكيم لمسابقة خبر للقصة القصيرة جدا، العراق، أربع دورات.
• عضو لجنة التحكيم لمسابقة سوريا الدولية للقصة القصيرة / الدروة الأولى، هولندا 2020
• عضو اتحاد الأدباء الدولي، مكلّف بإنشاء فرع ألمانيا لاتحاد الأدباء الدولي.

مشاريع قادمة:
١. مخطوط رواية.
٢. كتاب في النقد الأدبي، أربعة أجزاء (قصة قصيرة جداً، قصة، رواية، شعر) مخطوط

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى