إبراهيم محمود - قصيدة الذئب/ ذئب القصيدة.. شعر

كان على مبعدة عدة أنفاس مني
عبق شعره الأشهب يثمل المكان
أي دافع حفّزني لأن أرسمه في مرآة روحي
تنبّه الحكيم البرّي
قال لي: لا ترسمني وأنت تنظر إلي، وإنما وأنت تكوّنني داخلك
رفعت ريشتي غامساً إياها في ينبوع لون فائض
كانت عينا الحكيم مركّزتين علي
أي برّية عريقة وادعة فيهما
احتضنتهما بعمق غير مسبوق
فتح شدقيه قليلاً تعبيراً عن رضى ما
ألهمني بما ينبغي عليّ فعله:
كيف أرسم الحكيم مرفَقاً بشم يحيل إليه أمداء
لا تجعل للوحة هامشاً، حيث حدود شمي تتأكد
أعلمني بجميل حيواني نابض فيه
وجدت صلة قرابة بين عينيه وشمه
أنيابه وأظافره
حرّك الحكيم رأسه قائلاً
لا ترسمني كأني أُعرَف بأنيابي وأظافري
لست مفترساً كما يزعم بنو جلدتك
أنا آخذ حصتي من الطبيعة مكتفياً
كم تحبّون القتل وسفك الدماء يا ابن آدم
اقشعرّ جلد خيالي من هذه اللفتة
عشت الذئب كما لو أنه مخلوق معهود إلي صنعه
كان شعره أمواجاً ناعمة
رأسه يخترق الريح
جسمه السهمي يعبر الهواء الراكد
حركة ذيله نصف الدائرية تمنحه توازناً
ملأ الحكيم البري بهيئته المهيبة كامل لوحتي
دونما إطار
كما لو أن الفضاء نفسه انغمس في امتداده الجسمي ورحابته
كنت أرسمه كما لو أنه غير موجود
كم ذئاباً لمستها داخلي
كما ذئاباً تعرفت إليها في خفية المعاني
كما ذئاباً أهدتني إلى طريق مؤمَّم بالأعالي
وأنا أحاول الامتلاء بحضوره
أوه يا الحكيم البرّي
منذ متى أنت داخلي دون أن أستشعرك؟
أي موسيقا جامحة، نورانية، تموجية
تمنحني جرعات من جغرافيا دون حدود
بشر دون تسربلهم بالدماء
لم أشعر به وهو يلمسني
كان لرائحته جموح الينابيع
لعينيه موسيقا لم تُسمَع من قبل
تملكتني ارتعاشة ورهبة انتفضت لها مسامات جلدي
كما لو أنني الذئب ذاته،
أن الذئب مازجني عارياً صافياً
تمسَّح بي
كما لو أنه يضحك على طريقته
وهو يلقي بنفسه في حضني
امتلأت به
وبلاغة شمه
وانكشفت لي مسافات نائية
آه يا معلمي الذئب
نبّهني على طريقته: لا تخلط بين الأمور
إنما حدّد لتعرف من أنت وأنت تعيش الآخر
حسن أنك رأيتني ببصيرتك
وزادني عناقاً
حينها شعرت بقوة هائلة هالاتية
لا أدري ما إذا كانت القصيدة أصبحت ذئباً
أم أن ذئباً بعظيم قوامه قد انبرى قصيدة بأبعادها
سوى أنّي شعرتني وقد أصبحت طبيعة
وتقاسماني عالياً
  • Like
التفاعلات: ماماس أمرير

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى