بهاء إيعالي - زهرة الباباتيا.. شعر

أطيلُ النّظرَ في الحقلِ البَعيد
كلُّ ما ألمحهُ بقايا عِطر لكِ
مثلما تَجْمعُ الأرضُ عَبيرَها بينَ بُتْلَتينِ صَغيرتينِ خَفيفتينِ
ومثلما في مَدينةٍ مُكتظّةٍ أستمعُ لِكنارٍ مُختَنِقٍ
أحاولُ جمعَ هذا العِطرِ في زُجاجةٍ ضيّقةٍ
أغنّي لفتاةِ الحَقلِ:
لا تركُضي كثيراً، إنّها زهرةُ البَابَاتيا
يُزعِجُها كَثْرَةُ الرّكضِ فوقَ جُثَثِ العُشْبِ؛
هكذا
كُلّما أرادَ العِطرُ أن يسيرَ بين جَنباتِ المَدينةِ
أقولُ: با با تيا، باباتيا
فيخرجُ بروميثْيوس منْ قيودِهِ
لينشر العطر بدل النار.

طفلةُ الحَقْلِ أَخرَجَتْ يوماً نايَها الصّغير
رآها ظِلّي وأشفَقَ على رأْسِها
بِبالِهِ
رُبّما
الشّتاءُ يَنتهي
وتَتَبَخّرُ رائحَةُ صَمْتِ الأشجارِ
ربّما
ما قالَتْهُ زهرةُ الباباتيا عن غِنائِها
لا يُكتَبُ في سجِلّاتِ الأحوالِ الشّخصيةِ
وربّما
ما أَخْبَرَها بهِ ستيفن سوفيسْتري أنّها البُرْجُ الذي لم يُصمّمْهُ
صَدّقَتْهُ

قد كانَ عِطْرُكِ رَقيقاً كورْقَةِ تبْغٍ أيّتُها الباباتيا
وقد كانَ وجهكِ القَرويُّ الأبيضُ
فيما كانَ الرَّصاصُ يَرتفعُ إلى وجهي
مَرْوحةً يَتّقي بها الحالِمونَ ذَوَبانَ المَوت
وحقلَ ذُرةٍ يعوِّدُني أنْ أقِفَ في وِسْطِهِ كفزّاعَةٍ للغِربان؛
أخْبَرَتْني
بينما سَقَطَتِ الرّصاصةُ قَبلي بشعرةِ كَلْبٍ
أرقصُ وطِفلةَ الحقلِ لتذوبَ الرّصاصاتُ قبلَ أنْ تصلَ إليكُمْ
كان ينبغي أن تُخبِريني أنَّ طفلةَ الحقلِ كَسَروا نايَها
فلم يبقَ سوى البندقيةُ آلةً موسيقيةً ترْقُصُ عليها.

كم بَلَّلَتْني الريحُ وأنا نائمٌ
وكم تَثاقَلَ وجهي وهو يَخْرجُ نحوَ أقدمِ أثَرٍ لقَذيفه.

أرسمي الحقلَ جَسَداً
أينما لمَسَتْهُ الطفلةُ تذوب
لئلا يَطالَها الدّخانُ
أرسميهِ جداراً لم تُعَلّقْ عليهِ نَعْوةُ مُناضِلٍ شيوعيٍ
وارتفعِي فوقي، فأنا لم أصلِ للغَيمِ بعدُ
ولن أكون إلا جِلْدَةَ أرضٍ تجْلِسِينَ فوقها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى