حسين علي محمد - عنترةُ على مرمى سهْمٍ من أسوارِ القدس..

هذي عبلةُ ..
ظلّتْ في الليلِ على بُعْدِ ذراعٍ منْ غربةِ روحي
أُشعلُ مصباحي في هذا الغسقِ
يُغمغمُ جُرْحي:
«ها قدْ أشرقَ إيقاعُ اللغةِ الأولى
باللُّقيا والفتحِ
فأُمسكُ بتلابيبِ الإيقاعِ .. أُغني
في حُلكةِ بوْحي
وفراغِ الليْلاتِ المثقلةِ بإيقاعِ الألمِ
أوْ أحرقُ تذكاراتِ الصمتِ الحائرِ والوهْمِ
«تحدثني عن عربدةِ الجيشِ الغاصبِ
في كرْمتِها عن نبعٍ جفَّ،
وعنْ حقْلٍ كانَ قديماً يُثْمرُ
وسحابةِ شوقٍ تمطرُ أحرفَ عشقٍ
في باحتِها»
تسكنُها اللوعةُ
يسطعُ قمرٌ أخضرُ في أُفقي
لا يُزهرُ شجرُ الزيتونٍ
وترحلُ في الليلِ حماماتٌ بيضٌ
لتذوبَ بعيداً في فوْضى النرجسِ، ومجرّاتِ الضوءِ،
تغني أغنيةَ الهجْرِ الأولِ
أدخلُ في طقْسٍ ترفده في الليلِ تقاسيمُ الوحشةِ
(قالت عبلةُ، لكني لمْ أفهمْ شيئاً ..)
(قالتْ عبلةُ .. ما أكثر ما قالتْ ـ لكني لم أفهمْ شيئاً
كنتُ أرى
في الصوتِ الضائعِ ليْلاً آخرَ
كنتُ أرى في الصوتِ الذّائبِ
في بحرِ الدمِّ رحيلاً آخرْ
كنتُ أرى ...
(هلْ أُبصرُ في الحزن العابرِ ميلاداً
للحلمِ وللبهجةِ ..؟)
كنتُ أرى عبلةَ في حلكِ النار تُطارحني الرغبةَ
لا أُطبقُ عينيّ على شفتيْها
تتفلّت أغنيةُ العشق الأولى ..
تتفلّتُ بين الوقفةِ والصرخةِ
عاشقةً كانتْ ..
تملأُ هذا الكونَ المعتمَ بالأقمارِ
وتُشرقُ في عينيْها كلماتُ الثّارِ
(تغني ..
وطقوسُ الموتِ بعيْنيْ عنترةَ ..
تعرِّي أرديةَ الشمسِ ..)
رمالٌ وغبارٌ في نافذتي ..
صوتي العابرُ في ليلِ الأسرارِ
أيقرأُ فاتحةَ الطهرِ بعيني نجمته
يشربُ قهوتَها ..
يحلمُ أن يحضنَ نشوتَها ..
أن يمسكَ بتلابيبِ اللحظةِ،
تُبعدُني عن طقس مداها الموّارِ،
وشيئاً شيئا .. تُبعد ألفتَها ..
تُصليني بجحيمِ الأسلافِ ..
بعهْدٍ عُمَرِيٍّ ..
تترصّدُهُ النجمةُ ذات الأضلاعِ الستةِ ..
...
هذي عبلةُ
في الفجْرِ تُغادرُ زرقتَها ..
وبنارٍ ـ كمْ عانيْتُ ـ تُهدِّدُ ..
تُصليني عزلتَها
تُشعلُ طقسَ العشبِ الممسوسِ بلهبٍ
منْ غضبتِها ..
في أول زمنِ الماءِ .. أُراودُ فتنتَها ..
تُبعدُني .. تُقصيني في أولِ ليلِ العودةِ
لا تمنحني وردتَها
أرحلُ في أفقِ محاقٍ يتسعُ ..
وينطفئُ السحرُ بعينيْها
«ـ لستَ الفارسَ يا عنترةُ
لماذا عدتَ الآنَ؟»
ـ .. أتطردني عبلةُ؟!
(لم تتجمّلْ عبلةُ ..
لم تفتحْ حضنيْها للعائدِ ـ في زمن العودةِ ـ
لم يبسمْ في الفجْرِ مُحيّاها
وأنا .. كم يرتعشُ الشعرُ ولا يُفصحُ)
ها .. قد عدْتُ أحدِّقُ في تذكاراتِ الرحلةِ ..
تذكاراً تذكاراً
أحرقُها تذكاراً تذكاراً
وأعودُ إلى سيفي أَلَقاً موّاراً
(كان السيف صديقي أُنْساً وجوارا
وقصائدُ شعري كانت في الزمنِ الفائتِ سيفاً بتّارا
لكني صرتُ الآن بليغاً وحصيفاً
أقطعُ صمتي بالصمتِ الأبلغِ ..
وأخورُ حوارا ..
أشجبُ أوْ أرفضُ
وأقابلُ أعدائي ..
مخدورَ الحسّْ!!) ..
فهل تمنحني عبلةُ يوماً .. يعضَ سكينةِ روحي
كيْ أحملَ سيْفي ..
وأُعانقُ أسوارِ القدْسْ؟!!

الرياض 12/3/2001م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى