محمد عبد الدايم - محطة الحافلات.. قصة قصيرة

في محطة الحافلات، هكذا أسميها تجاوزا، وقفت أنتظر علبة متهالكة، أنحشر فيها وصولا إلى البيت، بينما أفكر في استراتيجية الدخول للحاق طرف كرسي لا يبرز منه مسمار يقطع سروالي، تطلعت فيما حولي، لم ألمح رجلا خمسينيا في هيئة موظف جهة حكومية يحمل بطيخة ويعتمر منديله القماش، لم أجد سيدة وقور تحمل حقيبة جلدية سوداء؛ يطمع فيها السارق الذي يبرز فجأة من بيننا، أشفقت عليه سابقا حين طمع في حافظة نقودي، مؤكد أنه قد فزع حين فوجئ بأنها لا تحوي في جيوبها الصغيرة المهترئة سوى بطاقة هويتي وصورة مطبوعة عليها بالأبيض والأسود لمهرج حزين.
تلفتُ ثانية؛ ولم أجد فتاة تخفي عيونها ونصف وجهها خلف نظارة أوفرسايز ملونة، ولم ألمح الشاب الثلاثيني الذي عادة ما يتلصص عليها، وهو يحمل حافظة أوراق بلاستيكية بكبسولة، تحوي غالبا سيرة ذاتية متواضعة طبعها في محل اتصالات، وشهادة إنجاز دورة حاسب آلي.
وجدت العامود الذي لم يُجدد طلاؤه منذ اختفاء الحافلة "نصر" القديمة، مازال يحمل على عاتقه سقفا هرِما لا يصد فحيح الشمس، وقد بدا العامود موشى بهستيرية بإعلانات عن شقق مفروشة للطالبات، وسائقين مطلوبين للعمل دون شرط المؤهل الدراسي، وملصق دعائي قديم لمرشح في انتخابات مجلس شعب، أو شورى، أو نواب، لا أتذكر، فلا أعيرها اهتماما مهما تغيرت مسمياتها.
ما لفت نظري حقا هو إعلان يقول "عريسك عندنا 001000000000"، أيقنت أن الحداثة تسللت من عامود "هو وهي" في الجريدة اليومية إلى محطة حافلاتنا، وأصبحت محطة حافلاتنا لوحة إعلانات تساعد من لا يستطيع أن ينحشر في علبة متهالكة أن يجد شريك عمره، إن وجد عملا بسيرته الذاتية المتواضعة وظل على قيد الحياة.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى