أبو يوسف طه - ملائكة الجحيم الماجنات.. ( من أرشيف الطفولة)

خلعت الخف واستويت على السرير ثم مددت يدي الى المقبس لإطفاء الأباجورة ، كنت متعبا، مفكك الأوصال ، تنتابني الهواجس . لم أنم ليلتين متتاليتين بشكل مريح، أنام وأستيقظ على نحو متوال، يحدث هذا غالبا حينما تتراكم على مكتبي ملفات تتطلب الانجازعلى نحو عاجل...
وجدتني في قبو مظلم ، خانق، ذي رائحة كريهة كأن لم يرتده أحد منذ مدة طويلة، تتوزع في زواياه متلاشيات أظهرها انبعاث ضوء شفيف أزرق بارد كضوء قمري، هناك في زاوية صندوق مزخرف ذو قفل نحاسي. بدأت أخطو شبه نائم على نحو غريب كأنني أسير على أرض جبلية من الزبد . فتح فجأة ما حسبته باب غرفة لم تكن موجودة، تقدمت امرأة فارعة الطول ، آية في الجمال، ذات شعر مسدل ، يبدو نهداها النافران، سرتها، مثلث العانة بانزياح رداء شفاف مفتوح طوليا من الأمام، سارت بخطوات صامتة، محمولة على الهواء، توحهت نحو الصندوق، فتحت القفل النحاسي اللون ثم انتأت ، جلست على كرسي، وضعت مرفقها على فخذها، مستندة بذقنها على راحتها المفتوحة، وهي تحدق في الصندوق المزخرف المفتوح ، تسمع أصوات، هرج ومرج ... خروج نساء عاريات ينقرن على آلات النقر، يدخنن ، يسكبن جرعات الخمر في أفواههن، يقذفن القناني التي تسقط دون أن تنكسر أو تحدث قرقعة، يتلامسن، يقبلن بعضهن البعض... وجدت نفسي وسطهن ، جذبتني احداهن بقوة ، ألقت برأسها على صدري وهي تنشج، انطفأت كلمعة برق... وقفت على حافة الوادي وجثمان أخي ممدد بدون حراك ، شبع موتا، اطفائي يضغط بكلتا يديه على بطن أخي، يخرج الماء من فمه ومنخريه، عيناه مغمضتان، لونه نيلي ، يعلو صراخ، تمتد أيدي جمهرة من الناس نحوي، خفق قلبي، أشعر بهلع، أعدو، ينهمر الناس باتجاهي، أضاعف الجري، تلتصق قدماي بالأرض، تنفك ، أسقط، أسمع هديرا كالموج... أقف عاريا مرتعشا بجوار الصندوق المزخرف وفي يدي قلادة ذهبية، أحاول اخفاءها، لا يمكن اخفاؤها، كنت عاريا كما ولدتني أمي، علو خفقان قلبي، أعرق ، شرطي فرنسي يصفع والدي، أبكي، يحيط بي رجال شرطة، يوميء بعضهم لبعض، يتغامزون، يندفعون نحوي. القبو مغلق الأبواب والنوافذ ، أحاول الجري، اظلام شديد،صمت مطبق، ضوء شاحب يتسلل من نافذة، تناولت من صحن فخاري موضوع على مائدة طعام برتقالة، قشرت البرتقالة ، وجدت بداخلها فص ماس، فرحت، تناولتها بابهامي وسبابتي .. وضع المعاير اليهودي الماسة على الطاولة، حدق فيها مليا من خلال المكبرة. قال/ ثمينة جدا/، هطل علي رذاذ من الابتهاج، ناولني المعاير حبة الماس، سقطت الحبة من يدي وسط العشب، هطل مطر غزير، أعياني البحث، يبدو السراب مرتجفا، أسير فوق الرمال بعناء، عطش شديد، ليس معي زمزمية،، زغللة في عيني، أكاد أهوي، اني أموت...
أستيقظ مذعورا، ألقي بالغطاء أرضا، أتجه نحو المطبخ، ملأت كوب ماء، دلقته في جوفي، ارتعاش. الشمس قد تسللت الى غرفة النوم.
أعلى