جعفر الديري - التشكيلي البحريني عبدالرحيم شريف: الفن البحريني سجين المحترفات

حوار أجراه جعفر الديري

في هذا الحوار يشدِّد الفنان التشكيلي البحريني عبدالرحيم شريف، على أهمية النظر بجدية، في تاريخ الاحباطات التي تعترض طريق الفنان البحريني، محذرا من أن الفن البحريني اذا استمر على ما هو عليه من عدم اهتمام وتهميش لمتعاطيه، سيتحول الى فن سجين للمحترفات.
* لنبدأ من ملاحظتك الأولى التي أبديتها في معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية بخصوص تجارب الشباب؟
- من المؤسف أن الجيل الجديد من الشباب كثيرا ما يتنكر للجيل الذي قبله بل انه قد يتنكر ويركب على أكتاف الفنانين المعروفين في محاولة الانتشار على حساب تجارب الآخرين، وهي ظاهرة ليست موجودة في البحرين فقط، بل يلمحها الفنانون على المستوى العربي أيضا، وربما صفقت لها الجهة الرسمية، ولكنها في الواقع ظاهرة غير ابداعية ولا تعكس أي تطور في مفهوم الفن لا فكرا ولا تقنية ولا فلسفة، فالكثير من معارض هذه الفئة من الشباب، يتكل على المسائل القشرية والتزيينية التي تفاجأنا بأن هذا الفنان الشاب صمم معرضه ليتماشى مع نوعية معينة من الستائر والمقاعد. فيا حبذا لو يُقتنى عمل فني من دون الحاجة لتلميعه، فالفن لو ازدهر في الغرب وكبرت بوصة الفنانين فان ذلك يحدث في سياق أعمال ابداعية بكل ما تعنيه كلمة الابداع وليس بأعمال تزيينية مستهلكة.

دفع العجلة الثقافية

* ولكن من حق هؤلاء الشباب الحصول على فرصهم؟
- من المفترض من الجهة المسئولة في قطاع الثقافة أن تكون حذرة جدا في دفع هذه العجلة الثقافية وتوجيهها توجيها دقيقا، وهنا لا غنى عن اختيار شيء معين ولكن اذا وضعنا المسألة الثقافية والابداعية كشرط فأعتقد أن مطالبنا عادلة، اذ أن رعاية المعارض التشكيلية ذي المستوى الفقير لها أثر كبير في احباط الوسط الجاد فلو أننا رجعنا الى وزارات الثقافة في بلدان العالم لرأينا الفارق لديها بخصوص هذه المسالة وسندرك جيدا من تتبنى ومن ترعى، بينما لدينا نحن يحصل العكس، اذ يتم تبني معرض ما لأجل خاطر عين فلان ولصالح فلان من الدولة الفلانية.
* لكن هؤلاء الفنانين الشباب كثيرا ما يشكون من تهميشكم وعدم مساعدتكم أنتم الفنانون الكبار؟
- هذا الكلام غير صحيح، وأعتقد أن ظروف مساعدة الفنانين الناشئين من قبل الفنانين المتميزين أفضل بكثير، فالفرص كثيرة والدليل على ذلك الكم الكبير من الشباب المتأثرين بتجارب الفنانين المتميزين والذين استطاعوا الحصول على جوائز حتى من خارج البلد، بأعمال لاتزال تحمل علامات التأثر، كما وأن كثرة المناسبات أعطى زخما للفنانين الناشئين وقصر المسافة بين التأثر والتميز، فأنا لا أتفق مع من يشتكي سواء اعترف أو لم يرد الاعتراف، فان الساحة تزدحم بالناشئة التي تتطلع الى انتاج الجيل الأكبر والدليل ما يعرض من معارض.

رعاية المعارض

* لنتحدَّث عن قضية أخرى وهي دفاع بعض الفنانين عن وزارة الاعلام بسبب مساعدتها ورعايتها لهم في معارضهم؟
- مسألة ايجاد راعٍ يجب ألا تقترن بوزارة الاعلام فقط لمجرد أن وزارة الاعلام توفر صالة وكتيبا للفنان، فرعاية معارض الفنانين ليست صعبة، فهذا البلد فيه من خيرة الناس القادرين على هذه الرعاية، فنحن لا نلغي مساهمة وزارة الاعلام في اظهار الحركة التشكيلية، ولكن في السنوات الأخيرة كثرت السلبيات على حساب الايجابيات، وان كان يؤخذ برأيي فانه لابد من وضع سياسة ثقافية متطورة يقوم بها أناس يؤمنون برسالة الفن ويخلصون لها، فقط بهذه الصورة يمكن أن يخطو الفن التشكيلي للأمام.
* ماذا عن معرض البحرين السنوي؟
- يؤسفني القول أن المعرض المفترض أن يكون ظاهرة ثقافية بحرينية قد اغتيل تماما، ومن جملة أسباب ذلك الاختيار السيء للجان التحكيم المتكونة من حكام ليسوا بأفضل من فنانينا المتميزين، والشيء الأمر أن يوضع فنانونا تحت تقييم هذه اللجان، لذلك استطيع القول إنه لهذا السبب ولأسباب أخرى في غاية الخطورة قد ضعفت المشاركة.
ولقد تقدمت أنا ومجموعة من الفنانين الغيارى على الفن والمعرض السنوي، بعدة اقتراحات من أجل رفعة مستوى هذا المعرض، ولكن تكررالمشكلات نفسها سنويا بينما العالم يمضي للأمام جعل الفنانين البحرينيين يختنقون، وجعل الكثيرين منهم يخزنون أعمالهم في محترفاتهم، ويكفي الكلام عن شروط الاشتراك في هذا المعرض السنوي. فقد اقترحنا الكثير لمعالجة غياب أعمال الكثير من الفنانين لضيق المساحة، بتكريم الحاصل على الجوائز بعرض عمل واحد له ووضع مجموعة من أعمال الشباب، وقد اقترحت أنا شخصيا أن تكون الجوائز مبالغ مادية سخية بوجود رعاة لهذه المسابقة، أو اعطاء الفنان بدلا عن الجائزة منحة التفرغ وأن ترتب زيارات له من قبل الفنانين لصقل موهبته ودائرة معرضه، بينما الموجود حاليا أن الجوائز قليلة لا تصلح الا لترقيع بعض حاجات الفنان فهي لا تصنع شيئا يذكر بالنسبة إليه.
* فأين دور الصالات أو الجاليرات الخاصة في خدمة الفنان البحريني إذا؟
- لا توجد صالات أو جاليرات خاصة في البحرين، اللهم إلا صالة جمعية البحرين للفنون التشكيلية وجمعية الفن المعاصر ومركز الفنون الذي يعطي الأولوية للفنانين الأجانب، فالفنان البحريني كما أسلفنا مركون، والحال هو مع الصالات الخاصة التي تفضل البضاعة الأجنبية في السوق المحلية على البضاعة المحلية.

حاجة كالماء والهواء

* وعلى ماذا سنرسو اذا؟
- اعتقد أن ما يمسكنا ويجعلنا نستمر في العطاء هو أن الفن بالنسبة الينا حاجة كالماء والهواء، ولكني أود ارسال رسالة الى المسئولين - عبر هذا اللقاء مع صحيفة «الوسط» رسالة مفادها المطالبة بتغيير وضع الفنان البحريني، فنحن نرى ان وراء الفنان العربي أو العالمي جهات ورعاة سواء من قبل الجهة الرسمية أو الصالات الخاصة، فنحن بحاجة فعلا الى وجود الرعاة والى عدم احتكار الجهة الرسمية فقط، لكي نستطيع ابراز معارضنا في الخارج، والا فكلما عانى الفنان البحريني من هذا الاحباط كلما تضاءل عنده الطموح، ويبدو أن مسارنا مسار أولئك الذين اضطروا الى ترك ديارهم.
* هلا حدثتنا قليلا عن معرضك القادم؟
- معرضي القادم سيكون بتاريخ السبت 20 مارس/ آذار 2004، بصالة البحرين للفنون التشكيلية، وفي هذا المعرض، أعرض بعض العناصر التي عايشتها وبفضل هذه المعايشة برزت هذه الأعمال، وفي هذا المعرض اعتراف ضمني أن معارض الفنان يجب أن تكون في خط واضح، وفيه أيضا طرح لقضايا اجتماعية من ناحية وطرح يبقي العمل دون تلميع أو تشطيب، ومن الناحية التقنية اعتقد أن المعرض سيكون في شكل خام بعيدا عن التعميم مع ايجاد أداء صريح يوازي الانفعال، وفي هذا المعرض سنعرض أعمالا ربما سببت صدمة للكثيرين بسبب جرأتها في تعرية الوهم، فهذا المعرض امتداد لعمل كبير أسميه «ستائر الوهم» والذي لم أنجح في المعارض السنوية الثلاثة بعرضه، بسبب شروط المشاركة، فهذا المعرض تطوير للعمل الأصلي «ستائر الوجود حقل الزعفران».

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى