السيد الهبيان - سعيدة عفيف "في انتظار حب الرشاد" قصص قصيرة

القارىء لأعمال الأديبة المغربية "سعيدة عفيف".. الحاصلة على الإجازة فى الأدب الفرنسى.. يجد أنها زاوجت بين الشعر والقصة.. بعد بدايتها بالأول.. وتلته بالثانية.. على هدى من عشقها للأدب .. من خلال مكتبة والدها.. الذى كان عاشقا للقراءة.. فجمع فيها العديد من المؤلفات الأدبية.. وتحتسب نفسها بسيطة.. ولا تستهويها المظاهر.. وهمها الوجودى حزنها وفرحها,, وقد تكون لها بصمة مختلفة على الأعمال الإبداعية.. التى تعبر فيها عن نفسها.. وتضيف أنها أحد الأصوات الأدبية المتعددة.. لكنها رغم أنها كانت تحلم بالكتابة.. ترى أن أحلامها لم تتحقق بعد.. وأنها كثيرة الاطلاع على الأدب الأجنبى بصفة عامة بقدر استطاعتها.. حتى لا تكون فى معزل عما يجرى فى العالم.. من تطور فى مجال الإبداع الفنى والأدبى.. وتشترك في الملتقيات الأدبية والإبداعية.. وتنشر كتاباتها الإبداعية.. فى العديد من وسائل النشر العربية.. وبعد تخطيها مرحلة كتابة الخواطر في االبداية.. انتقلت إلى الشعر.. ونشرت مجموعة من قصائدها.. ديوانها الأول " ريثما" وبعده أصدرت مجموعتها القصصية الأولى " فى انتظار حب الرشاد".. قدمت من خلالها عشر قصص متنوعة المضامين.. تسبق كل قصة مقولة أدبية لكاتب عربى أو أجنبى.. ارتأت أنها تتناسب معها.

بعد إهداء اختصت به أختها بدا كمقطع شعرى :

"يارقة تخطرين كالطيف
تهمسين للبنفسج كالنسيم
وهناك عند حافة النبع
ترقدين ويطوف الشذا
من حواليك ندى الأحلام
وكزهرة الخلود تفوحين"

وتبعته برأى الكاتب " أحمد بوزفور" عن القصة فى نظره.. بدأت بعرض قصص المجموعة العشر.. بادئة بقصة " على المرقص" التى سبقتها كلمات للكاتب " نبيل محمود" أن تسكن قلبك امرأة مضيئة.. وأن تمل روحك أنغام الفالس.. فلن تكف أبدا عن التوهج والغناء.. إلا عند انطفاء الكون".. جمعت فيها بين فتى وفتاة.. يتشاركان فى رقصة فنية.. " تحبس الأنفاس من شدة جمالها".. يرقصانها فى هدوء.. لكنها واجهته فى حيرة وكانها تبحث عن شىىء ما.. وعنندما احس بها .. بادرها بسؤال يمتص بها حيرتها.. عن سبب استمرارهما فى الرقص.. ثم اجابها عن استفهامها ".. بأن ذلك يعود ألى عشقهما للرقص.. وعملهما الشاق للتاليف بين حركاتهما.. نبهته إلى أنهما لا يرقصان دائما.. وأنهما رهينى رغبة غير رغبتهما.. لم يجيبها وصار الصمت بينهما سيد الموقف.. لكنهما يتماهيان فى الرقص.. وطلب منها أن يستمتعا بالرقص.. عبرت له عن حبها لصموده.. الذى تستمد منه قوتها وإصرارها " الرقص حياة.. والحياة رقص فى كل أوجهها".. يهمسان لبعضها بكلام غير مفهوم.. يقطعه التوقف.. وغلق علبة الرقص.
ثم قصة " فى انتظار حب الرشاد".. التى سبقتها كلمات الفيلسوف الفرنسى " جاك دريدا": " مع كل استعارة من أى نوع.. لا بد من وجود شمس فى مكان ما.. ومتى تسطع الشمس تكون الاستعارة قد بدأت معها".. وتماثلت بطليها فى " فتات الشطة".. وهى أكلة شعبية مفربية.." وحب الرشاد".. وهو نوع من البذور يتعمل فى تحضيرها.. وهما من البذور.. التى يضااف مسحوقها للطعام المغربى.. لتزيد من شهيته.. تشعر الأولى.. بقرب وصول الثانى.. فبحثت عنه فى الأسواق.. والأماكن التى يرتادها.. وسألت عنه كل المقربين إليه.. لكن محاولاتها باءت بالفشل.. لكن لم يضتها البحث.. وخطر لها أن تبحث عنه ..بين لفافاتها الورقية وفى كتبها..فلم تجد سوى المستفيض عن فوائده ومحاسنه .. ولم تستطع أن تلتق به.. لأنه لم يجيب على مهاتفتها له .. ورسائلها إليه.. وبينما كل الأصناف المخصصة لفطور بلدى تم وضعه على نارهادئة لتنضج.. وشاركت فى حفل الذوق البلدى الأصيل.. لعلمها أن نضجها لا يحدث إلا بحضور " حب الرشاد".. لأن امتزاجاهما معا.. يجعل الطبخة غاية فى اللذة.. ولو افترقا .. تداهمها اللوعة والاشتياق للقاء آخر.. وترفض اللهو مع غيره..منتظرة عودته.. وبينما هى مبحرة فى عالمها.. يأتيها رفاقهم .. لينه ويثور بينهم جدال.. بشأن تمثيل عضويتهم فى الملتقى السنوى.. والموسمى.. حفاظا على استمرارية أنواعهم.. وأصنافهم البلدية الأصيلة والشعبية.. فتستمع الى آرائهم.. التى توجب حضور الجميع.. لتعزيز مكانتهم رغم تعرضهم للمضايقات العصرية .. من الأصناف المصنعة.. والسريعة التحضير.. وعندما سألوا عن " حب الرشاد".. أجابتهم بأنه ربما يكون فى مرسمه.. الذى يدخله إذا حضر إلى البيت ولم يجدها..وبالفعل كان مشغولا برسم لوحة.. " تجسد الوعى الكامل.. بكل ما يعتمل فى دواخله".. ثم تركها وخرج وجلس بالقرب من " فتات الشطة".. ورحب بمن أتوا إليه.. وشاركهم فى النقاش الذى استمر واحتدم.. ثم اختفى عنها.. فاستسلمت لغفوة.. استرسلت من خلالها فى حلم.. افاقت منه على يده.. مؤكدا لها أنه لم يتركها.. وما حدث لها ماهو إلا أضغاث أحلام.. ثم سألها عن ما رأته فى حلمها.. أجلت ذلك .. لأنها لاتحب أن تتذكر ضياع رفيق عمرها.." أثناء كابوس عابر".
و قصة " مسخ" التى سبقتها تساؤلات الكاتب البرازيلى " باولو كويلو".." كم مرة رأيت الأفق دون الانتباه إلى جماله.. كم مرة نظرت إلى السماء دون الانتباه إلى عمقها.. كم مرة سمعت الأصوات من حولى دون أن أدرك أنها جزء من حياتى؟".. تبدو بطلتها " غالية" جالسة فى جنينتها المتواضعة.. تشرب القهوة.. وتستمتع بنكهتها اللذيذة..؟ وهى تتأمل توهج الأعشاب.. تحت أشعة الشمس القوية".. والمتناثرة على ممشى.. يمتد إلى الباب .." الذى يفضى مباشرة إلى الشارع".. تنتزعها الأفكار.. وتعيدها ذكرياتها إلى القرن الخامس الميلادى.. الذى صرخ فيه الراهب " هيبا" آمرا عزازيل بأن يبعد عنه صوت الغواية".. فيجيبه أن ما سمعه هو صدى روحه.. " التى تئن تحت وطء رحى التساؤلات الأبدية".. التى تمضى فى " دورات لا نهائية.. غير حافلة بالزمان والمكان".. عزازيل فى الأعماق يمثل الصوت الآخر.. و" هيبا شاعرا طيبا فى جبة راهب".. تمزقت روحه بين إرضاء النزعات الإنسانية.. وتتوغل فى " الزهد عن كل ما هو دنيوى".. وطموحه " للطمأنينية والمحبة الإلهية".. يأتى صوت من أعماق " غالية".. عن سبب تذكرها لما مضى.. فلا تدرى.. " نحن لانهرب من أنفسنا .. إلا إليها".. و تتذكر " أرو.. ونو".. اللذان يخطبان ودها.. بينما تراهما يهدران وقتهما فيما لاطائل منه.. وترى فى عذابات الراهب.. تناقضات الحياة نفسها.. ولأن " الشىء وضده مايحكمنا".. يجعلنا نصير كائنات ممسوخة.. ولذلك فهى تغوص فى أعماقها لتنجو من هذا المسخ.
قصة "ماجدث لى" ..بكلمات ابن عربى التى تسبقها.. " الزمان مكان سائل.. والمكان زمان متجدد".. لا ترى البطلة غير الخواء يطوف من حولها.. وتجده يزداد ايغالا يلوك روحها عنوة.. تتأمل غرفتها .. فتجدها كما هى بجدرانها وأثاثها.. فتتملكها الهواجس.. وتتلمس أجزاء جسدها .. فتكتشف أنعدام إحساسها بضغطها عليها.. حدقت فى مرآتها..بدا لها وجهها شاحبا.. فأخفته بيدها.. حتى لاترى عيناها الرعب والضياع.. ولازمها انعدام الإحساس فى المطبخ .. فخافت أن يتسرب إلى قدرة تمييزها وادراكها للأشياء.. ثم راودتها فكرة تكملة قراءة كتاب كانت تقرأه.. بدت لها الأفكار باهتة وغريبة عما كانت عليه.. ارتأت أنها فى حاجة إلى اعادة " الإحساس المنعدم من كل شىء".. ألقت بجسدها على السرير.. وعندما انسدل الليل.. داهمتها الهموم..وسمعت تبضات قلبها الواهن.. واكتشفت أتها لم تفقد الإحساس تماما.. فغادرة السرير.. وجلست أمام الحاسوب..بفكر مشوش.. وتمنت أن تنسيها العوالم الافتراضية علتها.. وتعرف من خلالها .. درجة المسخ الذى أصاب منطقة الشعور لديها.. ثم حادثت حبيبها ..على صفحة الماسينجر.. عن الحب واختلاف نظرتها فيه عنه.. ثم أغلقتها.. وانغلقت على حيرة مدمرة.. حول الذى يدعى أنها حبيبته.. لكن داهمتها الأفكار.. للهرب من الفراغ الذى يطاردها.. وكيف تقول لزوجها.. إذا عاد إليها حالما.. بعد غيابه عنها أسبوعا فى مهمة بحثية.. وسألها عما جرى لها.. وعندما استبد بها التعب.. أخذت حبة منوم.. وحاولت أن تستسلم للنوم.. لكن النوم لم يستسلم لها..وتماثلت حياتها مع زوجها.. لكن وجدت أن ماعتراها كان هذيانا.. أقرب إلى اليقظة.. فجلست إلى مكتبها.. وكتبت ما حدث لها.. من أحاسيس مشوهة.. لكن زوجها عاد مبكرا من مهمته.. وسألها وهو يعانقها: كيف هى؟.
ثم قصة " عايشة" التى سبقها كلمات الكاتب نقوس المهدى.. " أيها السادة (..) لتكونوا مصرين على فتح أبواب المنافى.. فى وجه هذه القلوب .. التى تود الاستئناس بنبيذ المودة.. فنحن لانرغب أن يقودنا عساكر فاشيون.... متمنطقون بعرى عبارات نابية.. نابتة على دمن الكراهية والحقد.. إلى أسن مزابل مخفورة بالخراب".. التى تبدو ممطية حمارها بقلتيها المملوأتين بالماء.. بعد أن داهمها الوقت أثناء خلودها..لكنه لم يرغب مثلها فى الرجوع بسرعة.. وتراه شديد الذكاء.. ويستجيب لها كعاقل.. فتعده بأنها ستعتنى به أكثر.. ولا يبالى بمن أوسعوه صفات قدحية.. يعانون هم أكثر منها.. وأنها تتركه يعبر عن رأيه كما يريد.. كما أن هناك أحمرة.. نحتل مراكز قيادية.. وقد يكون فى يوم من الأيام مثلها ويتبوأ منصبا عاليا.. حرك أذنيه دلالة علن أنه فهم قصدها.. وبعد عودتها إلى دارها.. أعطته تبنا بالقدر الذى يكفيه وخرجت.. لفت انتباهها وهى فى الطريق عدد من النسوة.. حول مقدم يتكلم باستعراض عن أمر ما.. توقعت أن يكون عن حفلة وطنية تنظمها السلطة.. ويتعين على الجميع الامتثال لحضورها.. حتى لايتعرضوا لعدم استلامهم أوراقهم عند الحاجة.. فودت " لو تحول إلى مقصلة تفصل رأسه عن جسده".. بدت منه حركة زادت من غضبها.. لكنها لم تهنم.. محدثة نفسها: " راح العمر ولم يبق منه شيئا أخاف عليه".. فقد ظلت أربع وعشرون سنة.. تلبى نداء الاحتفالات.. إلى أن هرمت.. ولم تجن شيئا.." لم يعترفوا بشىء من الخدمات التى قدمتها.. ولا يتذكروها إلا عند الحاجة..وتصغى النسوة لها وهى تشكو همهن المشترك.. لكنها أكملت خطواتها بعد لحظات .. الى الحانوت الذى كانت ذاهبة إليه.
وفى قصة "" جدار المقبرة".. التى سبقتها كلمة الكاتب البرتغالى" فرناند بيسوا".. يبدو لبطلها.. تهدم الجزء العلوى للجدار.. وتسكن شقوقه " مختلف الهوام والزواحف".. وتزكم " رائحة التاريخ الرطبة المنبعثة من طينه العفن " أنفه عندما اقترب منه..كما يسمع همسه لنفسه ..بتساؤله إذا ماترك الجزء المتهدم منه .. يسقط نكاية بمن يتشدقون به من غير طائل .. أمام صف القبور الموالى له.. ويسحق صف المتسولين.. الذين يستندون عليه.. ويعزفون للناس طوال اليوم نغمات الشفقة والعطف.. راجيا أن يصنف معلمة أثرية تاريخية.. " لإمتاع السياح من ذوى العاهات .. وأصحاب الدوالى والشذوذ الجنسى".. وبعد أن يغيب صوته عنه.. يرمى بنظراته صوب زاوية منه.. فيرى القبور الموزعة بانتظام .. فينسى تذمره.. من طول انتظاره لصديق له.. تواعدا على زيارة بعض المآثر التاريخية القريبة.. واضطرته جنازة وصلت للمقابر.. قبل أن يغادرها على البقاء.. يخرج مع الخارجين.. بعد أن ألقى نظرة أخيرة.. على جدار سور مدينته العتيقة.. ودموع حزنه تغازل عينيه.
وقصة " تمدد المشتهى".. التى تصدرتها مقولة " فرانز كافكا".. " لايزال الليل ليلا أكثر من اللازم".. تتماثل للبطلة أسئلة .. " ليس من العبث أن نتركها لنفسها.. وتخايلها أفكار عرجاء..تنسيها هم الدوران حول نفسها,, وتسعى إلى الانفالات من لحظة ارتواء مهموم.. ثم تتحول إلى التمدد على كنبة..وتضع كتابا مفتوحا على وجهها.. ثم تستسلم لغفوة.. تماثل لها استقبال رئيس مؤسسة لها.. اتفقت معها على إتجاز جزء من عمل.. لكنها عندما أبدت رأيها فى الموضوع تشاغل عنها..وبعد أن طال صبر انتظارها.. شرعت فى قراءة الفصول المتبقية من رواية " المزحة".. للكاتب التشيكى " ميلان كونديرا".. لكنها عندما تطلعت إليه.. بدا لها بوجه حيوانى.. ثم يعود إليه وجهه الأصلى.. تساءلت كيف يتغير بهذه السهولة.. رفع وجهه إليها ليسألها هل أنجزت فكرتها؟.. فبقيت ساهمة.. قبل أن تتلعثم فى عباراتها.. وهى تشرح له فكرتها.. وبعد أن سجلت اقتراحاته.. أغلقت ملفها دون ترتيب.. وخرجت بسرعة.. ثم تساءلت وهى منحشرة بين الزحام: " هل مارأته واقعا.. أم محض خيالات وهذيان؟.. ثم سارت فى الطريق على غير هدى.. ورجعت إلى البيت.. لكنها وجدت نفسها ممددة على الكنبة مستسلمة لغفوتها.
وتصدرت قصة " بحر الدماء" كلمات الكاتب الأرجنتينى " خورخى لويس بور خيس".." إننا بحاجة إلى الخيال كى نواجه تلك الفظاعات.. التى تفرضها علينا الأشياء".. يبدو من يسهوا عن صوت المذيعة التليفزيونية التى تبث الأخبار.. الحاملة لسيل من الشرور والخراب والآثام والدماء..التى يكتسح سيلها كل القنوات.. ومن بينها قناة اعلانية .. تعرض كل المواد القابلة للاستهلك.. ومن بين صور المنتجات التى تعرضها على شاشتها..صورة لبحر ألدماء.. وأثار المشاهد.إعلان المذيع عنه.. كإنجاز إنسانى عظيم.. أنشىء على شطر من اليابسة.. بدا كموقع استراتيجى مهم.. سيحج اليه البشر من كل مكان.. ليتحرروا من أفكارهم البالية.. وستكون دماؤه فى انتظارهم.. وبدا القيمون عليه مسرورين بالدعم الدموى .. الذى يتلقونه سويا..من مختبرات عالية المستوى.. وبطريقة آلية تتغير القناة إلى قناة كلاسيكية.. تقدم ما بقى من روائع الزمن الجميل..ويصدح عليها صوت فيروز الملائكى.. بأغنية " تعا ولا تيجى".
وتعرض قصة " قصص لم تكتب بعد".. التى تصدرتها كلمات ابن عربى " كل بقاء يكون بعده فناء لا يعول عليه..كل فناء لايعط بقاء لايعول عليه".. لكاتب عاد من جولته الصباحية.. التى يتفقد فيها شئون ضيعات ومؤسسات يشرف عليها.. ويقرر أن يجلس على كرسى فى مكتبته الكبيرة.. يتأمل سير الكون.. ويفكر فى رفيقه الدائم.. قلقه المزمن.. وعلى وجهه تقاسيم حزنه المقيم فى عينيه.. وعندما يعيه التأمل.. يقرأ ما دونته الكتب القديمة من آلاف السنين.. فيضحك من أعماقه.. لكن ضحكاته تنتهى إلى عبوس..تسعده قراءة قصص الأطفال.. وما يكتبه لهم منها من صنع خياله.. ويستوحى بعضها من أحوال أمم.. تصاريع الطواحين من أجل أفكار هاوية.. ويستلهم بعضها الآخر من الطرائف.. محاولا أن ينقل بصدق.. من صيرورة الكون.. ويرضى ضميره فى إيصال رسالته كاملة.." عسى أن يكون الآتى من الأزمنة أفضل حالا.. مما هو عليه الآن.. ويعيش حالة شجن من تشوهات العصور.. التى ألصقت بها رغما عنها.. خضوعا لرغبات المستيدين.. ويعيش وحيدا مع حزنه.. ويتمنى أن يصنع كونه الصغير الخيالى كيفما يشاء.. وعندما أوشك على إتهاء قصة للأطفال.. حاول ألا يستعمل عبارات .. تبعث الأسى فى قلوبهم.. وتلهيهم عن جماليات الوجود.. وقرر أن يصنع مايرد كما يشتهى.. ليدحض كل الكتابات المضمرة للسوء.
وتنتهى المجخموعة بقصة " عازف الليل".. الذى سبقها قول "جلال الدين الرومى": " الجقيقة كانت مرآة فى بيد الله.. وقعت وتشظت.. كل فرد أهذ قطعة منها.. نظر إليها وخال أنه يمتلكها كاملة".. شد سمع بطلتها عزف حزين.. وهى مأخوذة بقراءة قصة " فى مهب الريح".. التى تتواتر أحداثها على إيقاع حزين.. تتوسل إلى العازف أن أن يخغف الوطء قليلا.. لكنه يرفض أن يستجيب.. تستعين بفواصل قصيرة.. " تؤثث لجمال لحظى مسروق من الزمن المشئوم".. لكن تحيلها الأحداث على أبيات من فن " العيطة".. ( فن مغربى ظهر فى عهد سلاطين المغرب .. إبان الاستعمار لمقاومة الاستبداد والاحتلال)..وتتملكها الأجواء كلما تمادت فى القراءة.."لأن بطلة الرواية شاعرة ثائرة تصارع الظلم بالكلمات".. نذكرها بالشيخة "حويدة المعروفة ب "خربوشة". . ( عاشت أواخر القرن التاسع عشر.. وكانت أشعارها كسياط فى وجه الظلم والطغيان) شخصيتها قوية.. وتناقش الرجال المحاربين فيما يجرى من أحداث.. وتستنفر هممهم فى مواجهة جبروت السلطة والطغيان.. تخشى البطلة ان تكون نهاية الرواية مأسوية.. لكن يبدو لها وصف أجواء هادئة.. ثم يحتد مزاج النص.. وتميل العبارات إلى ألوان قاتمة.. لقيام الأعداء بالاغتصاب وانتهاك الحرمات.. ويهدر دم الشاعرة الثائرة.. وتتوالى الانتهاكات ويستمر البحث عنها .. لكنها قبل أن يصلوا إليها .. تلقى بنفسها فى قاع بئر.
من المقظوع به..أن هذا الإيجاز البسيط للقصص.. لايف تماما بما عرضته الكاتبة من خلالها.. لخلوه من جل التفاصيل البادية بها.. لكنه قد يكون كافيا إلى حد ما.. لألقاء الضوء على ماهية مضامينها المتعددة.. والمختلفة.. والجانحة إلى تناول محطات تاريخية .. وعادات شعبية لم تندثر بعد. بالإضافة إلى متناقضات الوجود الحياتى .. المتعددة الوجوه.
أول مايلفت الانتباه فى هذه المجموعة.. هو اختيار الكاتبة لعنوانها " فى انتظار حب الرشاد".. وهو ما يوحى فى قراءنه لأول وهلة.. أنه لقصص حب عادية.. بسبب اعتياد قراءة كلمة " حب" بضم الحاء.. ولن يكتشف أنها بفتح الحاء.. إلا عند قراءته للقصة المعنونة بهذا الإسم.. فيتغير تعاطيه له إلى العكس..لانتفاء مضامين الحب التقليدية.. ويتكرر هذا الأمر عند قراءة " فتات الشطة".. بفتح الفاء.. ويقرؤها على أساس أنها فتاء.. ويخاله الظن أن الكاتبة أخطأت بكتابتها بتاء مفتوحة .. وكررت هذا الخطأ.. دون أن تنتبه إليه..لكنها عندما يتماهى فى القراءة.. ينتبه إلى الحقيقة.. ويكتشف أ نها لم تخطىء فى الكتابة.. ويستمر فى القراءة على ضوء ماكتشفه.. ومن ثم يبدو أن اختيارها لم يكن بعشوائية.. وإنما عن قصد ارتأت فيه مايناسب مجموعة قصصها.. وهو مايتفق مع ابداء قصتسها " على المرقص" بصوت المتحدث .. متخطية جل الضمائر المتعارف عليها فى الكتابة.. والتزمت بالوصف الذى ينقله المتحدث فقط.. سردا كان أم حوارا.
الأمر الثانى: هو اختيارها لأقوال أدباء وفلاسفة.. عربا وأجانب .. من أزمنة تتالت عبر العصور.. فبدا فيها القديم والحديث.. أبدت ماختارته منها لتصدير قصصها.. كسلة عبأت فيه مضمون قصتها.. التى استلهمتها من هذه الأقوال.. هذا بجانب روايتى " المزحة" و" ذهب مع الريح" وأبيات شعرية.. جمعت بين العامية والفصحى.. وكلمات باللهجة المحلية.. مع توضيح معانيها.." الزردة" الوليمة.." كسكس" الدشيشة.. " مشحر" مغلى على مهل.. " كمارا" وجه بشع.. " تمارا" الكدح المضنى الشاق وشظف العيش.." البركاك" الجاسوس.. " تكشيطة" لباس تقليدى للآفراح.. وغيرها من الكلمات والفنون.. وهذا مايمثل الاختيار الأصعب بالنسبة للمبدع.. الذى تداهمه الحيرة فى عرض أعماله.. ويجد نفسه فى موقف التفاضل بين اللغة الأم.. واللهجات التى تخص مجتمعات بعينها.
الأمر الثالث: تفردها بعوالم متخيلة خاصة بها.. سردتها بلغة بسيطة.. تجنح أحيانا إلى الشاعرية.. لتعزيز التفاعل مع عباراتها.. و تعميق فكرتها التى استوحت منها قصصها.. المحملة بالهموم الحياتية .. المشبعة بالحروب والاستبداد.. والإطلالة على ماض تحفظه صفحات التاريخ.. وحال يبدو امتدادا له.. وهو ما يفسح لها المجال فى الحقل الأدبى..كصوت متميز بين أصواته.
وفى المجمل.. اللافت للانتباه اعتماد الكاتبة .. فى نسج بعض قصصها.. على صور من التخيلات غير العادية.. التى لا تتطابق مع المنطق.. قدم مثيلاتها الكاتب المصرى السكندرى " محمد حافظ رجب".. من خلال مجموعته " الكرة ورأس الرجل".. كمحاولة تجريبية للتجديد فى القصة القصيرة.. قدمها فى ستينات القرن الماضى وتماثل فيها رأس الإنسان ككرة قدم.. تتحرك بين أقدام اللآعبين.. بدا ذلك فى قصة " حب الرشاد" باستنطاق البذور.. وفى قصة " عايشة" التى تحادثت فيها بطلتها مع حمارها.. وهمس الجدار لنفسه فى قصة " جدران المقبرة".. بما يوحى إلى استخدام هذا المنحى .. لتنتسب إلى القصة الرمزية.. التى تتمحور أحداثها حول الممنوع.. أو المسكوت عنه.. رغم ذلك عرضت القصص لحالات إنسانية.. تتعرض مرغمة لقهر تم فرضه عليها.. رغم رفضها له.. واستبداد تعانى منه.. وتعيش تحت مظلته.. لكنها تحاول أن تقاومه وتتخلص منه.. تناولتها الكاتبة برؤى تأملية وفلسفية وجمالية ونقدية.. حملتها عوالمها المختلفة.. بوضوح لالبس فيه.. رغم بكارة تجربتها القصصية.. التى تخطت مرحلة التقليدية ..وبعدت عن شبهتها.. فبدت فيها علاقة المرأة بالرجل.. بحميميتها العادية..عاكسة لانفعالاتها الداخلية.. ومدى قوة الاتباط بينهما.. دون اختلاق يشوه من مصداقيتها.. ولحالات استبدا الحكام.. وأهوال الحروب.. والتضحيات الانسانية ممن يتعرضون لها.. كما اختزلت مراميها فى جمل قصيرة وبسيطة..


السيد الهبيان

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى