فوزية العلوي - بيت من الشعر ، أو بيت من الشًّعر..

لسنا ندري من من العرب الأوائل أطلق تسمية بيت على هذا الوحدة اللغوية والتي بالتئام عدد منها تتكوّن القصيدة؟
إن التسمية كشفت ترسيما مجازيا للواقع العربي البدوي آنذاك والذي يكشف عن شعور متجدد بالتلاشي والغياب ، إن مطلق التسمية المترحّل بالضرورة والذي يعيش حالة لا واعية من اللااستقرار والشعور بخطر الفقد أساسا سعى إلى ضمان بيت أكثر استقرارا وأمنة واستمرارا من بيت الشَّعر الذي يسكنه هذا البيت المصنوع من وبر الإبل وشعر الماعز والذي له عمود وأوتاد وأطناب .
إن هذا البيت المادي والذي يقي الجسد من الحر والقر ويمنحه غفوة التجدّد يتحوّل بمقتضى الاسم الى بيت من اللغة ، من الكلام الذي يضمن الوجود المعنوي والأنطلوجي / إنه مسكن الروح والفكر والوجدان، وهو الضامن الحقيقي للاستمرار عندما يأزف الرحيل.
إن العربي على بساطة بيئته وتلقائيتها وشظفها وقلة الوسائل المتاحة لم يعدم أن يتوفّق الى مابه يضمن تواصله وخلوده، فقد توفق إلى صوغ هذا الكلام الموزون بالفطرة ودونما علم مسبق حتى يقارع الوجود المهدد بالتلاشي والفقد.والوزن في حد ذاته لم يكن حاجة جمالية ونفسا ربت على الإيقاع فقط بل إنه كان ضرورة وإعانة للذاكرة على الحفظ وعلامات يستدلّ بها الفكر في مسيرته الطويلة المجهدة والمهدد أبدا بالطمس والمحو ، فلا صحائف ولا أقلام ولاتروس يضمنها السابق للاحق.
إن العربي إذ سمّى الجملة الشعرية بيتا فلأنه يعتبر الشعر بيته الثاني بل بيته الأدوم والأبقى، إنه وجوده المنطوق فالمكتوب ووجوده الجمالي والفلسفي ،إنه يفعل ذلك كما فعل بتسمية أشطر البيت صدرا وعجزا لأن الشعر متخلّق من كينونته وهو بعض جسده وروحه وهو امتداد لمفاصله وأعضائه وجوارحه كما هو تواصل لميراثه الروحي....

فوزية العلوي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى