مزمل الباقر - أبو حازم من ( الشعبية) إلى (تمبكتو)

كنت قد كتبت في مطلع شهر فبراير من هذا العام، حلقات تحت عنوان: ( التطرف الديني في السودان) وختمت تلك الحلقات بالفقرة التالية: (انيخ قلمي هنا وهاجس الرجال الذين فروا من حول الجماعة وتوجهوا شرقاً ليدخلوا مضارب ولاية (القضارف) ويمشون مطمئنين بمدينة (الحوّاته) ربما انتظمت صفوفهم من جديد وأعدوا العدة والعتاد وجلبوا الرجال والكمبيوترات واجهزة الثريا وتواصلوا من جديد ليقتلوا ويسفكوا الدماء من جديد بإسم الله تاره وباسم الخلافة الاسلامية تاره أخرى).

وترتب على ذلك، ان جميع حواسي اتجهت شرقاً لمدينة ( الحوّاته) وظللت اتسقط الاخبار، وما دريت ان الاخبار ستأتيني من ( تمبكتو ) من خارج حدود بلدي!! لتضيف على دهشتي الطارئة شيئاً من الحزن، فالأخبار لم تأتي بخير، فكان لابد من العودة للمقال ولا أظن أن العود يكون أحمد.

حيث جاء بالأخبار انه هنالك رجل سوداني يكنى بأبي حازم، ينتمي لتنظيم القاعدة ( على حسب إحدى الروايات) قتل بمالي في إثر غارة فرنسية في إطار محاربة القوات الفرنسية بالتعاون مع الحكومة المالية للقضاء على الخلية الإرهابية المتواجدة بجمهورية مالي. ولكن من هو أبو حازم؟


أبو حازم ... (Zoom in):

أبو حازم واسمه الحقيقي هو عماد محمود، يتحدّر من منطقة دنقلا عاصمة الولاية الشمالية المتاخمة للحدود المصرية، ولد في عام 1964 ويمتلك منزلاً ويسكن فيه مع اسرته بحي (الشعبية) بالخرطوم بحري (والخرطوم بحري هي إحدى المدن الثلاث التي تشكل العاصمة الخرطوم وهي المدينة الثالثة في السودان بعد مدينة الخرطوم ومدينة أمدرمان) ولأبو حازم زوجتان إحداهما من الهند وله من الاثنتين بنين وبنات.

(وتقول سيرته الذاتية إن بدايات التزامه كانت تميل نحو جماعة انصار السنة عن طريق تأثره بشقيقه الأكبر على غير اتجاه رفيقه السابق (أ.ع) الذي كان ولاؤه للإخوان المسلمين وفي فترة الخلافات والصراعات التي قصمت وعصفت بوحدة الجماعة السلفية في بداية التسعينات انخرط الشاب (ع.م) مع مجموعة (المسرة) أو (الصفوجية) التي كان يقودها أبو الحاشر محمد أحمد النور – الذي سافر للالتحاق بكتائب المجاهدين بافغانستان وسافر (ع.م) للقتال جنباً إلى جنب مع المجاهدين والأفغان العرب ثم جاء للسودان واستقطب عدداً من شباب بحري الذين رافقوه لأرض افغانستان وبعد نهاية مرحلة الجهاد ومجيء أسامة بن لادن واستقراره بالخرطوم تردد أن ( أبو حازم ) يريد تجنيد واستيعاب شبابهم لصالح تنظيم القاعدة وبعد إعلان الولايات المتحدة لاستراتيجيتها في مكافحة ومحاربة الإرهاب بعد وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م تم اعتقال ( أبو حازم) ومعه رفيقه (ح.ك) لكن حبسهما لم يدم طويلاً فقرر الرجل الهجرة خارج السودان للقتال في صفوف المجاهدين بالعراق مع أبو مصعب الزرقاوي ووصل حتى سوريا لكن المخابرات السورية ألقت القبض عليه وأرجعته مرة أخرى للسودان وتكرر اعتقاله بالسودان عدة مرات والتحفظ عليه مرات أخرى وسحب جواز سفره وأصبح قيد الإقامة الجبرية أحياناً إلى أن أفلت من حاجز الرقابة وأفلح في الهروب والخروج من الخرطوم لكن تم توقيفه ببورتسودان ليستقر بعدها في الخرطوم حوارياً من تلاميذ الشيخ مساعد بشير السديرة قبل أن يختفي في الفترة التي تزامنت فيها حادثة الفيلم المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم وما تلاها من الهجوم على سفارتي أمريكا وألمانيا سبتمبر 2012م ليظهر الرجل المجاهد مؤخراً ضمن كتائب تنظيم القاعدة – بلاد المغرب الإسلامي متوشحاً سلاحه في مالي. ) ( قصة أبو حازم زعيم القاعدة بالسودان/ تقرير: الهادي محمد الأمين / صحيفة السوداني، العدد: (2581) ، الجمعة 22فبراير2013م).

ولا تختلف رواية اللندنية التي وردت بصحيفة الحياة، كثيراً عن رواية ( جريدة السوداني) وإن حددت اسم الجماعة السلفية التي كانت ينتمي إليها أبو حازم وهي ( جماعة الكتاب والسنة) وتمضي الحياة اللندنية في روايتها ملقيةً مزيداً من الضوء على تلك الشخصية المحورية ، (وأضافت المصادر ذاتها أن «أبو حازم» قاتل القوات الروسية إلى جانب المجاهدين في أفغانستان، ثم في الشيشان والفيليبين، ثم عاد إلى أفغانستان للقتال ضد القوات الأميركية بعد عام 2001 وانتقل لاحقاً إلى العراق حيث أُسر هناك، لكنه هرب وعاد إلى الخرطوم، واعتقلته السلطات غير مرة. وشارك «أبو حازم» في عمليات إلى جانب المتطوعين في ولاية جنوب كردفان، ومنها انتقل إلى دارفور حتى وصل براً عبر تشاد والنيجر إلى مالي عقب سيطرة جماعات إسلامية بعضها مرتبط بـ «القاعدة» على شمال البلاد، وكان يقود حوالى 200 من السودانيين الذين يقاتلون هناك إلى جانب الجماعات الإسلامية.) (مقتل «قائد فرع القاعدة في السودان» بغارة فرنسية في مالي – تقرير: النور أحمد النور/ الحياة اللندنية – عدد الجمعة ٢٢ فبراير ٢٠١٣م).

تحت عنوان (قاتل السوفييت) أورد موقع قناة الشروق السودانية تقريراً مطولاً عن أبي حازم، لنأخذ منه ما يتعلق بالعنوان أعلاه ( ابو حازم .. Zoom in)) يقول موقع القناة أنه: (وطبقاً لبيان الجهاديين، فإن أبوحازم قاتل ومارس الدعوة، وقام بالتدريب في عدد من المسارح الجهادية خلال العقود الأربعة الماضية، وقضى بضعاً وعشرين سنة في الهجرة والجهاد والدفاع والأسر، وقاتل ضد السوفيت في أفغانستان، وفي أدغال الفلبين وعلى تخوم الشيشان، وجاب أرجاء السودان كله، وكان حاضراً في دارفور، وأضاف: (تخرّج على يديه مجاهدون وشهداء وفرسان غوانتانامو وشهداء العراق والصومال الذين يشهدون له).


تلك البدايات التي قادت لهذه النهايات:

مما جاء بموقع شبكة حنين الإلكتروني: ( ... نزف للإخوة المجاهدين في كل مكان نبأ إستشهاد الشيخ المجاهد أبو حازم عماد محمود السوداني وذلك جراء قصف الطيران الفرنسي للمجاهدين في مالي ، وقد نفر الشيخ منذ عدة أشهر لنصرة إخوانه في غرب إفريقيا وقد جاهد سابقاً في أفغانستان أيام الإمارة الإسلامية اعادها الله كما جاهد في العراق في بداية الغزو الأمريكي وعاد للسودان وأسر عدة مرات وحبس لفترات طويلة في معتقلات المخابرات السودانية حتى يسر الله له الطريق إلى مالي مؤخراً واستشهد يوم 27-1-2013م كما نحسبه والله حسيبه..) .

بعيداً عن حديث العواطف (كانت «الحياة» نشرت نقلاً عن موقع «لونغ وور جورنال» الأميركي الذي يتابع مجريات «الحرب على الإرهاب»، أن موقع مؤسسة «سايت أنتيليجنس غروب» حصل على بيان نُشر في مواقع جهادية يُعلن مقتل «أبو حازم السوداني» الذي وُصف بأنه «جاهد» أكثر من 20 عاماً في أفغانستان والشيشان والسودان. ونقل الموقع عن مسؤول استخباراتي أميركي القول إن «أبو حازم السوداني» هو قائد فرع «القاعدة» في السودان الذي يسمّي نفسه «قاعدة الجهاد في أرض النيلين»، وذكر أن الرجل الذي يصفه أتباعه بـ «الشيخ المجاهد»، توجّه إلى مالي ليشد من عضد قوات «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» منذ بدء العملية العسكرية التي شنتها فرنسا لإنهاء سيطرة الإسلاميين على شمال مالي.) ( الحياة اللندنية/ مصدر سابق)

وتتقاطع رواية صحيفة الصحافة السودانية مع راوية الحياة اللندنية حيث ورد بعدد بعددها الصادر بتاريخ 21فبراير2013م، تقريراً حول عنوان ( القاعدة تزعم مقتل زعيمها بالسودان في مالي) ومما جاء في ذلك التقرير : (أسفرت غارة جوية شنها سلاح الجو الفرنسي في جمهورية مالي عن مقتل زعيم فرع تنظيم القاعدة في السودان الذي يسمي نفسه (قاعدة الجهاد في ارض النيلين)، وذكر موقع (لونغ وور جورنا) الاميركي الذي يتابع مجريات الحرب على الإرهاب أن موقع مؤسسة (سايت أنتيليجنس غروب) حصل على بيان نشر في مواقع (جهادية) يعلن مقتل أبو حازم السوداني الذي وصف بأنه (جاهد) أكثر من 20 عاما في افغانستان والشيشان والسودان.)

ويمضي التقرير قدماً فيورد جانباً من بيان (نشرته المواقع (الجهادية) إن أبو حازم ،أريق دمه جراء القصف الذي شنه الفرنسيون في (الحملة الصليبية الاخيرة في مالي) ، لكنه لم يذكر علي وجه التحديد مكانا ولا زمانا للغارة التي أسفرت عن تصفية (أبو حازم)


تداعيات مقتل أبي حازم:

حديث الحروب الصليبية في آخر زماننا هذا، يضعنا وجهاً لوجه امام روايتين، رواية تؤكد وأخرى تنفي، فبينما يشير الموقع الأمريكي( صحيفة الحرب الطويلة Long War Journal) والذي ورد بتقرير الحياة اللندنية أن: ( ... ونقل الموقع عن مسؤول استخباراتي أميركي القول إن «أبو حازم السوداني» هو قائد فرع «القاعدة» في السودان الذي يسمّي نفسه «قاعدة الجهاد في أرض النيلين»، وذكر أن الرجل الذي يصفه أتباعه بـ «الشيخ المجاهد»، توجّه إلى مالي ليشد من عضد قوات «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» منذ بدء العملية العسكرية التي شنتها فرنسا لإنهاء سيطرة الإسلاميين على شمال مالي. ) (الحياة اللندنية / مصدر سابق)

نجد أن بعض الروايات تنفي صلة أبي حازم بإبن لادن وتنظيمه – أو بأيمن الظواهري وتنظيمه إن شئت شيئاً من المواكبة والتحديث – حيث نفت (مصادر سودانية مطلعة وجود فرع لتنظيم القاعدة في السودان، موضحة أن هناك دوائر صغيرة من شباب يحملون أفكارا أقرب إلى تنظيم القاعدة، مشيرة إلى أن السلطات قادت حوارا مع مجموعات عادت من الصومال أدت إلى قناعة بعضهم بالتخلي عن أفكارهم.) ( موقع إسلاميون الإلكتروني/ (مصادر: لا وجود لتنظيم القاعدة في السودان) عدد 23 فبراير 2013م).


بمثابة خاتمة:

هكذا يعود اسم السودان مجدداً ويدخل في المحظور، ويندرج اسمه مجدداً تحت بند ( الحرب على الإرهاب ) وما أدراك ما الحرب على الإرهاب. يقول مثلنا السوداني الشعبي ( التسوي كريت في القرض تلقاهو في جلدا ) أي ما تفعله صغيرة الماعز من أكلها لأوراق نبات السنط ولثماره ( القرض) يحدث لها كبير ضرر في جلدها، حيث ان ثمار السنط ( القرض) تستخدم عندنا في السودان في دباغة الجلود!!. وبذات المعنى والكناية، فإن النظام السوداني يحصد ثمار ما زرع و(على نفسها جنت براقش)، فقد احتضن في السابق المتطرفين دينياً (تحت مظلة المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي الذي تأسس في الخرطوم، وانضم إليه كثير من قادة الحركات الإسلامية المغضوب عليهم في بلادهم، مثل مجموعات الجهاد الليبي والمصري والإخوان المسلمين الخارجين عن سلطة التنظيم العالمي للإخوان، مثل قادة التنظيم السوري والتونسي.) ( السلفية في السودان / مركز الجزيرة للدراسات 2012م/ بالموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة الإخبارية).

وسيتبع ظهور اسم السودان مجدداً بالمحافل الإرهابية ( إن جاز التعبير) سيتبع ذلك مزيداً من الحصارات الاقتصادية والتكنولوجية وسنرى في قادم الأيام تطبيقات بعينها تحاول وانت في الخرطوم ان تستخدمها في كمبيوترك فتصدمك عبارة بالإنجليزية مفادها أن: هذا المنتج غير متوفر في بلدك، وتحاول ان تستعين بهاتفك النقال ولأنه يتبع لشركة أميريكية رائدة في هذا المجال ستجد نفس العبارة الإنجليزية معتذرة باستحالة تحميلك للتطبيق وانت داخل حدود السودان " بعد الانفصال السياسي بين شطريه " .
وستكون الفقرة السابقة ترفاً فكرياً إذا اضفنا إلى المنتجات الأمريكية التكنولوجية تلك المنتجات التي تدخل في صميم الحقل الصحي من معدات طبية وغيرها من الأدوية التي لم ينجح البديل العربي أو استيطان الدواء بالسودان وتوطينه – على غرار شعارات نظام الخرطوم- في أن يحل محلها كبديل دوائي. مما سيدفع بالنظام السوداني إلى الاستعانة بحلفائه الاستراتيجيين من الفرس ومن شعب الله الأصفر لإيجاد حلول سياسية تصلح ما افسدته السياسة البشيرية ( نسبة لعمر البشير) ، دون أن يدفع صراحة للنظام السوداني بالتراجع عن مواقفه السياسية!!.

نعم لقي أبو حازم نهايته الدنيوية، ولكن تداعيات مغامراته الإرهابية سيلقي بظلال قاتمة على الواقع السياسي السوداني في قادم الأيام. ومن يدفع الثمن في العادة هو الشعب السوداني خارج المنظومة الكيزانية ( نسبة للكيزان وهي التسمية المحلية للأخوان المسلمين بالسودان الذي يجلسون على كراسي السلطة والثروة والجاه ويعلمون انجالهم وكريماتهم بأفضل الجامعات ويتعالجون من امراضهم العضوية بالعواصم الأوربية أو بالقاهرة وعمان وربما بالرياض، ويتسوقون بموالات الخليج ويقضون عطلاتهم بالجزر الكاربية أو بمدينة النور وعاصمة الضباب).


مزمل الباقر
الخرطوم بحري في 23 فبراير 2013م
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى