سعيد فرحاوي - أسئلة الزجل المغربي وواقع العطب..

1-

من الأسئلة الشائكة والمربكة في موضوع يعني الإنسان المغربي هي:
متى كانت المؤسسات الرسمية وصية عن الابداع؟ بمعنى هل هي علاقة تزاوج على اساس ان هذا يحتوي ذاك وذاك يطبل ويتحرك بشروط لن تستفز المبادئ العليا التي سعت المؤسسة الرسمية فعل أي شيء بمقابل السكوت عنها ؟ 'ربما مازلت اسبح في التضبيب' الشديد سيجعلني أعلن عنها بوضوح'
هل فعلا وزارة الثقافة' بصفتها المؤسسة الرسمية تتكلم بخطاب واضح يهدف ان يكون منسجما مع حكومة فيها مايكفي ان تجعل الثقافة المغربية تدخل في نطاق برامجها 'مما يجعلها تكون سباقة لاحتواء كل الأنشطة التي يريد الزجل المغربي التظاهر والتباهي بها تحت يافطة اشكالية الزجل المغربي؟
أليس العمل تحت لواء وزارة رسمية فيها ما يكفي ان يقال انها لا تخدم الثقافة المغربية ولا تسهم في تصور حقيقي يخرج الثقافة في وطننا العزيز من عنق زجاجة ليتحرر من سموم أيديولوجية لا تخدم لا الابداع ولا الثقافة؟
لماذا يتسارع الزجل والمهتم بالشان الزجلي المغربي ان يقدم الولاء لوزارة لا تربطها بموضوع الزجل اية صلة ' كاشكالية تعني الشأن المغربي'على اساس ان هذا الابداع ظل لصيقا بهموم وقضايا جد مهمة تعني المواطن المغربي المستلب والمنخور؟
أليست وزارة الثقافة تشكل قمة الاولويات التي يجب أن يجعل منها الزجل المغربي موضوعا في كتابته؟
لماذا يكذب الزجل و المتتبع لمتاهة الزجل على نفسه ولم يرد أن يتحرر من أشكال خطير يعني تقديم الولاء المجاني لكل من سيسكت بمقابل لا يتعدى درهيمات' فقط أن يجمع حقيبته ويتسارع مهرولا متباهيا متكبرا وفرحته تسبق فرح الزجل المنكوب' ان يتباهى بذاته المهزومة في ملتقيات وندوات لن تفيد الزجل ولو ببصيص من الأمل؟
لماذا نفس الأسماء دائما هي المتكلمة الناطقة و الفاهمة القادرة على الإجابة عن أي أشكال يعني الزجل المغربي؟
أين هو الزجل؟ أين ذهب الزجال الحقيقي؟ لماذا يهمش مجموعة جميلة من الأسماء تحب الزجل 'تذهب إلى المطابع بنقود مسروقة من رزق أبنائها لتكتب وتطبع الزجل' فتبقى غائبة مهمشة منسية مهمشة وكأنها خلقت ان تسمع الزجل وتقدم الولاء للرجل؟
ثم هل سيتحرر الزجال الذي يرحل في جميع ربوع المملكة من اشكالات الذات التي جعلت مجموعة من الزجالة في موضع سؤال؟
ولماذا فشلت المؤسسات التي كانت تمثل الزجل' ومازالت نفس الأسماء تتنقل لتمثل الزجل في حين هي اساس أشكال الزجل؟
هل الزجل الذي يكتبه صاحبه لا يتكلم عن المعاناة والقيم ويدعو إلى التحرر' زجل يأتينا اليوم وهو كله ألم وازمات في ذاته وفي واقعه وفي محيطه و في كل تجليات الحياة التي تعنيه وهو يكتب الزجل؟ لماذا الزجال الذي يخاطبنا باسم الزجل لم يتحرر من هفوات ذات مهزومة غير متحررة كله ألم وتعب 'في حين الكتابة هي أساليب الرقي التي يجب أن تجعل من صاحبها كائنا سويا مقنعا في أخلاقه لا تهمه مصلحة الذات ' اما في واقع الحال' كلما التقى بشاعرة الا واعتبرها هي ملكا له 'يعمل بكل شيء من أجل إرضاء نزواته المرضية' والتاريخ نعرفه ويعرفه الجميع 'ربما الجميلات يعانين من هذا وهن الأقرب إلى توضيح معاناتهن مع أشكال خطير اسمه الزجال؟.
هل ذهب الزجال بالزجل إلى ما قاله مهدي عامل: ان الكتابة بدون قضية تمرين في الإنشاء.' بمعنى هل الزجل المغربي استطاع أن يخرج من الكتابة الانشائية إلى البوح الذي يحرر الذات و يطورها ويجعل منها أشكالا عاما يعني شأنا خطيرا اسمه ان الزجل هو قوة خانقة 'تمارس دورها التاريخي لاخراج السؤال من الضيق إلى الإنساني العام.
نتمنى. نتمنى أن تكون ندوة 11 فبراير ندوة المكاشفة والوضوح والجرأة' لأن الشأن الزجلي خرج من الاختناق 'فأصبح الكل يبحث عن إجابة جريئة تهم ازدواجية خطيرة اساسها: الزجال المنبطح والزجال المتمرد ' بصفتهما معا يشكلان موضوعا بعناوين مختلفة' ساهم التاريخ بتعريتها والكشف عن كل الفضائح التي مازالت تتكرر للاسف ' اما المطلوب هو يجب أن اختراق المؤسسات الرسمية وعلى رأسها وزارة الثقافة التي ظلت ومازالت تكرس نفس السياسة بنفس المواضيع' بنفس الاسماء' وبنفس الرؤى.
النتيجة أيها الاصدقاء ' انكم تكرسون واقع العبث وتكذبون على الزجل باسم الزجل .
تأكدوا ان التاريخ لا يرحم.
اتمنى الجرأة في الإجابة عن كل هذه الأسئلة ' في ندوة المعرض الدولي للكتاب الذي خصص لقاء خاصا لسيادة الزجل بنفس العناوين ونفس المتاهات وبنفس الاجترار .

2-

إن المتأمل في واقع الزجل المغربي ستثيره مجموعة من الإشكالات التي لا يمكن عزل الواحدة عن الأخرى؛ لأنها في كليتها تحدد موضوع الوجع كظاهرة إبداعية خرجت من سياقها الطبيعي المميز ببعده الجمالي لتلبس تعفنات عدة جعلت منها واقعا يستحيي المرء الكلام فيه؛ هي كلها محتويات لا يمكن عزلها عن عفونة الثقافة الساذجة؛ البليدة؛ التي زاغت عن سياقها التاريخي الإبداعي. على رأس هذه الإشكالات هو وجع التحالفات التي جعلت من موضوع الزجل بوحا شوفينيا لم يتخلص من كارثة التواطؤات التي أجبرت مجموعة أخرى تكتب بتذمر عميق. بقيت تجول في ذاتها بصفتها كتلة من الكتبة الذين أعطوا لأنفسهم صفة الدوام و الخلود باعتبارهم القادة المحتكرين والمهيمنين؛ الذين بدونهم لن يكون الزجل. هي معطى حرف الوجهة وغير العناوين وأوقف عجلة التطور ؛ من ثمة أصبحت هذه المجموعة تنتقل في كل المدن المغربية لتقول الزجل؛ طبعا ستهيأ لهم القاعات والافرشة؛ ستزين الموائد بالاوساك و الاطعمة في الفنادق الفاخرة؛ لتتحول الإشكالية من قضية تسأل في خصائص القصيدة الزجلية والبحث في متاهة اشتغالها لتعلو وتتطور إلى ظاهرة تغيب فيها الأخلاق وتنعدم فيها القيم ؛ مما يجعلها تسقط ضحية الاحتكارية والشوفينية والزبونية؛ فتصبح الملتقيات تنظم بنفس الأسماء؛ كل صديق يزكي صديقا آخر؛ بل كل زجال يصاحب معه من استجابت لنزواته المريضة؛ والنتيجة يبقى الطابع النمطي هو السائد؛ و القصيدة تقرأ هنا وهناك إلى حد ان بعض الشعراء أصبحوا معروفين بقصيدة واحدة؛ في الليل السمر والمرح وما سيلي بعد ذلك من كوارث أصبح الكل يعلم بمحتواها.
إن الزجل الحقيقي مختفي لا يعلم بقيمته الا القلة القليلة التي تعمل بمعنويات مرتفعة؛ تحترم نفسها وتحترم الزجل؛ لا يهمها الملاهي ولا الجواري وما رافق ذلك من تعفنات؛ هي ظاهرة تكلمت عنها بما يكفي للكشف عن وقاحتها رغبة مني في إزالة لبس خطير اسمه الدعارة الزجلية.
إن الزجل المهمش و المنسي هو ذاك الذي يسعى أصحابه اغناء قيمة القصيدة والرفع من قيمتها؛ مع جعلها كتابة حضارية تهم الإنسان النظيف المسؤول المناضل الذي لا ينبطح أمام المؤسسات الرسمية التي تبيع الوهم بدراهم قليلة في مقابل الانبطاح والسقوط ضحية تسول وسياحة ثقافية مجانا وبعناء قليل. ما يزيد من الرداءات هو الإعلام الرسمي الذي يستقبل نفس الوجوه بنفس الأسئلة وبنفس النصوص؛ والنتيجة سيبقى الزجل ضحية طموحات فردية يهزها الدافع الانتهازي النرجسي المرضي الذي سيضر الزجل أكثر ما يفيد الإبداع.
المطلوب على ضوء ما سبق هو خلق موجة مكثفة تحمي الزجل وتدافع عنه بتعرية هؤلاء المتسكعين المنبطحين الذين يبيعون شرف الزجل؛ في مقابل إشباع أحلام معطوبة منخورة لا علاقة لها بذوق الزجل.


3-

عمق التمزقات في لغة الزجل.. ما موطنه؟
لماذا لم يتخلص الزجل بالذات من خشونة الواقع الذي يتكلم عنه؟
لماذا الزجال يكتب قصيدة عميقة في العنف والصراع مع الذات؟
لماذا الزجل صدامي عكس الفصيح الذي يتغنى بالوردة ويجعل منها حبيبة يقبل عيونها كلما شاء ان يرتقي ليخرج من ذاته فيعلو بها ليصبح اريج هذه الوردة النابعة من قلبه العاشق؟..
اللغة التي يكتب بها الزجال قصيدته، هي نفسها اللغة التي نتشاجر بها، نتحاور بها، وهي نفسها من يمارس بها النصاب مكره ليصطاد غنيمته، هي لغة قابلة ان تستعمل في جميع الامكنة التي نحيا فيها. لغة العنف عندما نخرج مكروها من اعماقنا، هي عينها تستعمل عندما يقابل الرجل المرأة لمداعبتها لغاية ما، فينقلب ضدها لتخرج من نفسه وكأنه لم يعرفها يوما، تستعمل اللغة عينها عندما يريد ، فتتغير المفردات عندما يرغب في طردها من جسمه، هي نفس اللغة التي تضطهد بها المرأة القوية الرجل الضعيف الذي لا يقدر على اختراقها، او هي ذاتها اللغة التي تقلب المعادلة فتصبح المرأة هي المحدد، القائد والمسير، فنصبح امام قضية ترفع امام المنظمات لنطالب فيها الانصاف والدفاع عن حقوق الرجل المضطهد ، نفسها اللغة التي تستعملها المرأة المضطهدة المنتهكة المسبية المغلوبة.
بمعنى لغة نحلم بها..
نفكر بها
نتخاصم بها
نتواصل بها
نحكم بها
نضطهد بها
وفي الاخير نكتب بها الزجل.... اذن كيف ستكون والحالة هذه..؟؟ اليست جمرا يفرح الانفاس وهي تتوجع هشاشة؟؟ اللغة ذلك المجهول حسب ج. كريستيفا!!
لذلك جاءت القصيدة في عمقها تحمل كل هذه الانجرافات الغالبة والمغلوبة، المهيمنة والمضطهدة، السالبة والمسلوبة... فكان الزجل ضحية كل هذه الاضطرابات ، بوعي وبلا وعي، يكتب الزجال عن حاله بلغة تمثل ذاك المجهول الخفي في سيكولوجية منحطة احيانا و قوية احيانا اخرى، لكن الاكيد فيها هو انها حاملة لنار تكتب صهدها عنفا بطريقة غير مباشرة...
مسكين حال الزجال المغربي !!!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى