عبدالله البقالي - بوزيد (2) / التلفزة

أصبح بوزيد من معالم " الكراج" الثابتة لزمن طويل. وهو يتخذ على الدوام مجلسا قبالة أشهر بائعة خبز في تاريخ القرية. و لا شك أن جلسته تلك قد جعلته _ من باب الأنس أم من باب الرتابة _ في حوار متقطع و دائم لتكون تلك اللحظات هي الوحيدة التي شوهد فيها بوزيد يغازل امرأة. امرأة تشبهه في كونها لم يكن لها حظ في الزواج ، و عاشت عنوسة ضاربة في الزمن. لكنها في كل مغازلاته لها لم تتعد جملا محدودة في الرد على عروضه، كأن تخاطب نفسها " أنا مهولة. ..! آولايلاه الكمارة دالغيار... و ما نا مشواقة ...!
لكن على عكس المشهد البادي ، فقد كانت تبدو مستمتعة أو على الاقل تستطيع ان تقنع نفسها بأن هناك من رغب فيها و هي صدته عنها. لذلك فبالرغم من التذمر الذي كانت تتصنعه، إلا أنها لم تفكر أبدا في تغيير مكان جلستها التي كانت فيها دائما قبالته.
لكن كل هذا لم يكن بالنسبة لبوزيد مجرد استهلاك للأوقات الفارغة. و هو كان منصرفا لأمر آخر. فقد أصبح له زبناء. وهم في الغالب من أفراد وحدة المخزن المتنقل و أبنائهم ما داموا هم في الغالب من ينتعلون أحذية جلدية. ٠ غير أن أساس العلاقة في الحقيقة بني على كونهم مولعين بالسكر. مثله. و من ثم تعرف على شخصيات مثل " حمو بوزعبل" و البودالي و آخرين الذين كانت عربداتهم و صراخهم تكسر صمت ليالي القرية و يملؤونها صخبا. شخصيات بعثت من داخله روح المغامرة التي كانت قد خبت يوم عاد للقرية. و كان أن نط لذهنه سؤال: لماذا لا يكون خمارهم؟
رحلة يوم إلى الورزاغ أو إلى فاس تساوي مردودا لايام طوال من العمل غير المجدي.
تجاربه الأولى كشفت عن معالم سوق مغرية وواعدة . يسندها في ذلك جيش عرمرم من المتعطشين للسكر. و قد لا يكفي منتوج معمل بكامله لتغطية حاجياته. لكن ذلك لم يكن سهلا. فالاقتصار على الزبناء القادرين على حماية أنفسهم مسألة لا تستجيب لطموحه. ليس لأن الربح سيكون محدودا ، بل لأن المقصصيين من مشروعه ستكون ردودهم غير متوقعة. و انفتاحه عليهم من جهة أخرى سيسلط الاضواء عليه و جعل تحركاته مكشوفة. و في كل الأحوال فسجون البلد لا يمكن مقارنتها مع سجون الالمان او الفرنسيين.
صار حضوره في الكراج يخف تدريجيا. و العارفون كانوا يدركون إن تجارته في أحسن حال. و أن عمله كــ " كراب" هو اكثر ربحا و أنسب لشخصيته. و لذلك صارت اهتمامات اخرى تحتل حيزا من جدول اعماله اليومية. فهو قد يقوم بجولة بين ربى القرية. و قد يزود زبناءه بما يحتاجون اليه في عين المكان. و قد يذهب لمقهى الحسين للعب الورق." البلوط" ووجود بوزيد في المقهى كان يعني للكبار و الصغار على السواء أن الفرجة مضمونة.
لم يكن لاعبا ماهرا، لكن طقوس لعبه كانت مرفوقة بالكثير من الإثارة و التشويق. خصوصا حين يكون في وضع الرابح. و من ثم تبدأ أهازيجه المرفوقة أحيانا بالرقصات. و كان يعمد أحيانا إلى إشراك الجمهور، في قرارات " الشراء" التي تتطلب مغامرة تستند على تكهنات و كثيرا من الحظ. الجمهور، كان هو الرابح في جميع الحالات و من ثم يعمد الى توريطه من خلال الصيحات التي تتعالى من كل جهة، " فجلها اولد العم" يقرر بوزيد الشراء . و حين يكشف الاوراق الموزعة، و يجدها تتضمن الاوراق الرابحة، يبدأ في نزع " الطرانفو" وهو يردد أغنيته الشهيرة " يا زوبيدة و جيب الخلخال..."، و حين يكسب الجولة كان ينهض على ايقاع تصفيق الجمهور و يشرع في رقصات كأنما يؤديها" ربوط: و قد تمتد الرقصة الى خارج المقهى لينضم حتى العابرون الذين يوسعون الحلقة او حلبة الرقص. يمر بوزيد الى تصعيد الايقاع و ترتفع حناجر الجمهور مطالبة بكشف التلفزة. و تتعالى صيحاتهم التلفزة و التلفزة. و عند الذروة، يعمد بوزيد إلى إنزال سرواله و كشف مؤخرته التي يتسابق المتفرجون إلى لمسها أو مسكها أو حتى محاولة إدخال الأصابع في إسته. فيرتفع صوت بوزيد صارخا " أفرعتوني أولاد الأحبات....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى