عبدالناصر لقاح - كتاب أخبار الحلاج..

فرغت للتوّ من قراءة كتاب " أخبار الحلاج" من نشر العلامة المرحوم لوي ماسينيون الكلِف بالتصوف العربي بعامة وبتصوف الحلاج بخاصة والمغرم باللغة العربية وهو صاحب فكرة كونها أي اللغة العربية لغة ديكارتية ... عقلانية ومثالية بخلاف اللغتين الفرنسية والإنجليزية.

الكتاب يقع بهوامشه وشروحه وتعليقاته في 120ص من القطْع المتوسط ... بمعنى في 6 ص بدون ذلك مما لا يحتاج إليه القاريء غير المتخصص إلا على سبيل المقارنة بين نسخ الكتاب وهي كثيرة موزعة بين تركيا وبريطانيا وفرنسا ومصر وتتارستان ..
والكتاب من تأليف علي بن أنجب الساعي {المتوفى 674} فيه ذكر لأحوال الحلاج رحمه الله قبل صلبه في سجنه وعلى خشبة الصلب وبعد تقطيع أطرافه وجزّ رقبته وبعض ما وقع له من أسرار الكشف والكرامات..، ممّا يصدقه بعض القراء ولا يصدقه البعض الآخر، وأنا شخصيا بين الفريقين أصدق أحيانا ولا أصدق أحيانا أخرى....
في الحكايات يبدو الحلاج ذلك الرجل المتبتّل المحب ،العاشق ، المستغرق في عشقه ويتجلى ذلك في حالات ، أهمها في تصوري :

1- حبه الله تعالى

1-
وظاهر ذلك إقباله الشديد على الفرائض ،فهو لاينام إلا سويعة في النهار "ولم ينم الليل أصلا "ص47
ثم إنه "جلس في صحن المسجد سنة لم يبرح من موضعه إلا للطهارة والطواف ولم يحترز لا من الشمس ولا من المطر "ص44

2-
استغراقه في الله حتى ليذوب ،ويتلاشى جسمه تماما وفي ذلك يقول " ليس يستتر عني لحظة فأستريح، حتى استهلكت ناسوتيتي في لاهوتيته وتلاشى جسمي في أنوار ذاته ، فلا عين لي ولا أثر ، ولا وجه لي ولا خبر "ص29
وتنبغي الإشارة في هذا المقام إلى وجوب عدم خلط استعمال المتصوفة لكلمتي اللاهوت والناسوت باستعمال المسيحيين لهما ... يمكن القول مع بعض أهل التصوف إن اللاهوت غيب والناسوت شهادة .... أو جسم أو بدن... وذوبان الناسوت في اللاهوت أو في الذات الإلهية لا يعني بالضرورة التوحد به على سبيل ملامسة ،ولهذا يقول الحلاج : "من ظنّ أن الإلهية تمتزج بالبشرية أو البشرية تمتزج بالإلهية فقد كفر"ص48
وهذه العلاقة بين الله وخلقه ، قائمة على التوحيد والطريق إلى التوحيد أن تفهم أن " صفات البشرية لسان الحجة على ثبوت صفات الصمدية وصفات الصمدية لسان الإشارة إلى فناء صفات البشرية "ص50
وفكرة الفناء أو وحدة الشهود وفكرة البقاء أو وحدة الوجود والتوحد والتوحيد .... كلُّ ذلك يتفق فيه وعليه أهل التصوف وأهل التصوف الفلسفي بخاصة... على شيء من اختلافات دقيقة لا يكاد يدركها قراؤهم ومريدوهم

3- حبه الناس

ويتجلى ذلك في تضرعه لله أن يغفر لصالبيه وفي تفضيله لهم على مواليه ومحبيه ، يقول : " إن بعض الناس يشهدون علي بالكفر وبعضهم يشهدون لي بالولاية .والذين يشهدون علي بالكفر أحب إلي"ص18
ولأن الرجل لا يرى شيئا من خلق الله إلا ورأى الله فيه { وحدة الوجود} ، فإنه لايفرق بين المومنين والكافرين ، ولهذا عنده أن أول المقامات مقام المريدين أو مقام المسلمين أو مقام الكافرين ص21
وبناء على ذلك ربما لم يتمذهب وفق قوله " بمذهب واحد من الأئمة جملة "ص23
ونتيجة لكل ذلك ، ف" الكفر والإيمان يفترقان من حيث الإسم ،وأما من حيث الحقيقة فلا فرق بينهما "ص54
وفي سياق الإيمان الصادق الشديد بالله سبحانه وتعالى ،ينبغي فهم قوله الغارق في العدول عما نحن عليه :
كفرت بدين الله والكفر واجب لدي وعند المسلمين قبيح ص96
وعدم حمله على الكفر البواح ،ولا قوله : " ليس على وجه الأرض كفر إلا وتحته إيمان"ص87 ولذاك لا يفرق بين يهودي ونصراني ومسلم لأن الدين في تصوره اختيار أوقعه الله على طائفة لا اختيار منها ص69
والرجل يطلب الحقيقة في كل ما يكون امتدادا للاهوت أو الذات الإلهية ويعرض عما يسميه الحدث من أجل القدم والفناء فيه لتحقيق التوحيد الذي حقيقته أن ليس لأحد عليه سبيل إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ص 92
وخلاصة قولي إن الكتاب غاية في الإمتاع والمؤانسة والفائدة وفيه خطرات ونظرات لذيذة ولطيفة ، أنصح للقراء قراءته بحياد وإلاّ فسدت قراءتهم.



كتاب أخبار الحلاج منشورات الجمل ، كولونيا 1999
حرر يوم 4 غشت 2017

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى