ابتسام عبد الله مطر البقمي - السرقات الأدبية هضم لحقوق الأديب.. وظلم له

قضية السرقات الأدبية، قضية شغلت النقاد قديماً وحديثاً، وأحسب أن الانشغال بها لا يزال وسيبقى مع الزمن، ما دام هناك شعراء وأدباء مبدعون ومتميزون، وآخرون من الشعراء والأدباء يطمعون لبلوغ منزلة هؤلاء المبدعين، قال الشاعر الأخطل: (نحن - معاشر الشعراء - اسرق من الصاغة)(1)

وفي النقد العربي أسماء عديدة للسرقات الشعرية وهي:

(الاصطارف، الاجتلاب، الانتحال، الانحال، الاهتدام، النسخ، الاغارة، المرافدة، الاسترفاد، الاستلحاق، الاختلاس، نقل المعنى، السرق، الغصب، الإلمام، الملاحظة، النظر, المشترك، المبتذل، المختص، السلخ، الادعاء، الموازنة، العكس، المواردة، الالتغاط والتلفيق، الاجتذاب، والتركيب، كشف المعنى، المجدود، سوء الاتباع، تقصير الأخذ من المأخوذ منه، الاستيعاب، نظم النثر، المعاني العقم، تكافؤ المتبع والمبتدع في إحسانهما، إحسان الأخذ، نقل المعنى إلى غيره، تكافؤ التابع والسارق في الإساءة والتقصير)(2).

ومن الكتب النقدية المهمة الحديثة التي ترشد القارئ إلى مواقف النقاد العرب القدامى إلى قضية السرقات في مصنفاتهم وكتبهم، كتاب (تاريخ النقد الأدبي عند العرب)، حيث نقد الشعر من القرن الثاني الهجري حتى القرن الثامن الهجري، وهو كتاب مهم تناول تاريخ النقد العربي في هذه الفترة، رأي الفترة المحددة بين الأصمعي وابن خلدون، في مشرق العالم الإسلامي ومغربه(3).

فمن المحاولات المبكرة محاولات أبي العباس المبرد في كتابه الكامل في تناوله لقضية السرقات، واستمر تناول النقاد العرب القدامى لهذه القضية في نقد القرن الرابع الهجري وكان المتنبي من أكثر الشعراء الذين اتهموا بالسرقات في نقد النقاد على غيره، ومن النقاد الذين تناولوا السرقات في هذا القرن، الحاتمي ومن كتبه حلية المحاضرة وغيره.

-1 ويُذكر من أبواب السرقة.

باب الانتحال: وهو أن يأخذ الشاعر أبياتاً لشاعر آخر كما فعل جرير:

أن الذين غدوا بلبك غادروا = وشلأ بعينك ما يزال معيناً
غيضن من عبراتهن وقلن لي = ماذا لقيت من الهوى ولقينا

-2 باب الانحال:
وهو أن يقول شاعر أو راوية قصيدة ثم ينحلها شاعر آخر (4)، حيث عّد الحاتمي منها تسعة عشر باباً، ومن العلماء الذين تناولوا قضية السرقات الصاحب بن عباد وابن وكيع، وكان لهما موقفهما في الكشف عن سرقات أبي الطيب المتنبي، والقاضي الجرجاني الذي اعتمد على الآمدي في قضية السرقات، وامتد الاهتمام بقضية السرقات إلى القرن الخامس الهجري عند الثعالبي والعميدي، كذلك تناول الإمام عبد القادر الجرجاني، وتناولها كذلك الأدباء في أعمالهم الأدبية مثل أبي العلاء المعري في رسالة الغفران، نصه الأدبي والبلاغي والنقدي واللغوي الرائع.

ومن كتابات المحدثين عن قضية السرقات: كتاب الديوان للعقاد والمازني اللذين اتهما أحمد شوقي وحافظ إبراهيم بالسرقة الأدبية.

ولاشك أن السرقة الأدبية هي هضم لحقوق الأديب، وتعدٍ على حقه الشخصي، وهي لا تقل خطراً عن السرقات المالية، هي ظلم للأديب شاعراً كان أو ناثراً، كيف وصياغته للمعاني في صورة وهيئة خاصة به تعبّر عن قدرته الإبداعية الخاصة، وهي حق فكري وأدبي له، وإني أدعو إلى حماية الأدباء والدفاع عن حقوقهم الأدبية والفكرية.

أما الاقتباس هو أن يضمن الأديب نصاً سواء كان شرعياً، أو أدبياً، أوغير ذلك، مع الإشارة إلى صاحبه ومرجعه فلا غبار على ذلك.

وليس من السرقة أن يأخذ الشاعر معنى عارياً من شاعر آخر، ويكسوه صياغة جديدة ولفظاً جديداً من عنده فيكون هو الأحق به.

وقد أشار الإمام عبد القادر الجرجاني إلى ذلك في كتابه (دلائل الإعجاز)(5)

أتمنى أن يكون جميع الأدباء مبدعين مخلصين مخترعين لصورهم وصياغاتهم الأدبية، ولا يتعدوا بالسرقة على أي نص إبداعي لأديب آخر، لأنهم بذلك يستحقون أن يطلق عليهم لفظ أدباء وكتّاب.



المراجع

(1) الموشح ، للمرزباني، صـ225
(2) العمدة لابن رشيق القيرواني، ج2، صـ1037 - 1059
(3) انظر تاريخ النقد الأدبي عند العرب، صـ11
(4) انظر تاريخ النقد الأدبي عند العرب، صـ250- 254
(5) دلائل الإعجاز، عبد القادر الجرجاني، صـ483

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى