أمل الأخضر - هذا الجدار..

هذا الجدار .. له مسامات كما الطين تمتص كل شيء..
غضب العابرين ، لعاب الأطفال ، مخاط لاعبي الورق ونكاتهم الفاجرة ، بكاء المنهارين .
هذا الجدار .. وشمه العشاق بأسماء حبيباتهم ، والثوار بشعارلتهم ، والصغار بخربشاتهم ،..
هذا الجدار .. تحط عليه الفراشات الملونة، والفراشات السود، وتتكئ عليه الشجرة القريبة، ويتكئ عليه الفقيه الضرير، وطابور العمال صباحا، ويتبول عليه كلاب الليل و المجانين و المخمورون و المشردون و بائعوا الفول المسلوق في العربات الصغيرة، والفلاحون القادمون من قرىً بعيدة
هذا الجدار مساماته كما الطين ، غارقة في الأسرار والبكاء،والمخاط والعرق.
هذا الجدار.. يعرف حكاية فاطمة بالوشم المشجَّر أسفل ذقنها وبعينيها الغارقتين في الكحل البربري ، وبإزارها الأبيض السميك، وبحزنها العريض تقصه كل ليلة على مقربة من الجدار.
هذا الجدار يعرف حكاية علي، الولد الشقي، يهرب إليه أحيانا معانقا ظل يتمه، متواريا عن الأنظار ،يشهق بالحنين. ويعرف حكاية الزنجي عمر، يأتي كل أربعاء معلقا ابنته الرضيعة أنيكا على عنقه، أمامه الفراغ وطست معدني بدراهم معدودة.
هذ الجدار .. نزت جروحه، فنبتت من شقّ ضلعه الأيسر لبلابةٌ خضراء .
كلما غرفت من أسراره، و غرقت في رغوة صمته ، تنخر جسده الصلد، و تستطيل.. تستطيل، تلك اللبلابة الرشيقة الخضراء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى