نبيل محمود - فائـــض القهـــر .. شعر

(1)
أوْهَمَنا تعاقبُ الفصولْ
أنَّ الزمانَ خارج الأشْياءِ والوجودْ
أوْ سرْدَ أحداثٍ بلا حدودْ
إنَّ الزمانَ وَقْعُ ما يكونُ.. لا ما تحْسب العقولْ
كأنَّ معرفة كُنْه الشيْءِ في عزْلِهِ عن فعْلْهِ أوْ مداهْ..
المعرفة أنْ نلْمَحَ الثمارَ في الجذورْ
والنارَ في الجذوعْ
والوصْلَ في ضرورةِ الجسورْ
لكنّ مرْكزيِّةَ الأنسانِ، سخْريِّةٌ مِنْ طفلِ الكونِ الذي
هاله ُما وقَعَ في يديْهِ مِنْ شجرةِ الحياةْ
فخالَ أنَّه وحيدُ الكوْنِ والوجودْ!

(2)
الجوع ُ في الكهوفْ
والخوْفُ في الرموزْ
أفْعى الغريزةِ تَفحُّ في كرى الرغْبةِ والدماءْ
تنْسَلُّ في نوْعٍ يخافُ كلَّ شيْءٍ حتى النخاعْ
كأنَّما اكْتناز كلّ الشيْءِ يحميه من الضياعْ
فالشَرِهُ الجديدْ
فَمٌ، أسيرُ سَغَبٍ بلا قرارٍ، وامتلاكٌ لا يَنَي
يمْلأ جوعاً مزمناً عميقْ
ملْتَهِمٌ إنساننا الحديثْ
إنَّه ذكرى الجائعِ العتيقْ..
(3)
الكاهنُ الجديدْ*
هَزَّتْ رؤاهُ العالمَ القديمْ
تلى وصاياه على الجميعْ
موزِّعاً الفرْدوسَ والجحيمْ
(- إحْذَرْ مِنَ الأحلامِ في هذا الزمانِ عندما تنامْ!
قدْ بدَّلَ الكاهنُ جِيناتَكَ في الظلامْ
حُوِّرَتِ الجهاتُ والأدوارُ قسْراً، فالقفا أمامْ!
احْذَرْ مِنَ الحياةْ!
فالجُنْدُ قادمونَ كالجرادْ...)
سِيِّانُ ما يبْقى وما يزول مِنْ خصالْ
سِيِّانُ ما يُنْفى وما يُثْبَتُ في الجدالْ
فأنْتَ أنْتَ الخاسِرُ الأوَّلُ والأخيرْ
وأنْتَ أنْتَ الطائِرُ الأسيرْ
إنَّه عصْرٌ جدَّلَ الحقَّ بالباطلِ كأمْسادٍ من الحريرْ
ولَمْ تَعُدْ تَمْلِك في طوفانِهِ المصيرْ
فلا مدىً يلوحْ
للفُلْكِ التائِهِ بَعْدَ نوحْ
العَلَمُ الأمْريكي يحْتَكِرُ النجومْ!
فأيُّ نَجْمٍ قدْ يهْدِينا إلى الضفافْ..
(4)
بحْرانِ مِنْ نَفْطٍ ودَمْ..
امْتَزَجا فوْقَ ثرى العراقْ
في وطني كلّ الحياةِ قطْرةٌ ٌ تُراقْ
((وكلّ عام - حين يعشب الثرى – نجوعْ
ما مرّ عام والعراق ليس فيه جوعْ)) **
ما مَرَّ قَرْنٌ والعراقُ ليْس في نواجِذِ الغزاةْ
أوْ مبْتَلىً ينْزِفُ في مخالبِ الطغاةْ
يسْتَبْدِلُ الطغاةَ بالغزاةْ
فائضُ قَهْرِنا طوائفٌ مِنَ الغلاةْ!
لا أخْشى الطغاةَ فيكمْ، إنَّما أخْشى العبيدَ إذْ يفاجئهمُ الجديدْ!
بغداد لمّا فَتَحَتْ ساقيْها للريحِ والغريبْ
كانتْ تعاني وَطْأةَ القريبْ
أوْهَمَها الكاهِنُ مرَّتَيْنْ
وكانتِ الخدْعة ُخدْعَتَيْنْ
حبْلُ الأكاذيبِ طويلٌ هذه المرّة كالطريقْ
بيْنَ آبارِ النفْطِ والمسْتَوْدَعِ البعيدْ
(5)
الظلمُ يأكلُ بلادي ويَنزّ الحزْنَ كلَّ حينْ
شدْوُ الشجونِ طقْسُ كلّ دينْ
الفقراءُ صمتوا*** واحْتَكَر الكهنةُ الكلامْ
طَمْسُ الفروقِ مهْنة الظلامْ
لمْ يكُن الإنسانُ إلاّ كائناً يبرِّرُ أخْطاءَهُ..
ويخْلط النصوصْ
سقطت البراءهْ
في شرك البذاءهْ
تصدَّعَ المعنى من الفوضى وجنَّ زمنُ اللصوصْ
(6)
أَللدَم البريءْ،
أنْ يمْنحَ الغفرانَ أوْ يطْلق في الجهاتْ،
صرْخَتَه الحمراءَ ضدّ عالَمٍ بذيءْ؟
(7)
منذ قرونٍ، عرباتُ الذهبِ الضروس،
تعْبرُ من شرْق الإنسان إلى غرْبهِ كالشموسْ،
تحْملُ غلتّه، تتْرك الظلامَ خلْفها وتقْطرُ النهارْ،
ويغْرق الأنسانُ في الغبارْ،
في أنْغامهِ العريقةِ بكتْ غُرْبَته الأطلالَ والرموسْ،
وبالأسى الشرْقِيِّ فاضَ النايُ بالنفوسْ.....


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من المتغيرات اللافتة في الحياة السـياسية المعاصرة، هو النكوص في خطابها الى الرؤى والمصطلحات الدينية، وكان تجلّيها الأوضح هو خطاب الإدارة الأميركية في فترة بوش الابن والمحافظين الجدد، ثم ما لبث أن تفشّى في العالم وخاصة في منطقتنا، وأخطر الأمثلة هو أطروحة (يهودية) دولة إسرائيل يقابلها استحواذ التيارات السياسية الدينية على السلطة في العديد من الدول العربية، مما سيغرق المنطقة في أتون (حروب مقدسة) لن تخلّف سوى الدمار والخراب وعشرات الألوف من الضحايا أو أكثر، وما ذلك إلاّ إمارة دخول العالم في أزمة عميقة لن يسعه اجتيازها بآلياته الحالية فيرتدّ ملتجأً الى الماضي عساه يتجنّب أو يؤجل انهيار نظامه الراهن. إنّ على حاضرنا أن ينسينا ماضينا لكي نحيا المستقبل!!!
** بدر شاكر السياب، من قصيدة (( انشودة المطر))
*** (( الفقراء هم الصامتون وحدهم في سومر )) طه باقر، مقدمة في أدب العراق القديم. مثل سومري قديم ومعبّر ويبدو أنّه لا يزال معبّراً عن حقيقة المقهورين حتى اليوم!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى