حوار حول الترجمة من الإسبانية إلى العربية، مع الشاعر والمترجم عبدالسلام مصباح.. أجراه: محمد محمد حجي

باعتباري مترجماً عن الإسبانية، ولي أعمال منشورة في هذه المجال، أثناء تقديم "بيت الشعر" منشوراته الجديدة اتصل بي الصديق الشاعر محمد محمد حجي وأخبرني أنه يهيئ ملفاً لجريدة " أخبار اليوم" حول الترجمة من الإسبانية إلى العربية، وقد أختارني والصديقين: محمد أحمد بنيس وخالد الريسوني، ليجري معنا حوارا حول الموضوع، فرحبتُ بالفكرة فأرسل بالبريد الإليكتروني هذه الأسئلة الأربعة، وحدد لي حتى عدد الكلمات بأن لا تتجاوز 700 كلمة، لهذا جاء الحوار قصيرا.. وقد أردتُ أن أشارك أحبائي هنا... أيها الطيبون إليكم الحوار:


حول الترجمة
من الإسبانية إلى العربية
عبد السلام مصباح


1 - كيف تنظرون اليوم إلى واقع الترجمة من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية داخل المشهد العربي عموما والمغربي على نحو خاص؟
الترجمة عن اللغات الأخرى أمر ضروري للتواصل والتفاعل، وهي فضاء خلاق للتبادل الثقافي، والتلاقح الفكري، كما أنها وسيلة لغوية مساهمة في تطور الحركة الثقافية والفكرية للمجتمعات، وهي أداة فعّالة للتواصل بين البشر على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، وجسر تواصل يربط الشعوب ببعضها، ويساهم في تطوير حضارتها، وأحد عوامل النهضة التي تربطنا بالآخر.. والاشتغال عليها هوس داخلي يتنامى مع الأيام بالممارسة.
وخريطة الترجمة في الوطن العربي تنقسم إلى ثلاثة: قسم ثقافته إنجليزية، ويرتكز في مصر والعراق، والثاني فرنسية، وينحصر في لبنان وشمال إفريقيا، والقسم الثالث إسبانية، وهذا محصور في شمال المغرب..

وانطلاقاً مما سبق، فإن واقع الترجمة من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية داخل المشهد العربي عموما والمغربي على نحو خاص... خجولة جدأً، جداً..مقارنة مع اللغتين: الإنجليزية والفرنسية، لأن من يقوم بها أفرادٌ، (حتى هؤلاء قليلون)، وليست مؤسسات، أو شركات، أو منظمات.. أي تقوم على جهود شخصية.. يُترجمون، وفي الغالب ينشرون على نفقتهم، فلا يجدون أية مساعدة من جهة ما، أو مؤسسة إلا النذر اليسير.

2 - هل حركة الترجمة من الإسبانية إلى العربية أخصب من اللغات الأخرى؛ أعني مقارنة بالإنجليزية والفرنسية على سبيل المثال؟
إذا حاولنا أن نتعرف على حركة الترجمة من الإسبانية إلى العربية مقارنة مع الإنجليزية والفرنسية نجدها أقل حظا منهما. والمتأمل لها يجدها لغة لا تتوفر على إمكانيات مادية ومعنوية كما تتوفران في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ويعود السبب، في رأيي، إلى قلة الدارسين والمهتمين... حتى المراكز الثقافية دورها محدود في هذا المجال، بل إنها لا تحفز الطلبة على ذلك. ولذا فهي ضعيفة، ولا تساير سياق العصر.. إنه واقع مؤلم جداً، يعاني من الفوضى في الترجمة، وعشوائية في النشر... والمتتبع لحركة الترجمة من الإسبانية إلى العربية العربية يلاحظ أنها تعاني من تعثرات، وليس وراءها أية مشاريع كما تتوفر عليها الإنجليزية، أبرزها مشروع دار بلومزبري بلندن، ومؤسسة قطر للنشر، وبالنسبة للإسبانية هناك " مركز محمد السادس لحوار الحضارات" بالشيلي، بإمكانيته المادية المحدودة. هذا المركز كان يشرف عليه الكاتب عبد القادر الشاوي حين كان سفيرا بالشيلي، وقد أصدر العديد من الأعمال المترجمة من الإسبانية إلى العربية، وبالعكس.


3 - ما الذي أضافته حركة ترجمة الأدب الهيسباني إلى الأدب المغربي؟
يقول المترجم الإسباني فرانثيسكو موسكوسو غارسيا Francisco Moscoso Garcia إن " من يترجم الأدب كمن يحمل الماء بكفيه من إناء إلى إناء آخر. ولابد أن تسقط منه بعض القطرات"، وخصوصا إذا كانت ترجمة الشعر، لأن ترجمة الشعر من أصعب الترجمات.
وقد ركزت على الشعر نظراً للطبيعة الأندلسية التي أثرت الشعر بالأندلس، وحين خرج العرب كان الشعراء الإسبان، وخصوصاً، الشعراء الفرسان: " الطروبادور Trovadores قد تشبعوا بالثقافة العربية، بما في ذلك الشعر... وكان لهذا الاحتكاك تأثيره أيضاً على الشعر المغربي، وخصوصا شعراء المنطقة الشمالية، من حيث الصورة الشعرية والأوزان، وبساطة في الأسلوب، وعُمق في المعنى، وبُعد في الرُّؤى... كمثال على ذلك الأديب محمد الصباغ.

4 - يُلاحظ أن الترجمة من الإسبانية إلى العربية غالبا ما تقتصر على حقل الأدب، كيف تفسرون ندرة الترجمة في مجال الفكر والعلوم الإنسانية؟
هدا السؤال يُحيلنا على الذين يُترجمون، فأغلبهم تخرجوا من مدرسة الشعر: مصطفى عائشة، محمد الميموني، محمد غجو، محمد أحمد بنيس، وهؤلاء عشاق، فهم لا يترجمون إلا النصوص التي يجدون نفسهم فيها، أي التي أقرب إلى وجدانهم... وهناك مجموعة أخرى ليس لهم علاقة لا بالشعر ولا بغيره من الفنون الأدبية، مثل: خالد الريسوني، سعيد بنعبد الواحد، حسن بوتكة، إبراهيم الخطيبب... لهذا نجد ندرة في مجالي الفكر والعلوم الإنسانية، فأنا أتذكر حين دراستي بالإعدادي والثانوي أن الأساتذة الإسبان الذين كانوا يدرسوننا، كانوا على إلمام بالحركة الأدبية في بلادهم، ومنهم من كان يتقن اللغة العربية، إلى جانب تميزهم بالدهاء، وقد تشبعتُ كثيرا بدروسهم، خصوصا تحليلهم للقصائد، ونتيجة لذلك كان أول نص قمتُ بترجمته عن الإسبانية، كان بعنوان " وردة من نار La Rosa de fuego "، للشاعر " انطونيو ماتشادو Antonio Machado"..
وقد كانت النواة الأولى لظهور الترجمة : " من الإسبانية إلى العربية" هو صدور مجلة " المعتمد" سنة 1947 بالعرائش التي أسستها الشاعرة: " طرينا ميركادير" Trina Mercader. وقد كتبت في إحدى افتتاحيتها: " إن مغربنا يملك شبيبة شاعرية إسبانية ومغربية، ترى وتحس وتكتب شعرا إلى جانب الشعور العربي. وهذا الشعور يتحد بما هو إسباني وما هو شاعري، ليعطي شكلا جديدا: " ما هو مغربي - إسباني".. ومن الذين انظموا إليها، وساهموا في تحريرها، ونشروا بها نصوصا مترجمة ، نذكر منهم : محمد الصباغ، عبد القادر المقدم، إدريس البوعناني، إدريس الديوري،
أحمد البقالي، عبد اللطيف الخطيب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى