أنا والجامعة ٢٨ : إنذار وإجراءات

على الرغم من انشغال العالم كله الآن في جائحة الكورونا ، إلا أن ذالك لم يحل دون الالتفات إلى قضايا أخرى نجمت أساسا عنها ، مع أنه وجب أن يكون كثيرون ممن هم في القيادة التفتوا إليها ، ومن القضايا قضية التعليم عن بعد .
في أثناء سياسة العزل ، حتى لا تنتشر العدوى ، أغلقت الجامعات أبوابها ، وتوقف ملايين الطلاب في العالم عن حضور المحاضرات ، وكان لا بد من بديل ، فاقترح قسم من المهتمين بالعملية التربوية أن توظف الجامعات والمدارس التعليم الإلكتروني ، وهذا الاقتراح غدا موضع نقاش شغل الأساتذة والطلاب وإدارات الجامعات .
في الأيام الأخيرة انشغل مواطنو الضفة الغربية ومتابعو الفيس بوك بقضية الدكتور عدنان ملحم أستاذ التاريخ في جامعة النجاح الوطنية ، فقد أبدى رأيه في الموضوع ونشره على موقع الجامعة ، ما دفع إدارتها إلى توجيه إنذار له .
هل يستحق من يبدي رأيه في موضوع ، هو جزء منه ، أن ينذر ؟
وجهة نظر الجامعة تكمن في أن الدكتور ملحم استخدم موقع الجامعة واستغله ، وهذا من شأنه أن يبلبل الطلاب ويشوشهم ويسيء إلى المؤسسة .
في رد الدكتور على إدارة الجامعة نقل الموضوع من داخل أسوارها إلى العلن ، وناشد رئاسة السلطة الفلسطينية بالتدخل ، وتحدث عن تاريخه النضالي في خدمة الوطن والجامعة ، ومن حقه طبعا أن يبدي وجهة نظره ، ولكن لا أدري لماذا أشرك في القضية رئاسة السلطة وحركة فتح وأطرها وما شابه .
في بيان الدكتور عبارة استوقفتني وجعلتني أخوض في موضوع الإنذارات الأكاديمية ، وهي إن مثل هذا الإجراء يخالف ما عرف عن مؤسساتنا ويناقض سياساتها . كما لو أن الإنذار الموجه إلى الدكتور عدنان هو أول إنذار يوجه لعضو هيئة تدريس في جامعة النجاح الوطنية أو في المؤسسات الفلسطينية !
خلال مسيرتي الجامعية وجهت إلي إنذارات شفوية وأخرى كتابية ووصلت إلي معاتبات من رئاسة الجامعة بأن أخفف من كتابتي عنها ؛ كتابتي التي تراها سلبية ، ولمن لم يقرأ ما كنت أكتب أحيله إلى صفحات الفيس بوك الخاصة بي . ويبدو أن كتاباتي كانت وراء الإنذار الكتابي ، وإن لم تكن ظاهرة في العلن ، وأعتقد أن السبب المعلن للإنذار كان القشة التي قسمت ظهر البعير .
ما كان يؤرقني في أثناء عملي في الجامعة هو عدم وجود قاعات مناسبة للتعليم ، فهندسة الجامعة القديمة ، وعدد الطلاب الذين استقبلتهم ، وعدم وجود مبنى خاص لكلية الرياضة ، لفترة طويلة جدا ، كان يجعل من إعطاء محاضرات أمرا مزعجا جدا ، وقد حل الأمر عموما حين شيد مبنى كلية الرياضة قبل أعوام .
مرة درست مساقا لستة طلاب ماجستير في كافتيريا الجامعة ، وهذا ما لم يحدث من قبل ، ولم يحدث من بعد ، ولم تعترض الإدارة ، لا لأنها توافق على سلوك كهذا ، وإنما لأنها سحبت مني القاعة وأعطتها لأستاذ آخر ولم توفر لي قاعة بديلة .
شخصيا لم أعترض ولم احتج إطلاقا ، والسبب يعود إلى أنني ، وأنا أدرس في ألمانيا ، حضرت محاضرات ، مع المشرفة على رسالتي ، في مقهى رصيف . كنت أدرس موصوع السيرة الذاتية في الأدب العربي ، وكنا ثلاثة فقط ؛ مدرسة المساق ( فيلاندت ) ومساعدها السيد ( هارالد فونك ) وأنا . وكنت وأنا في الجامعة الأردنية شاهدت أحد أساتذة علم النفس العائدين من أميركا يعطي ، في الربيع ، محاضرة لطلابه في الهواء الطلق ، على مسطح العشب .
فما هي قصة الإنذار الذي كتب زورا وبهتانا ؟
كنت أشغل مكتبا مع الدكتور المرحوم ابراهيم الخواجة ، وغالبا ما كان يستاء من حديثي عن ترقيات أساتذة الجامعة ممن حصلوا عليها قبل العام ١٩٩٨ تقريبا ، وكان هو واحدا منهم ، ولم يرق له حديثي ، فأبحاثه التي ترقى عليها ، من وجهة نظري ، وقد اطلعت عليها وعلى مكان نشرها ، لا تستحق أن ينال عليها صاحبها رتبة أستاذ دكتور .
حديثي عن عدم استحقاق كثيرين من أعضاء هيئة التدريس قبل العام ١٩٩٨ كان يعتمد أيضا على محاضرة ألقاها الدكتور عبد الستار قاسم في الجامعة وضح فيها ، من خلال أدلة حصل عليها ، أن هناك ترقيات كثيرة مررت ولا يستحقها أصحابها ، وهو عموما كان محقا في ذلك ، وهو ما أدركته الإدارة لاحقا فوضعت معايير جديدة أفضل من معايير الترقية الأولى ، وهو ما دفعها لاحقا لرفع نصاب من هم برتبة أستاذ دكتور إلى ١٢ ساعة بدلا من ٩ ساعات ، دون أن تميز بين من نال الترقية عن جدارة ومن نالها في زمن بداية تأسيس الجامعة ، حين كانت الجامعة بحاجة إلى رتب علمية تفاخر بها ، وتحصل بناء عليها على فتح برامج دراسات عليا .
كنت أدرس في مكتبي ستة طلاب من طلاب الماجستير يأتون في الثانية ظهرا ، ويكون زميلي في المكتب في هذه الساعة ، غالبا ، خارج جدران الجامعة أو في محاضراته ، وذات يوم أردت أن أذهب إلى الإدارة للمراجعة في شأن ، ولما حضر الطلاب طلبت منهم أن ينتظروني في المكتب ، وكان زميلي فيه ، وعندما عدت من الإدارة وجدتهم في الممر ، لا في المكتب ، وقد أخبروني أن زميلي طردهم ، وهذا ما لم يرق لي وأصررت على أن نحلس في المكتب ونأخذ المحاضرة ، وقد دفع سلوكي زميلي إلى رفع شكوى ضدي أسفرت عن توجيه إنذار لي ونقلي إلى مكتب آخر ، ومما جاء في حيثيات الإنذار أنني أشكك في ترقيات زملائي .
غالبا ما كنت أنظر في التقييمات التي ترسلها إدارة الجامعة إلي نظرة عابرة ثم أمزقها ، إلا هذا الإنذار ، فما زلت أحتفظ بها . وكنت أعرف أنني سوف أدان قبل الجلسة النهائية ، فقد قرأت المكتوب من عنوانه - من أعضاء اللجنة المشكلة وأدركت أن تشكيلها سيؤدي إلى إدانتي .
لم ينته مفعول الإنذار إلى يومنا هذا فقد ربط باتخاذ اجراءات ... الخ .
قبل توجيه الإنذار هددت من المرحوم عبد الغني العنبتاوي " أبو مازن " - رئيس مجلس الأمناء في حينه - بدفع ثمن غال للكتاب الذي وجهته إلى مجلس الأمناء أشكو فيه رئيس الجامعة الدكتور منذر صلاح بسبب الترقية ، وقد أتوقف أمام هذا حين أكتب عن ترقياتي ، إن نجونا من الست كورونا .
هل الوقت الحالي مناسب للخوض في أمور كهذه والعالم كله لا يعرف " إلى أين المسير " في عسرة درب الست الكورونا ؟




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى