أدب المناجم د. الضاوي خوالدية - المتلوي عاصمة مناجم الفسفاط تُباد

قد يصدم فعل "تٌباد" القارئ فيتهمني بالمبالغة لأنه لم يعش في المتلوى أو عاش فيها محروما جهلا أو بلاهة من إحساس حاد بالانتماء إلى مسقط الرأس أو إلى وطن ، المتلوي إحدى مكوناته الأساسية ، لذلك قد يكون فعل "تٌباد" لا يعبر بالضبط عن المأساة ، فالمتلوي التي كتبت عنها أكثر من مرة تعرضت إلى ثلاث مظالم ابادية على الأقل ، أبدأ بالخطر الأصغر و اثني بالخطر الأوسط و أثلث بالخطر الأكبر :
أولاها بدأت مع 1956 و كانت ظاهريا سياسية نقابية و باطنيا تفكيكا لبنية مجتمع منجمي كادت تتشكل بفعل النضال النقابي و السياسي الوطنيين أيام المستعمر الأجنبي ، و صورتها سن نظام المحاصصة العروشية في الهيئات السياسية ( شعب حزبي الدستور و التجمع السياسية و المهنية ) و النقابية ( النقابات المحلية و الجهوية ) و الإدارية المرفقية : البلدية ... نظام لا يخلو مرة من صراعات دامية أحيانا بين أولاد بو يحي و الجريدية و أولاد سلامة... و غالبا تكون داخل العرش الواحد أو الفخذ الواحد... و نظام أيضا اشترط واضعوه منذ 1956 أن يكون المرشح للهيئات المذكورة أميا أو شبه أمي يعني مهمته تنفيذ التعليمات الجهوية و الوطنية ،لذلك كانت ولاية قفصة أكثر الولايات تخلفا اقتصاديا و اجتماعيا و بطالة وعدد وشاة...هذا النظام المحاصصي ذو العلاقة الوطيدة بحياة الناس خلق مع الزمن بنية نفسية و ذهنية مريضة ظاهرها حداثي و باطنها موغل في القبلية القروسطية...نظام محاصصي استعمله حزبا الدستور و التجمع و ابنهما الشرعي النداء في إجهاض الثورة انطلاقا من المكان الذي اندلعت منه !
ثانيها مفاجأة سكان المتلوي في الثمانينيات بنقل إدارة شركة الفسفاط إلى مدينة قفصة و الإسراع في ما يسمى بهيكلة الشركة و إيقاف التشغيل بها و تسريح جزء كبير من العمال و كانت هذه العملية ضربة قاضية لسكان المتلوي اقتصاديا و اجتماعيا و نفسيا ...
ثالثها التلوث المتعمد " المتجر فيه " و صورته :
- توجيه مياه مغاسل الفسفاط المشبعة فسفاطا و حامضا فوسفوريا و مواد كيمياوية سامة أخرى إلى الأراضي الخصبة الصالحة للرعي و الزراعة فقضت على منطقة مساحتها : 18 كلم x 18 كلم يملكها أولاد مبارك و أولاد دينار (أولاد بويحي) فأصبحت هذه الأراضي منذ السبعينيات لا تنتج شيئا فبعض مربي الأغنام غير العرافين بأثر سموم هذا التلوث في تربية الماشية تعرض إلى خسارة مئات الشياه و الخرفان نتيجة لرعيها أياما في هذه الأرض الملوثة ( مع مرض آخر و هو سقوط أسنان الغنم و المعز و الإبل).
-نزف مائدة المياه لصالح الشركة على حساب مالكي الأرض.( لكن أقر أن بعض مسؤولي حزبي الدستور و التجمع و النقابات بالمتلوي قد استفادوا بأموال طائلة من الشركة مقابل إسكاتهم أصحاب الأراضي أو التدليس عليهم أو تقديم فتات لبعض رؤساء العائلات!)
-ديوان التطهير و بلدية المتلوي يبدعان في اختراع جديد يتعلق بالتخلص من مياه الصرف الصحي متمثلا في توجيهها وادي قاذورات عبر أودية المتلوي نحو الأراضي الزراعية فتدمر كل شئ في المتلوي و حواليها .
إن من نتائج هذا التلوث الصحية مرض السرطان الذي تعتبر المتلوي و المدن المنجمية الأخرى رائدة فيه يضاف إليه سقوط الأسنان لدي الناس في سن الشباب و الولادات المبكرة ( الأمهات المسقطات) و التشوهات الجنينية ...
أقول لحكام تونس ، بعد هذا العرض السريع المختزل ، إن التسويف و الوعود الكاذبة التي دأبتم عليها منذ 60 سنة لن ينخدع بها سكان الحوض المنجي أبدا و إن الواجب عليكم يفرض أحد حلين بعد الاعتذار عن ما ألحقه نظام حزب الدستور و التجمع بالحوض المنجمي .
أولا: تشغيل بطالي المناجم و تجديد مستشفياتها و تحديثها و معالجة الأمراض الفوسفاطية و تعبيد طرقاتها و سن نسبة 10 % من مداخيل الفسفاط لتنمية الحوض المنجمي كما هو معمول به في العالم ، و الإيقاف الفوري لأمول شركة الفسفاط المغدقة على تهذيب الأحياء السياحية بالساحل و دعم الجمعيات الرياضية الكبري و شراء أرفع أنواع السيارات للوزراء و الولاة سنويا و غلق الحسابات الجارية المغذاة بأموال الشركة لصالح المافيات التونسية بأوربا.
ان الاستجابة الفورية للمطالب تشجع المنجميين على مزيد العمل و الإسهام بالقسط الأكبر في تنمية البلاد أما أن يكون المنجميون كالأحمرة تحمل أسفارا فذاك وقت انتهى دون رجعة !
ثانيا : تفكيك شركة الفسفاط نهائيا لأن الفسفاط إن كان نعمة فأهلا و سهلا به و إن كان نقمة فليذهب إلى الجحيم !( دار مسكرة و لا كريا مشومة )

الدكتور الضاوي خوالدية


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى