مزمل الباقر - مجزرة الخرطوم ( 8)

تعرضت في الحلقة السابعة من هذه المقالات – وبحسب التسلسل السردي لصاحب كتاب ( مجزرة الشجرة ) الأستاذ حسن الطاهر زروق – تعرضت بالكتابة عن ما انتهى إليه اعتقال كل من النقيب / عبد الرحمن مصطفى خليل، النقيب / محمد أحمد محجوب و النقيب/ محي الدين ساتي. وأواصل في هذه الجزئية من المقالات استعراضي للكتاب محور الحديث وكنت قد ختمت المقال السابق بأني قد وعدت جمهور القراء في هذه الحلقة بأن نصحب صاحب ( مجزرة الشجرة ) ليعرفنا – نحن معشر القراء – على المعتقل الذي جعل الرئيس المخلوع النميري يصيح كالمجنون ويهدد ويضرب المكتب بقبضته ويرغي ويزبد.


الملازم / عبد العظيم عوض سرور:

(( تم اعتقاله مساء 22 يوليو، ونقلوه إلى معسكر الشجرة عرضوا عليه أن يصبح شاهد ملك. ثم نقلوه إلى معتقل سلاح المهندسين وكان يحضر إليه مأمون عوض أبو زيد لثلاثة أيام متتالية عله يحصل منه على معلومات عن التنظيم العسكري وعن الحركة )). ( مجزرة الشجرة: ص 60 ).

هكذا بدأت حكاية إعتقال الملازم عبد العظيم عوض سرور ، كما نقلها لنا صاحب ( مجزرة الشجرة ) ثم كان الاستجواب بأساليبه المختلفة (( وبدأ مأمون بأسلوب الصديق الحادب. والإغراء الناعم بأنه سيضمن له البراءة والبقاء في الجيش وحياة عظيمة. ثم قدم له ورقاً وأقلاماً ليكتب. رفض عبد العظيم الإستجابة لجأ مأمون إلى التهديد وقال له سوف تعدم إذا لم تكتب وتعترف. وبعد ثلاثة أيام أخذه مأمون إلى معسكر الشجرة وحده بلا حراسة وكان يحاول إقناعه انه صديق حادب على مصلحته)). ( مجزرة الشجرة: ص 60 ).

ثم أدخل الملازم عبد العظيم للمكتب الذي تواجد به الرئيس المخلوع جعفر نميري فحاول الأخير (( .. أن يظهر بمظهر الصديق الودود. وقال له السفاح: "أريد أن تساعدنا في معرفة الحقيقة لأنني لا أعرف حتى الآن .. وأشياء كثيرة تبدو غير واضحة وأنك تستطيع أن تدلي بما يمكننا من توجيه هذه المحاكمات المضطربة وإنقاذ الكثيرين من الأبرياء وأن توضح من هو المجرم الطليق " ثم وعده بالبراءة ومكافأة عظيمة. رد عليه عبد العظيم بأنه لا يعرف شيئاً. فقال له السفاح: " انك تعرف، تعرف كل شيء" ثم أمر جنوده بإرجاعه إلى معتقل المهندسين)). ( مجزرة الشجرة: ص 60 ).

ثم أعيد المعتقل بسلاح المهندسين لمعسكر الشجرة بغرض إستجوابه مرة أخرى (( .. فطلب من عبد العظيم المعلومات التي كتبها. فقال عبد العظيم " لم أكتب لأنني لا أعرف شيئاً " وأثناء الحديث دخل خمسة من الوزراء سمح لهم السفاح بالدخول والبقاء. وفجأة غير السفاح أسلوبه وبدأ يصيح كالمجنون ويضرب على المكتب بقبضته ويرغي ويزبد وأخيراً هدد عبد العظيم عندك فرصة لغاية باكر، أما تكتب المطلوب بالتفاصيل أو تكون جاهزة للدروة " وخرج عبد العظيم ينتظر الدروة باكراً حسب ما قال لأصدقائه المعتلقين من الضباط )). ( مجزرة الشجرة: ص 62 – 63 ).

ويسدل مؤلف ( مجزرة الشجرة ) الاستاذ حسن الطاهر زروق الستار على آخر مشاهد المحاكمة والتي بدأت (( بأخذ خلاصة البيانات بدون مجلس تحقيق وقدم لمحكمة برئاسة العقيد حينذاك محمود عبد الرحمن الفكي. وذلك بعد اتصالات قام بها أحمد محمد الحسن رئيس فرع القضاء العسكري الذي أعد المحكمة إعداداً خاصاً حيث وضع رئيس وأعضاء مجلس الثورة كشهود إتهام وبالتالي لا يحضرون للمحكمة ولم ينكر العظيم التهم التي وجهت إليه وأعلن أنه يعرف طبيعة المحكمة ونوع الحكم وحكم بعشرين سنة سجناً )). ( مجزرة الشجرة: ص 63 ).


الملازم / فيصل مصطفى :

(( تم اعتقاله في مدينة الجنينة يوم 15/ 8/ 1971 نتيجة وشاية بعد ساعة من وصوله المدينة أخذ إلى مركز البوليس وكشف عن هويته ووضعه حيث كانت الإذاعة والصحف تكرر النداء بالقبض عليه ثم حولوه إلى حامية الجيش وبدأ معه التحقيق ووضع في غرفة ضيقه أشبه بالزنزانة وأقفلت نوافذها بالسلك الشائك )). ( مجزرة الشجرة: ص 63 ).

بهذه الكلمات بدأ صاحب ( محزرة الشجرة ) حكايته عن كيفية اعتقال الملازم / فيصل مصطفى، لنواصل معه – نحن معشر القراء – في الفقرة التالية من ذات الصفحة أحداث اليوم التالي من اعتقاله (( وفي صباح 16/8 أخطره قائد الحامية المقدم أرباب بترحيله للخرطوم بطائرة حربية وأن يحكم كتاف يديه ورجليه بالحديد وصحبته حراسة من الضباط وعشرة جنود بالطائرة وعند وصول الطائرة لمطار الخرطوم تم ترحيله للقيادة العامة وهناك أحيط بأعداد كبيرة من الجنود بكامل اسلحتهم وعشرات الجنرالات وتعرض لاستفزاز وسباب ووعيد بالانتقام)). ( مجزرة الشجرة: ص 63 ).

ومن جديد يقحمنا المؤلف – نحن معشر القراء - في صميم المشاهد شيء اشبه بما يجري في ( المسرح الملحمي لصاحبه بيرتولد بيرخت ) حين يكون النظّارة جزء أصيل من فعاليات العرض المسرحي (( ثم بدأ معه التحقيق في الاستخبارات وبقي فيه حتى 23/8 حيث قدم للمجلس العسكري الإيجازي العالي برئاسة العقيد فابيان أقام لونق وممثل الاتهام المقدم عبد الوهاب البكري الذي حدد التهم تحت الأمر الجمهوري الثاني والرابع المادة (96 ) من قانون العقوبات والمادة (21 ) والمادة (27) من قانون القوات المسلحة لم يكن بالمحكمة شاهد اتهام ولم يسمحوا للمتهم باحضار شاهد دفاع أو صديق)). ( مجزرة الشجرة: ص 63 – 64 )

لتنتهي المسرحية التراجيدية بمحاكمة استغرقت نصف ساعة (( ... نصفها لخطبة الاتهام ونصفها لأسئلة المجلس ثم رفعت الجلسة وأعلم بالحكم في سلاح المهندسين يوم 28/8 حيث استدعاه ضابط أمن وأخبره أن الحكم عشرون عاماً. وأضاف "جات خفيفة كنا عايزينها دروة ")). ( مجزرة الشجرة: ص 64 ).


الملازم / هاشم المبارك:

عصراً اعتقل الملازم هاشم المبارك - وهو الشخصية الحادية والعشرين بكتاب حسن الطاهر زروق محور هذه المقالات - وذلك بتاريخ (( 22 يوليو، وتم نقله إلى معسكر الشجرة. وبعد بضعة أيام استدعاه السفاح الذي كان يعرف الكثير عنه مثل الوحدة التي يعمل بها والدور الذي قام به )). ( مجزرة الشجرة: ص 64 ).

في سياق مشاهد تراجيدية في غاية الركاكة (( وحاول أن يدخل معه في حوار عن سبب اشتراكه في حركة 19 يوليو وخلال الحديث وقف أحد الضباط الذين تم اعتقالهم في 19 يوليو وقال للسفاح لقد اعتقلني هذا الضابط)). ( مجزرة الشجرة: ص 64 ).

ختمت التراجيديا بمشهد شهادة الزور (( ولم يكن صحيحاً ولكن السفاح كان يحتاج لمثل هذه الشهادات المزورة لتقرير الحكم ثم قدم هاشم المبارك لمجلس عسكري برئاسة العقيد فابيان قام لونق ولكن السفاح أعاد الحكم ثلاثة مرات واعتبره ضعيفاً حتى صدر عليه حكم الإدانة في 1/8 وأرسل إلى سجن كوبر )). ( مجزرة الشجرة: ص 65 ).


الملازم / علي محمد علي زروق:

اعتقال الملازم/ علي محمد علي زروق كان بوشاية حيث (( تم اعتقاله في 15/8 في منزل أحد زملائه في الدراسة بعد أن أبلغ عليه والد زميله. وقد تعرض لنفس الإجراءات التي تعرض لها الملازم فيصل مصطفى )). ( مجزرة الشجرة: ص 65 ).

وعند مقابلة (( مجلس الثورة وكان في المقابلة السفاح وزين العابدين محمد أحمد وأبو القاسم هاشم وأبو القاسم محمد إبراهيم كما حضر المقابلة منصور خالد وبعض كبارضباط القوات المسلحة. وعندما واجهه السفاح هو وزميله فيصل بادرهم بالصياح المسعور: " خونة متآمرين " ثم تلفظ زين العابدين بألفاظ بذيئة نابية، وشاركه السفاح السباب المبتذل الذي يعف لسان الرجال عن التلفظ به )). ( مجزرة الشجرة: ص 66 ).

لتتواصل مشاهد الاستفزاز حين (( أضاف زين العابدين " يوليو بتاعتكم دي لحم راس، شيء استخبارات بريطانية وأمريكانية وشيوعية جايطة " ثم نهض وأخذ يرقص بحركات مستهجة حول الملازم علي وهو يغني "ما دوامة " بعد ذلك أمر السفاح بإجراء التحقيق فوراً وتشكيل مجلس عسكري، للمحاكمة وقد تم ذلك في الاستخبارات العسكرية ثم نقل إلى سلاح المهندسين وهناك تعرض لاستفزازات وسباب من بعض الجنود والرائد فتحي أبو زيد )). ( مجزرة الشجرة: ص 66 ).

ثم يسدل الستاربإنعقاد (( المحكمة يوم 23/ 8 برئاسة المقدم فيبني وممثل الاتهام العقيد عبد الوهاب البكري. كانت المحكمة صورية لم تستمع لشاهد اتهام ورفضت طلب المتهم باحضار شاهد دفاع أو صديق أو كتابة خطبة دفاعه أو حتى استجواب ممثل الاتهام في أقواله المتناقضة وفي يوم 28/8 أعلن الحكم 15 عاماً سجناً وعلق ضابط أمن المهندسين واسمه الرائد شرف الدين: "جات خفيفة عايزينها دروة". )). ( مجزرة الشجرة: ص 66 - 67).

في الحلقة التاسعة من هذه المقالات - بإذن الله – نقرأ ما خطه قلم صاحب ( مجزرة الشجرة ) عن ذلك الذي اقتيد من وزارة الداخلية سيراً على الأقدام حتى السفارة المصرية ليتم احتجازه هناك.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى