د. مصطفى الضبع - السرقات العلمية

تتفاضل المهن والأعمال والوظائف التي يقوم بها الناس.. ترتفع وظيفة لأن القادرين على القيام بها، الممتلكين صفاتها وقدراتها، أقل بكثير من غيرهم، يتوافر فيهم ما لا يتوافر في غيرهم، وتنخفض وظيفة لأن القادرين على أدائها كثر، وتتدنى وظائف لأنها لا تتطلب قدرات خاصة، يستطيع أي إنسان القيام بها لأنها ليست في حاجة إلى مواصفات نخبوية.

ترتفع أعمال إلى درجة الرسالة، وتتدنى أخرى إلى درجة الرذيلة، يرتفع عمل أستاذ الجامعة إلى درجة الرسالة فيضعه في موضع الكرامة، والشرف، فيرتقي به هذا كله إلى مواضع الاقتداء به وتمثل سلوكه واتخاذه مثلا لكل ما هو شريف وكريم وفي المقابل يتدنى عمل اللص إلى درجة الرذيلة ويتدنى به إلى ما بعد درجات القتلة والأفاقين (السرقة عمل مخل بالشرف والقتل ليس كذلك فالقاتل قد تبرر له دوافعه، ولكن اللص ليس كذلك، والقاتل قد يقع تحت تأثير ينعدم في حالة اللص، فيجعله في موضع الخسة والدناءة ويخرجه من مواضع الاقتداء ويجعله عبرة لمن هم أرقى منه ومن هم في مكانة مفارقة له).

من المؤكد أنني لست في حاجة للتذكير بكون السرقة عملًا مخلًا بالشرف أو التأكيد على أضرارها وما تترتب عليها على مستوى الفرد والمجتمع أو إعادة تكرار القوانين الخاصة بالعقوبات المحددة لمن يرتكبها، ولكن ما نؤكده مشددين عليه هو تفشي الظاهرة في جامعاتنا بشكل مخيف.. والكارثي أن نتركها تتفاقم بما يحولها إلى ظاهرة سلبية تصل حد التعود عليها والتسليم بها مما لا يخفى آثاره السلبية، تفاقمت الظاهرة بما لا يمكن السكوت عليه مهددة التعليم كله، منذرة بإصابة العملية التعليمية والتربوية في مقتل، فماذا تبقى للجامعة لتعلمه والأجيال كلها ترى بعض القائمين على إعدادها متهمين بجرائم أخلاقية، وأي قدوة يمكن للجامعة أن تقدمها للأجيال وهي عاجزة بإرادتها عن تقويم نفسها وتهيئة المنتسبين إليها أو إعداد رجالها بطريقة تحافظ على أبسط قواعد اللياقة والأخلاق.

والحال هكذا ونحن إزاء ظاهرة تتفشى وتتوغل بدرجة مخيفة، ترى هل نحن جادون في تربية الأجيال وتقديمها للوطن والتاريخ والإنسانية؟ وهل نحن جادون فيما نردد من أن أستاذ الجامعة في طبقة اجتماعية أرقى من غيره؟، وإنه يتحتم عليه أن يكون قدوة (صالحة بالطبع)، وهل نحن جادون في النهوض بوطن يحتاجنا ويحتاج جهود كل فرد فيه دون أن يتخلى عن كرامته، ودون أن تفقد معاني الأخلاق والكرامة والشرف قيمتها عنده؟

إن أسئلة ليست في صالح الجميع تفرض نفسها، ليس أولها "لماذا يتعمد أحدهم السطو على حقوق غيره؟"، وليس آخرها "لماذا تتكرر هذه الكوارث الأخلاقية قبل أن تأخذ صفتها العلمية؟".

استعرضت في الحلقة السابقة أطراف القضية (الباحث السارق – الناشر – اللجنة العلمية – الجامعة – القضاء – المؤلف الأصلي)، ولا أذكر الأطراف هنا إلا لبيان الطرف الأبرز الداخل في المنظومة وفق أطراف متعددة، أقصد الجامعة التي ينتمي إليها خمسة أطراف من الستة مما يجعل من القضية قضية تخص الجامعة وتشينها بامتياز وتضرب مواثيقها الأخلاقية في مقتل، مما يجعلنا نطرح احتمالين مبدئيين:

- احتمال الإقرار: بمعنى، ألسنا نقر للعمل الجامعي مواثيق ولوائح منظمة، فإذا كنا نقر بها ونحترمها فلماذا نقبل الإخلال بها؟

- احتمال العدم: وهو ما يعني عدم الإقرار بما تعارفت عليه المواثيق، والأعراف الجامعية واللوائح المنظمة وهو ما يعني بالضرورة قبولنا الفوضى في الحد الأدنى، وقبولنا قانون الغابة في الحد الأعلى.

فإذا ما بادرنا – وهو ما يفعله الجميع – بالقول بالاحتمال الأول، فإن أسئلة كبرى تتحملها الجامعات (إدارات الجامعات ومجالسها في المقام الأول)، تتمثل في وقائع محددة المعالم واضحة التعدي وضوح شمس الحقائق التي عملت الجامعة على إخفائها.

وحتى لا يكون طرح الأمر ضربًا من القول المحتمل قدرًا من مظنة الادعاء ستتولى الحلقات القادمة طرح ملفات لا تحتمل الشك ولا مجال للطعن فيما تعتمده من وثائق التزمت الجامعة فيها جانب الصامت لصالح مرتكب السرقة وليقف المجني عليه فيها ومعه المتابعون موقف الذهول لافتقاد الجميع الإجابة عن سؤال منطقي يفرضه القانون والأخلاق والشرع وكل علوم الأرض: لماذا تصمت الجامعات؟ وما مصلحة رئيس جامعة في تغييب الحقائق والإخلال بالقوانين؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى