أبو يوسف طه - السجين..

سطوع الشمس يعشي البصر ، الرقيب المربي يفتح باب السجن ، يطل كجرذ يتردد في الخروج من الجحر ، ثم يغلقه بعد توالي مغادرة السجناء الذين قضوا مدة محكومياتهم ، لا أحد منهم يلتفت بل كلهم يندفعون بسرعة كما لو يخشون أن تعاود قبضة السجن الإمساك بهم ، كانوا ينظرون بإمعان إلى المجال الذي ولجوا إليه كحلازين تبارح قواقعها . لم يجذب اهتمامهم الزوار الذين احتشدوا مستطلعين ، وعيونهم تسعى إلى التقاط أقربائهم . هناك بعيدا عن الحشد يقف خمسة أشخاص مبدين اهتماما مشوبا بالتوتر ، وفي يد أحدهم باقة ورد ، كانوا يتلهفون لمعانقة رفيقهم الذي حصدته آلةالقمع منذ ثماني سنوات ، وأخيرا ظهر الرفيق الذي ختم سلسلة المغادرين يجر رجليه في عناء ، لم يستبينوه للوهلة الأولى ، دهشوا فقد أمسى أقصر قامة ، هزيلا ، شاحبا ، ممتقع البشرة . طفقوا يدمدمون بعد أن ساورهم الشك في أن يكون الكائن الغريب الذي يمثل أمامهم هو رفيقهم فعلا ، نقص طوله ، تغيرت ملامحه ، نتأت حدبة خلف كتفيه ، ودفعا للشك نطق أحدهم ( الرفيق سعد ) ، لم يستجب الرجل بل خطا نحو الرجال ثم انعطف فجأة إلى الإتجاه الآخر
  • Like
التفاعلات: مصطفى معروفي

تعليقات

خطا نحو الرجال ثم انعطف فجأة إلى الإتجاه الآخر .
...........
كان عليه أن ينعطف في الاتجاه الآخر ،لكنه أدرك الحقيقة بعد فوات الأوان.
لا أعتقد أن السجن غير الرجل أكثر مما غيره هؤلاء الخمسة و أمثالهم,لقد تعذب الرجال و المناضلون الحقيقيون في السجن و بضعهم ذاق مرارة المنفى و الغنيمة كانت من نصيب الانتهازيين...و لَحّاسين الكابّا....
تحية كبيرة لأستاذنا القاص الكبير أبو يوسف طه....
 
تحية اخي العزيز السي مصطفى معروفي ، تجربة الكتابة حول محنة السجن بالمغرب تجربة رائدة مقارنة مع دول عربية أخرى حيث يتوجس البعض من تدوين سيرهم الذاتية. وتوجد كتابات مرجعية كثيرة في هذا الباب كما لا يخفى على متتبع ملم مثلك ، وتعد من أهم المصادر حول هذا اللون الادبي الذي يجري في معتقلات وسجون النظام واقبائه الرهيبة بتازمامارت ودرب مولاي الشريف وغابة المعمورة ومخافر الشرطة السرية
الاستاذ أبو يوسف طه قرأت له منذ بداية سبعينات القرن الماضي بالملحق الثقافي لجريدة العلم منذ ان كان ب 30 سنتيم وعمر لا يتجاوز 17 سنة .. وهذا النص حول ثيمة السجن هو من سلسلة نصوص سردية حول اعتقاله ونضاله نقلت بإذن منه بعضا منها هنا


كل المودة
 
تحية طيبة لك أخي الأستاذ السي نقوس المهدي,
بالفعل أبو يوسف طه من الكتاب الأوائل الذين قرأت لهم ،و أتذكر أن مقالا له نشر بالملحق الثقافي لجريدة المحرر آنذاك بعنوان "الإرهاب الفكري" قرأته أكثر من مرة و احتفظت به ضمن ما احتفظت به من هذا الملحق الذي كان يشكل مدرسة ثقافية رائدة.لكنه ضاع مني ن و تشاء الصدف أن ألتقي الأخ طه في إحدى دورات معرض الكتاب بالبيضاء و تحدثت إليه و في معرض حديثي ذكرت له هذا المقال فلم يتذكره جيدا إلا أنه تحدث لي عن الإرهاب الفكري و أسبابه و تبعاته.
أبو يوسف طه كاتب و أديب متميز لكنه في نظري لم ينل حظا من النقد و المواكبة اللائقة به ،مع أن هناك كتابا أقل منه شأنا و أصالة نالوا حصة الأسد من النقد و التكريم و حتى الجوائز،و الله يجعل البركة في حانات المدينة كما قال لي أحد أصدقائي الشعراء,
بالنسبة لأدب السجون في المغرب فأتذكر أنه كان يثار على صفحات الجرائد اليسارية و أقصد بالضبط جرائد حزب الاتحاد الاشتراكي،و أتذكر أن مجلة مغربية هي مجلة "الزمان المغربي "مديرها بنسالم حميش كانت قد خصصت له بعض أعدادها،و من أبرز وجوه هذا النوع من الأدب عبد القارد الشاوي(توفيق الشاهد كما كان ينشر بهذا الاسم في مجلة "أقلام")و صلاح الوديع و صديقي العزيز توفيقي بلعيد .
تسلم أخي السي المهدي.
.............
إشارة:
في فترة من الفترات كانت الرغبة في السجن عند البعض سائدة حتى يثبت للجميع أنه مناضل حقيقي و أنه تقدمي و أنه رجل مبادئ.
بالمناسة عندما اعتقل عبد الله زريقة و أطلق سراحه بعد عامين تقريبا أصدر ديوانه "زهور حجرية"،ذهبت إلى أحد أكشاك المدينة فوجدت الديوان قد وصل للتو في علب كرتونية و عر ض للبيع،في غد عندما رجعت للكشك وجدت الديوان قد نفدت نسخه كلها،فما السبب؟(يوجد الكشك جوار المقهى الذي كنت أجلس فيه مع السي المهدي الودغيري رحمه الله و صديقي المرحوم أحمد بركات ومحمد الصابر و التغزري و غيرهم....).
 
اهلا اخي السي مصطفى معروفي
شكرا على تعقيبك القيم، الذي تناول تجربة السجن بالمغرب على الاخص ، وهو هاجس غريب لازم كل السلاطين فبنوا اقباء سرية لتصفية غرمائم سواء الحبس لقديم في مكناس حيث استوحى منه الروائي والناقد حميد الحميداني عنوان روايته " دهاليز الحبس القديم"، او في قصر البديع بمراكش حيث بنى السلطان السعدي يعقوب المنصور الذهبي ، زنازين بائسة مترية بحجم المتر تحتأرضية لا تزال الى اليوم، او في قصر البحر البرتغالي باسفي .. وهكذا
وحينما تطرقنا لادب السجون بالمغرب لا ننسى أشعار ورسائل سعيدة المنبهي التي نقلت بعضها بملف ادب الرسائل ، وروايات واشعار ورسائل عبداللطيف اللعبي وعبد الفتاح الفاكهاني ، وصلاح الوديع، وسعيد الرحباني، ومحمد فكري ، وذكريات سردها ، محمد عابد الجابري في سلسلة مواقف عن منشورات شراع وغيرها كثير ، والروايات التي خرجت من رحم سجن تازمامارت الرهيب،
وقد تكلم المبدع ابو يوسف طه عبر مقالات نشرها بجداره نقلت بعضا منها عن تجربته في المعتقل
قضية أخرى اشد بؤسا هي انتقاداتالبعض للمعتقلين الذين اخذوا تعويضات الانصاف ةالمصالحة. فالسجين يتعرض لازمات نفسية وجسدية جسيمة اثناء التحقيق وفي السجن وبعده .. ندوب لا تندمل وتبقى محفورة الى الابد، وندري العراقيل التي تضعها العقوبة الحبسية اما التشغيل .. ومنهم من فقد عقله ومنهم من فقد اهله دون توديعهم، ومنهم ومنهم .. اشياء عديدة لا يمكن ان توجه اليها الاتهامات ، وتحجب عنا كم التضحيات التي خاضوها من اجل التغيير ومن اجل القمع والتسلط المخزي
 
تحيتي و مودتي لك أخي الأستاذ السي المهدي،
قرأت بعض تلك الانتقادات في بعض الجرائد ،و منها انتقادات محام معروف سبق له أن كان وزيرا،و من مبررات تلك الانتقادات أن المال مال الشعب و لا يحق لأي شخص أن يقدمه شخص آخر إلا وجب قانوني ،و ليس ثمة من موجب يبرر إعطاءه لشخص كان معتقلا لأمر ما ،و من هذه الانتقادات أن هؤلاء المعتقلين كان لديهم طموح سياسي معين لم يسعوا إلى بلوغه بطريقة ديموقراطية ـ هكذا ـ و إنما بالتآمر على الدولة و مؤسساتها الشرعية ،فأدوا العقوبة السجنية على تصرفهم ،فلماذا تقوم الدولة بتعويضهم عن سجنهم،فالدولة إذ تقوم بذلك إنما تشجعهم و تشجع آخرين من دونهم و كأنها تعترف أنها هي التي ظلمتهم و أنها الآن تقوم بجبر خواطرهم.و لها ذلك ما دامت لا تقدم التعويض من أموال دافعي الضرائب.
المشكل أخي السي المهدي هو أن بعض التنظيمات السياسية التي كان ينتمي إليها هؤلاء المعتقلون لم تستمر في ما بعد على الخط النضالي المعهود،و بالتالي انكشف لهولاء الذين اعتقلوا أو نفوا بأنهم كانوا ضحية خداع مارسه عليهم دهاقنة تلك التنظيمات ،فاستفادوا هم و باء المناضلون الحقيقيون بالأسى و عض الأنامل.و للعلم فبعض المعتقلين بسبب هذا الواقع و المآل الذي وجدوا أنفسهم فيه تركوا النضال وراءهم ظهريا و آووا إلى ركن السلامة و العافية.
لك التحيات الزكيات مولانا.
 
أعلى