مشلين بطرس - ضفاف تبحث عن أمكنة.. فصة قصيرة

محملةً بالأغراض في طريق عودتي من العمل، أركض على مهل أريد الوصول إلى منزلي، فاليوم عيد ميلادي وستجتمع الصديقات عندي.
ازدحام، وزمامير سيارات، أصوات مارّة يتباطؤون في مشيهم، والطريق لا تنتهي ....
اصطدمُ بمُقعَدٍ، وتتطاير أكياسي ومعها علبٌ تحتضنُ فُتاة عيش ذاك المقعد الذي تدحرج عن كرسيه ووقع، ووقعتُ غاضبةً لا أدري كيف ألملم سرعتي واعتذاري وسط عيون تحلّقتْ حولنا لم تزد سوى من ارتباكي وحيرتي ...
فجأةً و وسط ذهول الجميع يقف المقعد على قدميه و ينفض الغبار عنه بحركات راقصة، ويدور باسطاً يديه يمشي بخفة نحوي وقد سحبني من يدي وأخذ يراقصني على أنغام موسيقى زوربا، وقد بدأ تصفيق الناس يعلو ويعلو...
رسمنا مهرجانًا من الغبطة والفرح، فالجميع يرقص، وأنا أرقص ... وأرقص
وهو يسمعني كلمات ليست كالكلمات .... نسمة باردة داعبت خصلات شعري متغلغلة بالجذور، ويلفحني الواقع بعقارب زمنه لأتذكر أنني نسيت ماورائي اليوم، وكساندريلا التي تركض عند منتصف الليل، هكذا ركضتُ وركضت ...
أصلُ إلى منزلي، أجد الكتب تفترش الأرائك منذ البارحة، أحملها إلى المكتبة وأعيد ترتيب المنزل، تقع من يدي رواية "الشمس في يوم غائم" وقد فتحتْ دفتيها وخرج منها راقص الخنجر يدق الأرض بقدميه قائلاً:
_ هاهم قد ثقبوا قلبه، وأنا سأثقبُ الأرض بقدمي وأعزف بها والخنجر في يدي يغزل دوائر النور، لكي لا تكون ظلمة من بعد.
أجبته بحماس: إذًا فلتعلمني الرقص بالخنجر علّي أغزل دوائر النور أنا أيضًا .....
صوت يخرج من مفاتيح البيانو يعزف على أنغام العادات والتقاليد مشيةَ ابنة عم الشاب التي أتت متسائلة:
_ متى ستأخذني إلى ذاك الخياط؟؟
تحضر امرأةُ القبو راكضة نحو الشاب تريد انتزاعه من صاحبة النظارات السميكة، لتبدأ المشاجرة بين المرأتين، أحاول أن أتدخل لأصلح بينهما، لكن النور يُطفأ بشكلٍ مفاجئٍ جعل مقلتيّ تخرجان من محجريهما، وبدأ قلبي يتسلل من أضلعي خوفًا من شموع أخذت تقترب مني ببطئ شديد، أختضن الرواية وأضمها إلى صدري وأنا مسمرة مكاني أرتجف رعبًا من حركة مريبة في منزلي ...
فرحٌ ... رقصٌ، وأصوات ضحكنا تملأ المكان – إنهن صديقاتي - ،Happy Birth Day
يقطع ضجيجنا رنين جرس الباب اللامتوقف، فتهمس إحداهن:
_ ربما أزعجنا الجيران بصخبنا هذا...؟؟
فتحتُ الباب، ووقفتُ مشدوهةً أمام "اليوناني" المحمل بأكياسي التي كانت أشلاءً في دائرة ذاك الاصطدام، قائلاً:
جئتك لأقول لك: لتكن روحك كلها صرخة، وأعمالك كلها تعقيب على هذه الصرخة، فهيا لنرقص ونرقص، فالرقص وحده يمحو جميع الآلام .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى