حسن الصعيب - من يوميات السجن المركزي بالقنيطرة

منذ سنة 1986 اعتدنا السفر إلى السجن المركزي بالقنيطرة لاجتياز الامتحانات الجامعية ، ولا أزال أتذكر ، في ظروف الحجز والمنع ،خلف القضبان ، مدى الغبطة الروحية والمتعة الفكرية الخالصة، التي نستشعرها ، ونحن نطلع على النصوص الفكرية والسياسية التي كان يحررها الرفيق ابرهام السرفاتي ، والتي تصلنا بعد مسارات متعددة،عبر عائلاتنا التي كانت تتحمل بصبر جميل عناء السفر وتجتاز بسلام مصاعب الزيارة وظروف المنع المتشددة.
لقد كانت تلك النصوص تشكل حافزا حقيقيا وتحريضا قويا لمخيلتنا ووعينا من أجل المثابرة على الاستمرار في تجدد النضال والكفاح من داخل أقبية السجون الباردة والرطبة ، محولينها إلى مدرسة لتعميق التأمل الفكري والسياسي في ما آلت إليه أوضاع شعبنا من تردي فضيع ، يمس قوتها اليومي وكرامتها في الحياة . كما كانت تشكل حدثا خاصا ، نكسربه رتابة حياتنا اليومية والعزلة المقيتة ، ومادة خصبة لحواراتنا التي لاتنقطع لمدة طويلة.
وأذكر كيف ستتحول هذه الصداقة الفكرية والسياسية للنصوص ، إلى صداقة إنسانية عميقة ، لم تنل منها ظروف القمع الشديدة شيئا ، ستجمع بين جيلين عاشا تجارب نضالية مختلفة في أجواء وأزمنة مغايرة ، ولكن قاسا في الوقت ذاته نفس القمع وتقاسما نفس المعاناة الفكرية والسياسية والخصومات الإيديولوجية والموضوعية من أجل العثور على السبيل الذي يقود إلى تحرر شعبنا من القمع والاضطهاد..
لقد عشنا حرارة اللقاء وشغف التعرف المتبادل ، لما كنا نتردد على السجن المركزي لاجتياز الامتحانات ، خصوصا لما خف نسبيا القمع داخل السجون ،بعد تضحيات جسام ، وتمكنا فعلا وبعد غياب طويل ، من عناق رفاقنا من الجيل الأول المؤسس، وكم كانت فرحة السرفاتي عارمة ومشاعره عميقة عند لقائه بمناضلي " الأحياء الشعبية" كما كان يحلوله أن يسميهم ، وبتأثر بالغ مثل طفل وديع ستنهمر على خديه دموع الفرح والإحساس بالنصر لاستمرار جيل ثان يكن له كل الحب ولاحترام،في الكفاح والصمود ، ومنذ ذلك الحين سنحول هذا اللقاء التاريخي إلى أوراش للعمل الفكري والسياسي لم ينقطع .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى