مهند صلاح - السرقات الثقافية.. الأسباب و النتائج

تطرح الساحة الثقافية بمجملها كما كبيرا من النتاج يختلف بحجمه عن السنوات التي سبقت ظهور الأنترنت و توسع نطاق الإعلام بكل مفاصله . و هو بقدر إيجابيته التي تتيح لطرفي العملية الإبداعية ( المنتج / المتلقي ) الفرصة لتوسعة خياراته التي كانت مقتصرة على أسماء محددة يجب أن يلتزم بعدم الإنحراف عن قراءة نتاجها كي لا يشوه الخزين الفكري الذي دأب في الحفاظ على مقدراته و نتائجه . و مع هذا السيل العارم مما تنتجه الساحة الثقافية . تضيع أحيانا النظرة الثاقبة للقارئ في معرفة أساليب الكتابة لأغلب كتابه الذين يتابع أعمالهم بشكل متشظي يفتقد للدقة في تحديد الإشارات اللغوية و المعرفية التي يحتاج لها كي تكون هنالك بصمة واضحة لهذا الكاتب أو ذاك يحدد من خلالها الخط البياني الذي يكتشف عبر نقاطه مواطن ( الضعف / القوة / الإنحراف / التوازن / التناص ) . و جمهور القراءة في الغالب متهم بالدرجة الأولى عن أغلب السرقات التي تخترق المشهد لتطفو بكل صلف دون أن تتخذ معها مواقف رادعة تكشفها و تحدد الأنساق المخيفة التي يقف عندها
( السارق ) فتصيبه بالخيبة و الحذر الشديد و تجعله يحيد عن مخططاته أو يحاول أن يتخذ مسارات إحتيالية أكثر دهاء .. المشكلة الأكبر بأن هذا ( الجمهور ) في غالبه لا يعي الفرق بين ( التناص و السرقة ) . بل إنه لا يأبه تماما في تطوير ذائقته القرائية مع ما يتناسب و حجم النتاج المطروح . فهنالك العديد من النصوص و الأعمال التي نقرأها يوميا تصلنا مع الكثير من التناصات , و هي في غالبها لا تعد كسرقات بقدر كونها تندرج ضمن تأثر الكاتب أو صاحب العمل بكتاب آخرين . و تتم هذه العملية بشكل غير مقصود أحيانا و بغير دراية , فتكون تحت طائلة مناطق اللاوعي لديه و تجعله بريئا نوعا ما من تهمة ( التناص ) . أو إنها تتم عن قصدية و إصرار لا متناهي و بوعي كامل , فتصبح بذلك متعمدة , و لن يكون مردودها القرائي عليه كمنتج لفكرة العمل بالمستوى الذي يطمح له في أن يكون ذا ( بصمة خاصة ) تتيح له المجال أن يخترق الخط الطويل من الذاكرة القرائية ليصبح جزء منه . بل سيكون مستنسخا و مقلدا . فينخرط تحت مسمى الشخص الذي تمت معه عملية التناص . و ذلك بمقدار كبير سيجعل نجومية ( الإسم ) الذي تمت معه عملية التناص . أكثر توسعا , و هي نقطة تحتسب لصاحب النص الأصلي من حيث لا يحتسب . أما ( السرقات ) التي تشهدها الساحة الثقافية , و العمليات الإحتيالية , فهي كثيرة جدا و تتسع واجهتها يوما بعد آخر . فمنها ما يطال في الغالب ( الكتاب ) الشباب الذين يقعون في شباك كتاب ( معروفين ) . إستغلوا نتاجاتهم عبر سرقتها و وضع أسمائهم عليها بعد أن وصلوا مراحل من الخواء و الفراغ الفكري , لكنهم لا يريدون إعتزال الكتابة . بل يحاولون بطرق إحتيالية أن يكونوا متواصلين مع قرائهم , كي يثبتوا لهم بأنهم ما يزالون قادرين على إنتاج نصوص جديدة و أكثر تميزا . بينما يقف صاحب النتاج الحقيقي منصعقا و غير قادر على إثبات أحقيته بهذا العمل . و كذلك الحال مع الكتاب الكبار الذين لا يملكون الثقافة ( الأمنية ) التي يحافظون من خلالها على أعمالهم , فتصبح عرضة للسرقة من قبل كتاب لا يزالون في بداية مشوارهم .. المشكلة اليوم تتحدد في إننا لا نعيش زمن ( الظواهر ) أو الطفرات الثقافية التي لا تجعلنا نستغرب بأن الكاتب أو الكاتبة ( س ) قد صدرت لهم 6 أو 7 مؤلفات و هم لا يتجاوزون عمر العشرين عاما !! بل إنهم لم يمارسوا الكتابة إلا منذ ما يزيد عن ثلاث أو أربع سنوات !! .. إن كل هذا يضعنا أمام الكثير من علامات الإستفهام و التعجب التي من شأنها أن تجعلنا نكتشف الحقيقة المرة التي وصلت لها الساحة الثقافية , و حجم السرقات التي تمت و نحن نعيش في سبات ( المجاملات ) و اللهاث خلف رغباتنا الجنسية .. إن أكثر ما تمت سرقته من نتاجات ينحصر في غالبه عبر مواقع ( الأنترنت ) و مواقع التواصل الإجتماعي . و هو بحاجة لعمليات تفكيك طويلة و متراكمة يصعب معها إكتشاف هذه السرقات . لكن بعضهم أخذ على عاتقه إنشاء مجاميع مختصة بكشف السرقات و عرضها أمام القراء . و هي بداية جيدة تعيد الأمور لنصابها و تحدد الآليات التي يجب إتباعها لتفادي وقوعنا تحت طائلة الإشتراك في الترويج لعمليات السرقة و الإحتيال .. على ( الكتاب ) بكل فئاتهم و أعمارهم أن يكتسبوا القدرة على توثيق نتاجاتهم و جعلها مكتسبة للشرعية الكاملة في تبعيتها لهم . و إلا فإنهم و للأسف سيكونون ( مغفلين ) من الطراز الأول . لعدم إمتلاكهم للأدلة التي تتيح لهم فضح هذا ( السارق ) و كشف ألاعيبه و مخططاته الإحتيالية أمام الجمهور .. كما إننا كقراء نتحمل المسؤولية في القراءات الموازية للنتاجات التي نحصل عليها , لنظمن عدم إنزياحنا نحو القراءة المتواطئة . و هذا يحتاج منا وقفة حقيقة و جادة لإعادة النظر في كل ما نملكه من كتب و تجارب قرأناها سابقا . فليس بعيدا أن تكون هنالك الكثير من الأسماء التي منحناها ثقتنا كقراء , قد مارست عمليات سرقة و إحتيال بحقنا و بحق النتاج المطروح ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى