سهام حدادة - الدولة.. الدين والسياسة : منطلقات الصدام والحوار

عرفت المجتمعات السابقة قبلنا ، انتماءات وولاءات على أساس العرق والدين واللغة ، فكان الدين هو المحفز الوحيد بين هذه المجتمعات في نموها وتعايشها وحتي واجباتها وحقوقها ، لأن الدين كان عندهم بمثابة القانون الصارم الذي ينظم ، سيرهم وعيشهم وتماسكهم ، سواء في السلم أو الحرب ، ولقد اخذت هذه المجتمعات من دينها جميع مقومات العيش والتناغم ، لكن دون مراعاة الجانب التنظيمي ، أو الرقعة الجغرافية حيث كانت إما قبائل ، أو عشائر ، رحالة ، مكانها المناسب هو وجود الماء ومناطق الرعي أي الاعتماد على الجيواستراتيجيا بمفهومها الجديد ، كما أن مفهوم الدولة كان غائبا على هذه المجتمعات ، وكذلك الحيز ، التنظيمي والمؤسساتي لها مبعثرا لأنه لم يخضع إلي جانب قانوني.
إن الدولة بالمفهوم الخلدوني والتي تقوم علي العصبية وتنتهي بتلاشيها هي عبارة عن كائن حي ينمو ويموت ، أما الدولة الواستفالية ، هي الدولة التي تخضع الى العامل السياسي والمتمثل في القرار بالسيادة الكاملة الدولة ، والعامل القانوني والذي يضمن وجود مؤسسات تنظم وتسير أمور هذه الدولة ، وكذلك عامل التكيف والذي أصبح يعد ركنا من اركان الدولة الجديدة ، أو الدولة المعولمة .
إن الدولة ككائن حي تنمو وتتطور ، لكن بواسطة سياسة وسيادة ، وثقافة ، فهي تحاول الحفاظ على كل مكوناتها المادية والمعنوية ، مع محاولة تصديرها ، وذلك من اجل الزعامة ، أو السيطرة ، أو نشر توجهاتها ، سواء إقليميا ، أو دوليا . وذلك من خلال عدة انماط منها المادية ومنها المعنوية ، فالمادية والتي تمثل الاقتصاد وما يدخل في حيزه من تجارة ، وإعتماد متبادل ، وعلاقات اقتصادية ، ربحية ، وٱستثمارات داخلية وخارجية ، وأما المعنوية وهي الثقافة ، والتوجهات الدينية والتربوية ، مثل ما يفعله الغرب أومايعرف بنشر الديمقراطية التي يري فيها فرانسسيس فوكوياما هي النسق الجيد والمرن للانسان الحالي ، كذلك ما تفعله كل من السعودية وايران في منطقة الشرق الاوسط ، حيث تسعي إيران الي نشر المذهب الشيعي ، بينما تسعي السعودية عكس ذلك وهو نشر المذهب السني. وهنا يكون الدين من بين أهم العوامل التي تساهم في بناء وتوسع الدولة من الناحية الجيوبوليتيكية.
فالدين يحاكي السلطة ، من خلال شرائعة وأحكامه ، والدولة نستخدم الدين من خلال مصلحتها وما تريد فعله هي وليس ما يحاكيها ويفرضه الدين.
إن الدين والعلم هما العملتان المتوازيتان ، واللتان تخدمان الدولة ، إلا ان أن الحوار او الصدام الموجود الان هو هل الدين ضد العلم ، أم الدين هو نسق العلم؟
إن الدين ومنذ الأزل القديم وبعض الفلاسفة يؤرخون الى أن الدين او الأديان هي ضد العلم وأنهما في تصادم دائم ، ولا يوجد اتفاق بينهما ، ولا حوار،غير ان العكس هو الصحيح فما بين الدين والعلم والدولة جوار قائم علي وجود الدور فلكل دوره ومجاله ، فرجل الدين له دوره في الدولة ، ورجل العلم له دوره في الدولة ، ورجل السياسة له كذلك دوره في الدولة ،والعلاقة دائما طردية ، ومخرجاتها دائما برغماتية ، فالدين هو سنام الدولة والعلم جسدها ، والسياسة دمها ، لذلك فالعلاقة بين الدين والعلم من جهة ، وبين الدين والدولة من جهة ، هي علاقه طردية توافقية ، تخضع للحوار ولنسق الحضارة والازدهار ، فلو كان الدين يحارب العلم او العلم يحارب الدين لكان احدهما الان في طي النسيان فمنذ العصور القديمة الي الوسطي والي الان ونحن نسمع ان الدين والعلم في تناقض ومع ذلك لم يهزم أحدهما الاخر ، لماذا؟.
لأن الحرب ليست بين الدين والعلم ، أو بين الدين والدولة ، أو بين الدين والسياسة ، بل الحرب والصدام بين الدين واللاهوت ، أو ما يعرف بعلم الكلام أو ما يصطلح بتسميته " الخرافة" ، فالدين هو منبع العلم ، والعلم هو برهان الدين ، وكلاهما من دعائم قيام الدول ، ونجاح السياسات فيها ، فمنجومتري الذي يضع كتاب بعنوان فضل الحضارة الاسلامية علي الغرب هو برهان يقاس علي أساس الحوار وليس علي أساس الصدام والتطرف ، فالدين يطور العلم ويبني الدولة ، وينمي السياسة ، فالعلاقة بينهم ليست كما ذكرها بعض فلاسفة التطرف ، بل هي اعمق من أن تكون صراع مصالح ، بل ذهبت إلي خندق التطور والازدهار ، ونمو المجتمعات والأمم.
،إن السياسة التي تقوم علي ما يصلح الناس ، والعلم الذي يقوم علي تطوير قدرات البشر والدين الذي يقوم علي ما ينفع الناس ، كلهم من منبع واحد وهو حياة الفرد والمجتمع ، بل والخبز الذي تكتنفه الحياة كله ، انه الثالوث المرتبط ، بين الدين والدولة والسياسة ، والذي كان أساس ربطهم هو العلم ، ونسقهم هو الحوار والتوافق وليس الصدام والتطرف.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى