علجية عيش - لماذا تخلت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عن ابنها مالك بن نبي؟

الإستخبارات المصرية تكفلت بطبع كتبه و نشرها
لماذا تخلت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عن ابنها مالك بن نبي؟
(مالك بن نبي آمن بالوحدة العربية وحارب الانشقاق)
( مالك بن نبي: عالم الأشخاص هو الإنحراف عن الطريق الصحيح للنهضة)


كان مالك ابن نبي متشبعا بالفكر الإصلاحي و الفكر القومي فآمن بالوحدة العربية وحارب الانشقاق، و عالم الأشخاص الذي أدّى إلى الإنحراف عن الطريق الصحيح للنهضة فشن حربا عليهما ، يقول ابن نبي عن نفسه إنه كان وطنيا، ولكنه لم يكن منتميا إلى هيئة أو حزب وهكذا احتفظ باستقلاله الفكري وحرية النقد، يقول مالك بن نبي : " إن تغييب الفكرة على الصعيد السياسي و استبدالها بوثن في شكل زعيم سياسي يعبد من دول الله ( و هذا ما نراه اليوم في أحزابنا السياسية) إما خوفا من بطشه و إما طمعا في سخائه و عطاياه، و هو ما أدى إلى الإفلاس السياسي، و لذا هو يفرق بين السياسة و البوليتيك، و يرى في البوليتيك أنه تلك الجرائم التي يرتكبها بعض المخادعين و الدجالين من أجل مكاسب شخصية على حساب مستقبل حضارة أمة بكاملها
21034547_288427074898740_1089558689454133142_n.jpg
تكونت شخصية ابن نبي خلال العشرينات والثلاثينات في الجزائر قبل أن ينتقل إلى فرنسا من خلال مدرسة اللاسلكي والمشاركة في الأنشطة الطلابية والسياسية، و قال بعض من اطلعوا على مذكراته أن مالك بن نبي خلال الثلاثينات تطلع إلى الهجرة إلى المشرق، فحاول الذهاب إلى السعودية و مصر، ولكن جهوده باءت بالفشل، واعتقد أن أيادي خفية، بالإضافة إلى الجهل والتبعية، كانت وراء عدم حصوله على التأشيرة، فكانت وجهته نحو فرنسا، حتى مجيئ السادات، فكان حظ مالك بن نبي أن يحصل على حق اللجوء بالقاهرة بمصر سنة 1956 ، و نال حظا أوفر لما تولت مصلحة الاستعلامات المصرية طبع كتبه التي أصدرها قبل 1954 ، لاسيما كتاب ( لبّيك، الظاهرة القرآنية ، شروط النهضة و في مهب المعركة)، وهذا الأخير قيل أنه جمع فيه مقالاته التي كتبها بين 1946 - 1954 في عدة صحف ، و في إقامته بمصر أخذ يتفاعل مع أنشطة المؤتمر الإسلامي الذي كان يشرف عليه عندئذ أنور السادات، وقد أثرت الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى و الحرب العالمية الثانية و بروز الأزمة الاقتصادية الدولية، و الفاشية والنازية، وميلاد الجبهة الشعبية، والمؤتمر الإسلامي الجزائري، على تفكيره ، فلم يعد مالك بن نبي إلى الجزائر إلا بعد وفاة والده ، ليعود من جديد إلى فرنسا مسخرا وقته و جهوده في البحث و التنقيب في الكتب ،
كان يلتهم الأفكار ويحتفظ بها لوقت الحاجة، إلى أن تجسدت هذه الجهود في ظهور كتابه الظاهرة القرآنية وشروط النهضة و في مهب المعركة و غيرها من الكتب، فقد تأثر مالك بن نبي بكثير من الشخصيات العلمية و السياسية و رجال الإصلاح، أمثال الشيخ محمد عبده، أحمد رضا، و آيبرهاردت، و مفكرين و فلاسفة غربيين، و درس آثار محمد إقبال، كما تأثر بطاغور الهندي، ولكنه عبَّ من التراث العربي الإسلامي كثيرا، وقد ظهر ذلك في كتبه الأولى، عن المشروع النهضوي مثلا و دون الحديث عن المعوقات الخارجية التي سببها الإستعمار في مرحلة ما بعد الإستقلال، تحدث مالك بن نبي عن المعوقات الداخلية، إذ سلط الضوء على "عالم الأشخاص"، و هو في رأيه إحدى معوقات النهضة و هو الإنحراف عن الطريق الصحيح للنهضة عندنا تغيب الفكرة و يحل محلها الشخص في هيأة متصوف يوزع البركات على مريديه و إما في هيأة مخادع و دجال يرتدي أحيانا قناع الزعيم السياسي المطلع على خبابا الأمور السياسية ، يوهم أتباعه من المثقين الطامعين في الوصول إلى السلطة مقابل سكوته عن أخطائه و جرائمه ، أنه المالك الوحيد لحلول جميع المشاكل التي تعاني منها الأمة، يقول مالك بن نبي: " إن تغييب الفكرة على الصعيد السياسي و استبدالها بوثن في شكل زعيم سياسي يعبد من دول الله ( وهذا ما نراه اليوم في أحزابنا السياسية) إما خوفا من بطشه و إما طمعا في سخائه و عطاياه، و هو ما أدى إلى الإفلاس السياسي، و لهذا يفرق مالك يبن نبي بين السياسة و البوليتيك، في كتابه "بين الرشاد و التيه" و يرى في البوليتيك أنه أنها تلك الجرائم التي يرتكبها بعض المخادعين و الدجالين من أجل مكاسب شخصية على حساب مستقبل حضارة أمة بكاملها.
020220170552451.jpg
في مذكراته يكشف مالك بن نبي أنه عندما التحق بباريس كان يعتقد أنه سوف يكون ممثلا لجمعية العلماء المسلمسن الجزائريين والتيار الإصلاحي غير أن الجمعية لم تختره، و أرسلت مكانه ممثلين آخرين في مثل الشيخ الفضيل الورثلاني والسعيد صالحي، للمشاركة في المؤتمر الإسلامي سنة 1936 ، وجاء وفد منها إلى فرنسا مع ابن جلول وفرحات عباس وابن الحاج، وذهب ابن نبي لزيارة وفد العلماء، وفيهم ابن باديس والعقبي والإبراهيمي، وسألهم باستغراب ماذا يفعلون هناك، وهم في نظره قد وقعوا في فخ السياسة الاستعمارية، وكان الأولى بهم البقاء في أماكنهم وبعث رسالتهم في الشعب، و السؤال لماذا تخلت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عن ابنها مالك بن نبي؟ هل لأنه لم يحضر دروسه ولم يتتلمذ عليه ولا جلس معه؟ يقول في مذكراته عن ابن باديس: "كانت نظراتي تتبعه بعطف وحنان كلما مَرَّ أمام مقهى بن يمينة، فهذا الرجل الأنيق المرفّه ذو المنبت الصنهاجيّ كان يحسن معاملة الناس ... الخ، و قد تشاءل بن نبي عن سبب تسليم رئاسة المؤتمر لبن جلول و هو الذي تبرأ من الجمعية عندما سئل من قبل الصحافة الفرنسية حول قضية مقتل مفتي الجزائر (بن كحول) حيث اتهمت فرنسا الجمعية بقتله، وهو اتهام باطل طبعاً.
و لعل تمرد مالك بن نبي على اللباس التقليدي وزواجه من فرنسية، جعله محل انتقاد، لكن فكرة انضمامه إلى "منتدى الوحدة المسيحية"، واختلاطه بشباب من الفرنسيين واليهود، وأخذه من الأفكار دون تمييز، وقراءته الإنجيل وغيره، وعيشه في بيئة فرنسية، وصداقته لأشخاص هويتهم غير معروفة مثل الفرنسي جو كلاري الذي يعرف باسم محمد الشريف الذي قيل إنه اعتنق الإسلام، واختيار ابن نبي العيش في فرنسا أيام تبدل الأيدي عليها (1940 - 1945)، كانت شبه أكاذيب لتشويه صورة الرجل، بدليل أن مقالاته نظرياته في الحضارة الإنسانية كانت تعكس تفكيره التقدمي و الوطني الذي يسير في اتجاه جمعية العلماء، لتقديم الفكر الإسلامي إلى الشباب المتعلم في المدارس الفرنسية، كان همه الوحيد هو البحث عن سبيل للخروج من الانحطاط والجمود واستعادة دورة التاريخ الحضاري فدرس ابن نبي ظاهرة التخلف وقابلية الاستعمار، فقد حاول مالك بن نبي إيجاد سبيل للتغيير الذاتي من خلال كتابه "من أجل التغيير" ، و لذا يصف مالك بن نبي بعض السياسيين بالمزيفين و يقول ان كل نشاط يقوم به هؤلاء مجرد عبث، و يضيف أنهم خطر على الأمة، لأنهم يتحالفون مع الإستعمار من أجل إبعاد الشعب عن مشكلاته الجوهرية و إغراقه في مشكلات هامشية تبعده كل البعد عن التفكير بطريقة صحيحة.
و من أجل تبسيط فكرته يقول ملك بن نبي: "عندما لا يسمع الشعب غير الحديث عن الحقوق، دون أن يذكر واجباته و عندما يشرع بالطرق السهلة الناعمة فتلك هي "البوليتيك"، و لذلك نبه مالك بن ني أن مشروع النهضة فد انحرف عن مساره الصحيح، لأن البناء الحضاري لأيّ أمّة، إنما يتحقق من خلال قيام كل فرد بواجباته تجاه المجتمع و هكذا يحصل كل فرد على حقوقه دون أن يطالب بها، إن سيطرة عالم الأشخاص على الشعوب يعود لأسباب عديدة منها غياب الوعي المنهجي و غياب النقد الذاتي، و عدم الوقوف على الأخطاء و الثغرات لأجل مراجعتها بين الحين و الآخر مما يساعد على مواصلة الكمسير في طريق النهضة وفق المسالك السليمة، و تغليب ثقافة التلقين و التسميع و التقليد على ثقافةالتفقيه و التاصيل و النقد و الإجتهاد و الإبداع، و هذا الغياب يدفع إلى التهرب من المسؤوليات.
علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى