د. قيس عوده قاسم الكناني - فلسفة الموسيقى فيزيائياً ورياضياً

الموسيقى تتعامل مع الصوت والصوت مادة تتلاشى، وهي حركة اهتزازية وبالتالي فأنها علم فيزيائي له ذبذبات وترددات ليس لها شكل جسماني ولا استمرارية فيزيقية, ومن هنا فإن الموسيقى هي من أقدر الفنون تعبيراً عن الداخلي حيث ان البعد الذاتي هو شكلهـــا ومضمونها ومادتها معاً, وفي رأي هيغل فإن المهمة الرئيسة للموسيقى تكمن، لا في تصوير الأشياء الواقعية، بل في موسقة الأنا الداخلي الحميم، وجوّانيته العميقة، وذاتيته الفكرية, وفي هذا الإطار يحرص هيغل على ان يقول لنا ان الموسيقى لا تكتفي بأن تعبّــر عن النفس بل هي تخاطب النفس أيضاً لأنها من حيث تعريفها الفن الذي تستخدمه النفس للتأثير على النفوس ، كما ان الموسيقى هي علم رياضي من حيث الأصوات والمسافات والحسابات الرياضية فكل مقام موسيقي له ابعاد ودرجات حسابية تختلف عن غيرها في المقامات الأخرى.
كما يسعى الفن الموسيقى الى اضفاء المعاني الجمالية على الحياة حيث يلونها ويزخرفها محاولا بذلك ان ينسينا همومها وأحزانها وترسباتها المؤلمة, لذلك دائما ما نجد اعمال الفنانين تشرق بالحياة والفرح واالسرور والكثير من علماء النفس اعتبروا الموسيقى وسيلة من وسائل الراحة النفسية فالإنسان يجد في الموسيقى "آماله وطموحاته ورغباته ولذلك فان سيمفونيات الموسيقيين وأغاني المطربين وأشعار الشعراء هي انعكاس لواقع حياتنا الخاصة على حد سواء" ( ) لذا فان الموسيقى هي فن يثير الرغبة لتحقيق الانفتاح النفسي على رحاب انسانية جديدة كانت مجهولة بالنسبة للماضي
كما يرى بعض الفلاسفة أن الموسيقى هي علم رياضي هندسي فيزيائي ومن خلال الترددات الصوتيه والذبابات فانها تعد احد العلوم الفيزيائية كما انها وسيلة من وسائل دعم الفضيلة والأخلاق فالموسيقى تؤثر في مشاعر الإنسان وفي حياته الباطنية حيث تأثير الإيقاع واللحن في هذا الفن أقوى من تأثير فن العمارة والتصوير والنحت على روح الإنسان وحياته الانفعالية لذا فهو يرى أن الموسيقى ارفع من الفنون الأخرى ويدلل افلاطون على ذالك أن الطفل حينما يسمع الى مقامات موسيقية مناسبة تنمو لديه عادات وقدرات مرهقه تتيح له قدرة تميز الخير من الشر فالموسيقى بذالك تشكل شخصية الطفل وتجعله مستقرا في انفعالاته وكذال نظر أرسطو إلى الموسيقى على أنها أكثر الفنون تقليدا للشخصية وتمثيلا لها ففي الإيقاع واللحن نجد محاكاة شديدة الواقعية للغضب والهدوء فضلا عن شجاعة والاعتدال وأضداد هذه الصفات أي أن المحاكاة الموسيقية لا تقتصر على الأحوال الشعورية فحسب بل تشمل الصفات والاستعدادات الذهنية أيضا.
ورغم أن الموسيقى لم تنشأ كفن مستقل بل كفن تابع، فإن مكانتها عند القدماء _ مثلما هي عند المحدثين المعاصرين _ ظلت مكانة رفيعة, إذ فطنوا إلى عمق تأثيرها النفسي والأخلاقي والاجتماعي، فها هو ذا «فيثاغورث» يرى أن «الكون في مجمله عدد ونغم» وأن النظام والانسجام الذي نشاهده في الكون وفي دورات السماء يشبه النظام الذي نشاهده في الموسيقى، فضلاً عن ضرورتها لانسجام النفس وتطهيرها. وها هو ذا «أفلاطون» في محاورة «الجمهورية» يبين لنا أهمية التعليم الموسيقي ودوره في تربية النشء، حتى إنه كان يحث على مقامات موسيقية معينة واستبعاد أخرى؛ مما يكون له تأثير أخلاقي ونفسي ضار، وقد كان هذا راجعًا أيضًا إلى تصور أفلاطون للنفس على أساس من مفهوم الانسجام الرياضي.
وهكذا يمكن القول بأن التصور النفسي والأخلاقي لدى فيثاغورث وأفلاطون هو تصور مبني على أساس من تصور فيزيقي _ رياضي للكون باعتباره نظامًا منسجمًا. وهذا هو ما دعا اليونان إلى تأسيس النغمات الموسيقية السبع باعتبارها الكواكب السبعة.
وإذا تأملنا الموسيقى كإبداع فني متميز على الإدراك الحسي، في محاولة لاستخلاص القيمة الجمالية في الإبداع الفني الموسيقي باعتبار أن الموسيقى في أساسها تعبير عن المشاعر في شكل فني قوام أسلوبه الإيقاع والنغم، وباعتبار أنها تنبعث من المشاعر، وتأثيرها ينصب على المشاعر، كما يقول (جوليوس بورتنوي) فإن الموسيقى ناشئة من العاطفة لكي تحرك العاطفة لذلك يقول : ان الموسيقى ينبغي ان تؤدي الى السلوك القويم والا لكانت مخدرا يؤدي بنا الى الهروب من الواقع والتحليق في اجواء عالم الخيال المحض. ( )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى