أمل الكردفاني- العبثية خارج الأنماط المفروضة

هل استمر ام لا؟
إن الإستمرار في الحياة مثل دفع سيارة لأعلى الجبل. هذا الجبل لا نهاية له، وعندما تأتي النهاية، فنحن لن نرى تدحرج السيارة إلى الخلف. تختفي الصورة كلها في لمح البصر.
لقد ظلت أدبيات العبثية تجتر نفسها بحماقة حتى في عهد سارتر وكامو، وما تلاهما، من ادأعمال أدبية ربما باستثناء بيكيت. إن مشكلة كامو أنه كان مقتنعاً بفلسفة العبث كفلسفة، لكنه أبداً لم يشعر بها. رغم كل ما قيل عن أعماله التي تضع العبث داخل نص أدبي، لكن شتان ما بين الاقتناع بفلسفة والشعور بها. إن العبث الحقيقي هو ما صاغته الأساطير اليونانية، والتي أتمنى أن أجد مجلدا شاملاً لها، لأقرأها. كان الشعور اليوناني بالعبثية، قد خلق تلك الآلهة التائهة في رغباتها، التي تتصارع وتمارس الجنس، وتخلق أرواحا ومع ذلك فهي نفسها تموت، إن كل تلك العبثية ليست سوى إسقاط لإحساس عميق بموضع اليوناني القديم من الوجود. اليوناني الذي وجد في صراع الآلهة المتعددة تبريراً لتلاطم أمواج واقعه الإنساني، لذلك لفَظَ الإله الواحد -رغم مركزية زيوس- الذي يفترض -مع احتكاره للقوة المطلقة- أن يكون عالم البشر أكثر استقراراً مما هو عليه. إن اليوناني، إعتقد أن إلها واحداً يجب ألا يكون متقلب المزاج بحيث يخلط مخلوقاته التعسة في دوامات لا نهاية لها من التناقضات والآلام واللا جدوى.
مثَّل الفنُّ مخرجاً للإنسانية، مخرجاً لا يقل عن الدين، لتجاوز محنة الإنسان، الذي يظل فرداً بخصوصية أحاسيسه من أفراح وآلام. أما اليوم، فهناك أداة جديدة ليتجنب الإنسان شعوره باللا جدوى، وهو تشتيت انتباهه باستمرار، وإغراقه في مفاهيم سطحية، تجعله في عمق وهم التفوق والتنافس. ولذلك فقلة فقط تلك التي لا زال رأسها خارج سطح السائل الرأسمالي الكثيف، تتنفس الوعي الحارق فتتألم.
إن الشعوب تخضع اليوم لتدمير وعيها بأساليب علمية ممنهجة. وهذا جيد، لأنها تغرق في معايير حيوية، تجعل الحديث الجاد عن معنى وجودنا هو العبثي.
إنني كلما رأيت عاملاً عجوزاً يكدح حتى الموت، اشعر بانقباضة في صدري، فهذا العامل، عاش حياة البؤس دون أن يعي أنه لم يحيا أبداً. هكذا يقول الليبراليون، إنهم يؤكدون أن الفقراء ليسوا فقراء، وأن المكان الحالي لهذا العجوز هو المكان المناسب له. إنهم يجردونه من إمكانية تطوير وعيه، ليعي أن ما يعيشه ليس حياة.
عندما أقف في صفوف الخبز، أرى عجائز يقفون، ونساء طاعنات بائسات أيضا يقفن لساعات طوال، إنهم (وإنهن) لا يعتقدون أبداً أن لديهم حقوقاً ككبار سن ومن ضمنها ألا يقفوا في الصفوف، وأن تتكفل الدولة بتسهيل معاشهم. لكنهم وكما يقول الليبراليون، لا يعرفون.
وهم حقاً لا يعرفون، وليس لأنهم يراعون الوضع المتردي للبلد.
لقد اكتشفت حقاً أنهم لا يفكرون أساساً في مثل هذه الأفكار الحمقاء. هكذا تستقر الشعوب داخل أنماط من الوعي المتدني جداً، ويجعلها قادرة على العيش بلا تفكير أعلى أو طموحات تنغص عليهم استقرارهم داخل البؤس.
وهكذا تعمل الأنظمة التي -اختلقت الليبرالية- على تدجينهم داخل تلك الأنماط البدائية، ليتقبلوا ويتأقلموا مع أي واقع يعيشونه.
لا يُمنع الإنسان من الصراخ اليوم، لكنه يُمنع من التفكير الذي يدفعه للوعي بأهمية أن يصرخ. إن الشعوب اليوم تسير كصيصان الدجاج، تائهة ومشتتة الوعي. وهكذا فهي خارج الوعي بالعبثية.إنه وضع إيجابي أن تدفع سيارة لأعلى الجبل دون أن تفكر في نتائج ما تفعل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى