محمد عباس محمد عرابي - نحَـوُ سِيبَوَيهِ في كُتِبِ النُّحَاةِ دِراسَةُ تحـقِيقٍ وتَقوِيم.. رسالة دكتوراه للباحث مازن الـزيـدي - عرض

نحَـوُ سِيبَوَيهِ في كُتِبِ النُّحَاةِ دِراسَةُ تحـقِيقٍ وتَقوِيم رسالة تقدّم بها الباحث /مازن عبد الـرسول سلمـان الـزيـدي إلى مجـــلس كليـــة الآداب في الجـــــامعة المســــتنصريـــة، وهي جــــزء من متطلبات نيـــل درجــة دكتـــوراه فلسفة في اللغــة العربيــــة ، وآدابها .بإشراف أ.م.د. صــالح هـادي الـقريشـي ربـيع الأول 1427 هـ/نـيسان2006م

وفيما يلي عرض لنص مقدمة الرسالة ،ومكوناتها ،ونتائجها كما ذكرها الباحث /مازن عبد الـرسول سلمـان الـزيـدي

مقدمة الدراسة :

ترك لنا سيبويه (بحراً) كثيرةٌ دُرَرُهُ ، وفريدةٌ شموليتهُ ، وإحكامهُ ، وجِدَّتهُ . لم يستغنِ عنه طالب العربية خلال العصور . ولم يتجاوزهُ متلهفٌ لمعرفة أصولها ، واستشراف محاسنها ، والوقوف علي جمالياتها وروعتها . ولا غرابة : فهو مؤسِّسُ أحكامها ، ومنهلهُا الصافي ، وَوردُها العَذبُ الذي يرتشف منه المتعلمون ، ويلجأ إليه العالمون سراجاً لأفكارهم ومناراً لأقوالهم ، ومن ههنا كان سيبويه حاضراً بقوة في الفكر النحوي بعده ، وتعددت النقولات عنه ، وكَثُرَ الاستشهاد بأقواله ، وتنوعت الإشارة إليه ، فكانت كلما جالت مخيلةُ أحدهم تستنطق حكماً ، أو تنقده، أو ترجّحه. ترى في أفقها مُحلقاً : حُجةً ، ومَوْئِلاً ، وسَنداً ، ومَنهلاً .

وهذا الأمر جعل الباحث يفكر جدياً في محاولة بحث طبيعة هذا التعامل مع نحو سيبويه ، نقلاً ، وَفَهْماً في مؤلفات النحاة اللاحقين والتي شملت (ثمانين) مؤلفاً نحوياً ابتداءًا بـ(المقتضب) للمبرد(ت285هـ) ، وانتهاءً بـ(حاشية الخضري(ت1287هـ)على شرح ابن عقيل) . وهي المصادر التي وقعت بين يد الباحث . فجاءت هذه الدراسة لتتناول تلك الأقوال ، والآراء الكثيرة التي عُزيت إلى سيبويه في هذه المؤلفات محاولةً تحقيقَ ما نُسِب اليه منها خطأً ، وما فُهِمَ منها غلطاً وتقويمهما ، وما ترتب على ذلك من تبدلٍ للمفاهيم بين تلك المرحلتين . ولابُدَّ ههنا من توضيح المقصود بالتحقيق والتقويم.أما التحقيق: فهو تفعيل من:(حقَّ).وورد في اللغة بمعنى:(الإثبات) ذكرابن منظور:حقَّ الأمرُ، وأحقَّهُ،أي: أثبتّهُ وصار عنده حقاً لا يُشكُّ فيه. وأحقَقْتُهُ: إذا غلبته على الحقّ وأثبتّه عليه ، وتحقَّقَ عنده الخبرُ ، أي : صحَّ وهو من ههنا : " رَجْعُ الشيء إلى حقيقته بحيث لا يشوبه شبهة ، وهو المبالغة في إثبات حقيقة الشيء بالوقوف عليه" (1) .

وقد عُرِفَ التحقيق مصطلحاً في مجال (تحقيق النصوص التراثية) بتقديم صورة لها أقرب ما تكون إلى الأصل على وفق منهج محدَّد ، وعُرِف أيضاً على وفق التصور الذي تبناه الباحث هنا في مجال الدراسات النحوية ، واللغوية ، والقرآنية عموماً فلم يعدم الباحث له استعمالاً في مظان العربية ومصادرها كـ(المحققون) و(أهل النظر والتحقيق) . وفي العصر الحاضر تصدّر هذا المفهوم بعض المؤلفات والأبحاث منها بحث الدكتور نهاد الموسى (تحقيق في الحال هل تقع نفياً) ، وكتاب الدكتور فاضل السامرائي (تحقيقات نحوية) .

فالمصطلح ليس بدعاً في مجال دراسة العربية عموماً وفي النحو العربي على وجه الخصوص ، ويراد منه بحسب فهمي : محاولة التَثبُّت من القضية النحوية قيد الدرس بإرجاعها إلى حقيقتها التي هي عليها إن كانت نصًّا نحويًّا ، أو إثبات دليلها إن كانت فَهماً للنصّ ، وهي بذلك : تتبّع استرجاعيٌّ بدءًا بنصوص متأخرة عوداً على نصوص متقدمة .

أما التقويم : فقد جاء في اللغة بمعنى (التعديل) فـ:قوّمته تقويماً فتقوَّم بمعنى: عدّلته فتعدَّل واستقامَ ، وقوّم دَرْأهُ ، أي : أزال عِوَجَه ، وتقوَّم الرمحُ ، أي : اعتدل

وهو بالمعنى الذي اعتمدنا تطبيقه في دراستنا هذه وجهٌ متميزٌ من أوجه التحقيق ، ومُتِمٌّ له ، من حيث إنّ المسألة النحوية قد تُفهم خطأً في الدرس النحوي ، بأن تُعرضَ صورةٌ واحدةٌ من صورها في حين أنَّها عند سيبويه على غير ما فُهِمتْ منه ، أو فيها أوجهٌ أخرى مع الوجه الذي ذُكِرَ فيغدو تحقيق المسألة بعرضها على كتاب سيبويه فَهماً ، واستنباطاً ، واستقراءًا تقويمًا للرأي المتأخّر المفهوم خطأً من الكتاب ، أو ناقصًا ، أو غير مكتمل عمّا أراده في حقيقة هذه المسألة أو تلك .

وهو مصطلح متداول في الدرس المعاصر أيضاً ومنه على سبيل المثال كتاب (تقويم الفكر النحوي) للدكتور علي أبي المكارم .

أهمية الموضوع:

تأتي أهمية هذا الموضوع من حيث :

إنَّه دراسة للعالم ، وآرائه النحوية في مؤلفات النحاة ، تحقيقاً، وتقويماً وصولاً إلى معرفة الكيفية التي فُهِمَ بها سيبويه أولاً ، ومن ثمَّ نصُّه ثانياً في التراث النحويّ اللاحق .
إنَّ بعضاً من هذه الآراء المعزوة خطأً إلى سيبويه ، قد شاعت في الدرس النحوي ، ومازالت كذلك ، ويُدَرَّس بعضها للطلبة .
إنها أول أطروحة جامعية تتناول بالدراسة هذا الموضوع في الدرس النحوي بحسب ما اطلع الباحث عليه من مصادر ؛ إذ لم تؤلَّف فيه على الرغم من مبلغ أهميته إلا بحوثٌ مستقلّةٌ ، أو مباحثُ في ضمن مؤلفات ومن ذلك : مبحث للدكتور حسام النعيمي في كتابه (النواسخ في كتاب سيبويه) بعنوان (ما نُسب إلى سيبويه خطأً)، وبحثٌ للدكتور طه محسن بعنوان (سيبويه في شرح ابن عقيل) .

لهذا كلّه سعى الباحث إلى تتبّع مواضع النقل عن سيبويه في الدرس النحوي اللاحق ، واستقصائها في عملٍ اللهُ وحدَهُ يعلمُ ما بُذل فيه من جهدٍ مُضْنٍ ، وما تحمّله الباحث من مشقّةٍ وعناءٍ في جمعِ هذه الآراء من بطون المؤلفات النحويّة ، وموازنتها بآراء سيبويه في كتابه ، وهي الصعوبة الأخرى التي واجهت الباحث وذلك لتفرّق آراء سيبويه في كتابه وتناثرها في أغلب الأحيان . وقد كفى الباحث الأستاذ المرحوم محمد عبد الخالق عضيمة وصف مشقة هذا العمل بقوله : " الرجوع إلى سيبويه في كلّ مسألة من الصعوبة بمكان ولا شيءَ أشقَّ منه ، وليس أدلَّ على ذلك من أنّه قد خفي ما في سيبويه على كثير من الأئمة الأعلام ، فكيف بغيرهم ممن لم يبلغ مَبلغهم ، ولم يدرك شأوهم؟ " (2).

مكونات الدراسة :

اقتضت منهجية البحث تقسيم الأطروحة إلى خمسة فصول :

- كان الأول منها فصلاً تمهيدياً عنوانه (سيبويه والدرس النحوي اللاحق – دراسة وصفية لمنهج التعامل-) تضمن أربعة مباحث وعلى النحو الآتي :

المبحث الأول : (ملامح النقل عن سيبويه) وتضمن فقرتين : أولاهما : دواعي النقل عن سيبويه ، أما الأخرى : فتناولت : طرائق النقل عنه .

المبحث الثاني : (طبيعة النقل والفهم الخطأين عن سيبويه) وتضمن أيضاً فقرتين ، أولاهما : أنماط النقل الخطأ ، أمّا الأخرى فتناولت : أسباب هذا النقل الخطأ .

المبحث الثالث : (نحو سيبويه بين الثبات والتجديد) وعرض الباحث فيه أهمَّ ملامح التغيير الذي طَرَأَ على مسيرة الدرس النحوي بعد سيبويه مع الإشارة إلى ما استقرَّ على حاله من هذا النحو .

المبحث الرابع : (كيف فُهم سيبويه في التراث النحوي اللاحق؟)

وتناول الباحث فيه حقيقة فهم النحاة لسيبويه ، ولكتابه ، وذلك بعرض بعض النصوص التاريخية ، وآراء بعض الباحثين المعاصرين الذين فهموا منها أنَّ ثمّة فصلاً قد تمَّ في الدرس النحوي بين الرجل ، وكتابه ، ومحاولة مناقشتها والردّ عليها . وصولاً إلى إعطاء تصوّر عن كيفية فهم النحاة لآراء سيبويه ، وأقواله في الدرس النحوي عارضاً بعض ملامح القصور في هذا الفهم .

(الدراسة التطبيقية):

أما الفصول الأربعة الباقية فقد تضمنت (الدراسة التطبيقية) والتي تناول الباحث فيها تحقيق المسائل التي نُقِلَتْ عن سيبويه، وَفُهِمَتْ خطأً وتقويمهما ، وقد تناولتُ هذه المسائل كلاً في موضوعه وعلى النحو الآتي

- الفصل الثاني : (المقدّمات النحويّة) وقسّمه على ثلاثة مباحث تناولت فيها : الكلام وما يتألف منه ، والإعراب والبناء ، والنكرة والمعرفة .

- الفصل الثالث : (المركّب الاسميُّ ونواسخه) وتضمّن مبحثين : المبتدأ والخبر ، ونواسخ الابتداء .

- الفصل الرابع : (المركّب الفعليُّ) وتضمّن أيضاً مبحثين : الفعل (نواصبه ، وجوازمه) ، والفاعل ونائبه .

- الفصل الخامس : (متعلّقات الجملة) وتضمّن أربعة مباحث تناولتُ فيها : المنصوبات ، والمجرورات ، والتوابع ، والأساليب .

وسبقت كلَّ ذلك مقدَّمةٌ ضمّنها الباحث الحديث عن أهمية الموضوع ، ودواعي اختياره ، وأقسامه ومنهجه ، وتبعها خاتمة اشتملت على أهم النتائج التي توصلت إليها ، ثم أتبع ذلك بثَبَتٍ للمصادر والمراجع التي استعَنْتُ بها في هذه الإطروحة .

منهج الدراسة :

أما المنهج الذي اعتمده الباحث في هذه الدراسة فقد تأسَّسَ على مبدأين :

أولهما : اعتماد القراءة التحليلية الموضوعية لنصوص الكتاب ، وقراءتها كما هي ، لا تفسيرها على وفق نظريات وأحكام بعدية . وهذا لا يلغي الاستعانة على فهم هذه النصوص بعبارات بعض النحاة ، ولاسيّما القريبين منهم من عصر سيبويه ، وكذلك شرّاح الكتاب كالسيرافي .

أما الآخر : فهو التزام منهج خاص في النظر إلى آراء سيبويه التي طالما غَفَل عنه الباحثون في كتابه ويمكن أنْ يصطلَح عليه بـ(النظرة الكلية) ، ويعني الباحث بها : محاولة تَتبّع آراء سيبويه المتفرقة في المسألة الواحدة وجمعها ، ولمِّ شتاتها، لإعطاء صورة أقرب ما تكون إلى حقيقة رأيه تُستلخص من مجمل هذه الآراء لا من رأي واحد منها؛ لأنَّنا نحسب أنّ أراء سيبويه في المسألة الواحدة ، والمبثوثة في كتابه لو جُمعت فإنّ بعضها يُفسر بعضاً في الغالب.

خاتمة الدراسة ونتائجها :

لقد كان ما تقدّم من جهد سَفراً في رحاب الدرس النحوي العربي الأصيل ، جالَ فيها الفكرُ بين مرحلتين : مرحلة التأصيل (كتاب سيبويه) ، ومرحلة الإيصال (الجهد النحوي اللاحق) محقّقاً هذا الجهد ومقوِّماً إيّاه، ومبيناً نظرة النحاة إلى الكتاب ، وصاحبه ، وكيف استقبلوه ، وتعاملوا معه ، وفهموه .

ويمكن إجمال أهم نتائج هذه الدراسة بما يأتي :

أبانَ البحث دواعي النقل عن سيبويه ، وطرائق النقل عنه مشفوعةً بالأمثلة التوضيحية بما يؤسِّس مدخلاً يعطي تصوّراً عن مكانة الكتاب في الدرس النحوي ، وكيف استُخدم مصدراً للاحتجاج ، ومعيارًا للتأييد ، والرفض ، وحسم الخلاف ، واستخلاص القواعد ، والاستدلال عليها . وتبيّن أنَّ الطريقة الأكثر في النقل عنه هو الأسلوب المباشر .
بيَّنَتِ الدراسةُ أنماط النقل غير الدقيق عن سيبويه ، وأهم أسباب النقل الخطأ عنه استَخْلَصَتْها من مجمل الآراء التي عُزيت إليه خطأً تمهيداً لتناولها في الفصول التطبيقية بشكل مفصل ، فهي محاولة إذن لإعطاء صورة متكاملة لهذا النقل في جانبيه : الوصفي ، والتطبيقي ، وتمثلت أنماط النقل الخطأ بالآتي :-

- الخطأ في نقل أحكامه ، والوهم في عزو الآراء إليه .

- أن يُعزى إليه رأي في مسألة ، وكتابه خلوٌ منه .

- زيادة عبارةٍ ، أو مصطلحٍ على قول سيبويه ممّا لم يَرِدا عنده .

- الوَهَم في فَهم كلامه ، وتفسير أقواله ، أو تحميلها ما لا تحتمل من التقدير والتأويل .

- أن يُعزى إليه رأي . وهو في الأصل لشيوخه : الخليل ، ويونس وغيرهما .

- أو يكون العكس من ذلك ، أن يُعزى الرأي إلى شيوخ سيبويه ، وبعد البحث والتقصّي تبيّن أنه لسيبويه وليس لشيوخه .

- أن يُشاع خلاف بين سيبويه وأحد العلماء وحقيقة الأمر خلاف ذلك .

- الخطأ في نسبة المصطلح إليه .

- الخطأ في نسبة الأمثلة النحوية إليه .

أما أسباب النقل الخطأ عنه فَخَلُص البحث إلى أنها تمثلَّت بالآتي :

- تناثرُ أقوال سيبويه وآرائه في الكتاب ، وتشابك أبوابه .

- عدمُ وضوح عباراته في بعض الأحيان ، وتنوع أساليبها بين الصعوبة والسهولة ، والإيجاز والإطناب ، وتعدّد أوصافه للحكم الواحد .

- خلطُ النحاة أقواله بأقوال شرّاحه، أو بما أقحمه النسّاخ في كتابه من عبارات.

- الفَهمُ الذاتي لعبارات سيبويه ، وما أثاره هذا الفهم من مناقشات ضاع معها رأي سيبويه الصحيح في المسألة .

عرضت الدراسة للثابت ، والمتغير من نحو سيبويه في الدرس النحوي اللاحق مع بيان ما آنتابَ هذا التغيير من قصور وخلل ، وما تضمَّنها من أصالة وجدَّةٍ ونفع . وقد لاحظت أنّ أهمَّ مناحي هذا التجديد هو التجديد في المنهج والأسلوب ، وأصول النحو ، والمادة النحوية والتي تضمّنت : المصطلح ، والعلل ، والأحكام النحوية .
عرضت الدراسة إلى الكيفيّة التي فُهم بها سيبويه في التراث النحو اللاحق ، وتناولت محورين : كان أولهما : فهم الشخص ، أما الآخر : ففهم كتابه (أقواله ، وأحكامه) في الدرس النحوي . وصولاً إلى إثبات التوحد والتكامل بينهما (مؤلِّفاً ، ومؤلَّفا) .

وقد ثبت في المحور الأول : أنَّ النحاة كانوا ينظرون إلى سيبويه نظرة إكبارِ ، وإعزازِ وبذا وصفوه في مؤلفاتهم ، وتعاملوا معه فكان صاحب الكتاب ، ومؤلِّفَهُ وواضعه ، ومن ههنا حاولنا مناقشة ما تردَّد في الدرس النحوي العربي قديماً وحديثاً من نصوصٍ شكَّكت في نسبة الكتاب إلى سيبويه وجعلته كتاب الخليل أو كتاب أساتيذه . معتمدين ثلاثة أُسسٍ في هذا الرد تمثَّلت : بالنصوص التاريخية الكثيرة التي تعاملت مع الكتاب على أنه كتاب سيبويه ، والنصوص النحويَّة المستفيضة التي نقلت الآراء عنه ، وعزت الأقوال إليه ، ثم نصّ الكتاب نفسه . لتنتهي إلى نتيجة مفادها : أنَّ كتاب سيبويه كان ثمرة مرحلة علمية سابقة ، وإنتاج تفكير علمي سابق ، وخلاصة نقاشاته ، وحواراته ، وتعقيداته . نقلها سيبويه بكل أمانة ، وهذّبها ، وشذّبها ، وزاد عليها كثيراً من الأحكام ، والمصطلحات ، والعلل ، مخالفاً تارةً ؛ وموافقاً أخرى ، ومحلّلاً ، ومفسّراً ، ومقعّداً ، وبذلك لا يمكن أن يكون الكتاب لغيره .

أما المحور الثاني : فعرض الكيفية التي فُهِمَ بها الكتاب (آراء سيبويه وأقواله) وأثبت أنّ الكتاب كان المحِّفز للعقلية العربية ، والدافع لها في تبنّي منهج جديد في التفكير والتأليف ، إذ نقل الدرس النحوي من سماعية التلقّي إلى التدوين .

وبذا كان مصدراً لتشريع الأحكام النحوية ممّا أخضعه لديهم إلى التفسير ، والتأويل والشرح ، والقراءات المتعددة ، محاولين استنباط الأحكام ، وتوضيحها ، وتقنينها . مبيّناً ما شاب بعض آليات القراءة هذه من قصور تمثل بالآتي :

- قصور في النظر إلى آراء سيبويه تمثل بالابتعاد عن النظرة الكلية في التعامل مع هذه الآراء . وذلك بجمع متفرّقها واستخلاص حكم من مجمل هذه الآراء .

- القصور في النظر إلى الرأي الواحد من آرائه ، إذ اتسمت هذه النظرةإلى الرأي الواحد بالاجتزاء ، أي فهمه من زاوية واحدة مع احتماله أكثر من وجه .

- الافتقار إلى المنهجية الموحّدة في عرض آرائه .

- فهم بعض أقواله وأحكامه على وفق نحو المرحلة ، مما سبَّب شيوع الجانب المنطقي في تفسير هذه الأقوال .

ولم يَفُتِ الدراسة أنْ تُشير بعد هذا إلى أنَّ هذه المؤاخذات ، والملاحظات على مجمل الأثر النحويّ بعد سيبويه لا يُنقص من قيمة ما قدَّمه أولئك النحاة الأعلام في خدمة عربيتنا الخالدة ، وما بذلوه من جهد في إثرائها .

5- صَحَّحَت الدراسة نسبة (ثلاثمائة) مسألةٍ نحويّةٍ عُزيت إلى سيبويه خطأً أو أكّد الباحث تصحيحها ، وعلى نحوٍ مما يأتي :-

- تصحيح نسبة (أربع وخمسين ومائة) مسألة نحوية عُزيت إلى سيبويه خطأً .

- تأكيد نسبة (اثنتين وعشرين) مسألة عُزيت إلى سيبويه خطأً وصحَّحها باحثون معاصرون .

- تصحيح نسبة (خمسٍ وثلاثين) مسألة فهم النحاة فيها أقوال سيبويه خطأً

- تصحيح نسبة (أربع وعشرين) مسألة عُزي فيها إلى سيبويه أنه يخالف النحاة ، أو يخالفه النحاة ، وثبت خطأ ذلك .

- تصحيح نسبة (عشرين) مسألة عُزي فيها إلى سيبويه رأي واحد ، وثبت أنَّ له فيها أكثر من رأي ولم تتم الإشارة إلى ذلك .

- تصحيح نسبة (إحدى وثلاثين) مسألة عُزي الرأي فيها إلى سيبويه ، وهي في حقيقتها ليست له ، وإنما لشيوخه من مثل : الخليل ، والأخفش الكبير ، ويونس (رحمهم الله) .

- تصحيح نسبة (أربع عشرة) مسألة عُزي الرأي فيها إلى شيوخ سيبويه من مثل الخليل ، ويونس ، وهي في حقيقتها لسيبويه .

وهنا لابُدَّ من الإشارة إلى أمرين :-

أولهما : أنّ هذه المسائل (الثلاثمائة) قد يشترك في نسبتها إلى سيبويه أكثر من عالم ، وبهذا فإنَّ هذا العدد كان سيزيد لو أخذنا آراء النحاة جميعاً في المسألة الواحدة . ولكننا اكتفينا بذكر المسائل لا الآراء .

أما الآخر : فإنّ المسألة الواحدة قد يجتمع فيها أكثر من إجراء كأنْ يجتمع فيها : نقلٌ خطأ ، أو فهم خطأ ، أو ردود النحاة على سيبويه ، وقد عرضتُ تفصيلات ما تقدّم في متن الدراسة .

6- أوردتِ الدراسةُ عدداً من ردود النحاة على سيبويه ، محاولة مناقشتها ومحاورتها ، وعرض أدلة الطرفين وصولاً إلى ترجيح أحدهما .

7- لم تقف الدراسة عند حدّ تصحيح خطأ النسبة حسبُ ، وإنما حاولت مناقشة آراء سيبويه نفسه ، ومحاورة أقواله لأُثبتَ من خلال ذلك عدم استقراره في مسائل بلغ تعدادها (إحدى عشرة) مسألةً .

8- حاولتِ الدراسة متابعة بعض الآراء التي صُحِّحَتْ نسبتهاإلى سيبويه في بعض مؤلفات المتأخرين التي تُدرَس في الجامعات العراقية مثل (شرح ابن عقيل) محاولة إثبات الرأي الدقيق فيها والإشارة إليه ، ومن ذلك مسألة فتحة اسم (لا) ، وعلّة بناء الاسم أهو شبهُهُ بالحرف أم غير ذلك ؟ .

9- أشارتِ الدراسة إلى بعض الآراء التي استخلصت من كتاب سيبويه من غير إشارة إلى ذلك ، ومنها مثلاً العامل في المبتدأ .

10- أثبت البحث من مجمل الآراء التي نُقلت عن سيبويه أنَّ الدرس النحوي اللاحق استمر متأثراً بنحوه محاولاً محاكاة ما في كتابه من آراء ، وأحكام ، وأقوال ولم تتبدل مجمل النظرية النحوية بعده وإن تغيرت ففي بعض جوانبها ، ونواحيها. وما خطأ نسبة (ثلاثمائة) مسألةٍإلى سيبويه مستخلصةً ممّا يقرب من (أربعة الآف) جذاذة نقلت أقواله إلا دليلٌ على هذا التوخّي للدقّة ، والمراجعة المستمرة للكتاب ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً

وفي الختام إنَّ هذه الرسالة تدعو إلى مراجعة تراثنا النحوي ، وإعادة النظر فيه، وتَقصّيهِ في محاولة لتحقيق هذا التراث المبارك ، وتقويم ما انحرف عن مساره ، وخرج عن مضماره في بقية جهد سيبويه : لغةً ، وصرفاً ، وصوتاً ، وبلاغةً ولدى غيرهِ من العلماء ممَّن لهم مؤلفات وصلت إلينا من مثل : الفراء ، والأخفش ، والمبرد .

(1) الكليات : 296 .

(2) المقتضب : 1/127 (مقدمة المحقق) .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى