علجية عيش - التجربة البومديينية في تأسيس جيش شعبي ثوري يكون درع الأمّة

تعترف الأمّة برجالها العظماء

من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب..هي رسالة لخصوم الرئيس الراحل هواري بومدين الذي ما يزال حيا في قلوب من عرفوه و عايشوه و حتى في قلب الجيل الذي ولد بعد وفاته، و عرفه عن طريق إنجازاته، ليس الموضوع طبعا للتذكير بإنجازات هذا الرجل و الجزائر تحيي ذكرى وفاته الـ: 42 ، و لكن للوقوف على منظوره كعسكري في دور الجيش، و ما ينبغي أن يقدمه في ظل المخاطر التي تهدد البلاد، و لعل التجربة البومديينية العسكرية قد أعطت ثمارها اليوم، عندما وقف الجيش الوطني الشعبي أمام الشعب في حراكه الثوري الذي انطلق في 22 فبراير 2019 من أجل جزائر آمنة مستقرة حتى لا تتكرر تجربة التسعينيات عاشت الجزائر فيها حربا أهلية أتت على الأخضر و اليابس



تلعب المؤسسة العسكرية دورا هاما في حماية وحدة التراب الوطني و حدوده و صد الهجمات الإرهابية و مواجهة التطرف العسكري إذا ما دخلت دولتين في حرب مسلحة أو تعرضت لغزو استعماري، و للجزائر لها تجربة لا يستهان بها في مواجهة الجيش الفرنسي الإستعماري ، حيث كانت المؤسسة العسكرية ممثلة في جيش التحرير الوطني محطة مفصلية في تاريخ الثورة الجزائرية عندما اجتمع العقداء العشر في الفترة الممتدة بين 1959 و 1960 فيها انتقلت الحكومة المؤقة إلى العقداء، و خلالها أنشأت هيئة الأركان العامة EMG التي أسندت رئاستها إلى العقيد هواري بومدين، في وقت لم يكن بالسهل على جيش ( جيش الحدود) أن يتحرك و ينتقل أمام ثورة ثقيلة تميزت بمواجهة خَطَّيْ موريس و شال على الحدود الشرقية و الغربية، و فرض النظام و الإنضباط داخل عناصره، و بناء قوات مدربة و ذات تسليح متطور.

لقد غير نظام و انضباط الجيش مسار الأحداث و التاريخ عندما تجاوز الصراعات مع الحكومة المؤقتة فيما عرف بأحداث صيف 1962، حيث ارتقى جيش الحدود إلى مصاف جيش الدولة الجزائرية و إضفاء عليه طابع الشرعية الثورية، خاصة مع استدماج جهاز الإتصالات و الإستخبارات الذي كان تابعا لوزارة الإتصالات و الإستخبارات الذي أسسه عبد الحفيظ بوالصوف، كان الرئيس هواري بومدين يتمتع بحاسة أمنية عسكرية خاصة، دفعته إلى تأسيس دائرة خاصة داخل الجيش يكفل له جمع المعلومات و المراقبة في كل الإتجاهات سواء داخل الدولة بجميع مؤسساتها، أو داخل الجيش، كان هذا بالتحالف مع أحمد بن بلة ، و مع صعود بومدين إلى سدة الحكم توسع دور المؤسسة العسكرية نظرا للأخطار التي كانت تهدد الجزائر في مرحلة اتسمت بالتجاذب بين سلطة الرئيس بن بلة و وزير الدفاع هواري بومدين، إلا أن النصر كان في كفة بومدين و هذا بفضل رؤيته المستقبلية للمؤسسة العسكرية.

لا يمكن إنجاز ثورة حقيقية بدون جيش أصله شعبي و إيديولوجيته ثورية

(هواري بومدين)


وقد تحدثت بعض الكتابات عن تصور الرئيس هواري بومدين لدور الجيش في مهمة الدفاع عن الوطن و حمايته، و هذا بحكم تجربته العسكرية يوم كان وزيرا للدفاع، و ترأسه مجلس الثورة و إشرافه على الحزب، تجلى ذلك في خطاباته التي كان يلقيها أمام الضباط و القوات المسلحة، حيث كان في كل خطاب يشيد بدور عناصر الجيش واصفا إياهم بـ: "درع الثورة"، لأنه استمد قوته من الشعب، و أن جل عناصره من أبناء الفلاحين و العمال الذين حافظوا على علاقتهم بالشعب، و يؤكد أنه "لا يمكن إنجاز ثورة حقيقية بدون جيش جماهيري المنبع، ثوري المفاهيم، منحاز إلى قوى الشعب الكادحة، لأنه لا يتجزأ من الشعب، ففي خطاب ألقاه على ضباط الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال في 10 جويلية 1965 ، بعد تسلمه الحكم ، قال أن الجيش يساهم أيضا في معركة البناء و هو في خدمة الشعب و يحافظ على مكتسبات الشعب و يحمي الثورة من أعدائها في الداخل و الخارج، و لذا يتعين على إطارات الجيش أن يتمتعوا بنفس الوعي و التوجه.

الجيش يعكس روح الأمّة و هو وصي على الدولة

(هواري بومدين)


لم تكن نظرة بومدين للجيش ضيقة و إنما كانت نظرته نظرة استشرافية مستقبلية، حيث ظل خطابه تردده الأجيال جيلا بعد جيل، و هو الذي قال في إحدى خطاباته أنه "يتعين على الجيش أن يؤمن بعقيدة و إيديولوجيا الشعب كأساس لبناء البلاد"، فقد عمد هواري بومدين إلى تكوين جيش شعبي و ثوري من خلال تركيبته الإجتماعية و الثورية، و إيديولوجيته السياسية، و قال: "لا يمكن أن تنجح ثورة بدون وجود جيش أصله شعبي و إيديولوجيته ثورية"، لم يتوقف دور الجيش حسبه على المجال الدفاعي و التنموي، بل في حل الصراعات السياسية بين مختلف فئات المجتمع و الإرتفاع على الخلافات الحزبية ، بهذه النظرة و التصور كان بومدين رجل صرامة، رجل يمتلك قوة الفكر و التعقل و التدبير في مرحلة سيطرت عليها النزعة الجهوية و العروشية، لأنه كان يرى أن المهمة تسبقها تفكير و تنظيم قبل الإقدام على الفعل من أجل تنظيم الصف و توحيده، إلا أن نظرة بومدين لم تنج من انتقادات القادة الآخرين، و هنا وقع بومدين في خلافات معهم و من بينهم العقيد شعباني عندما طالب هذا الأخير تطهير الجيش من الذين وصفهم بالدخلاء و خلافه مع بن بلة عندما عين الطاهر زبيري قائدا لهيئة الأركان العامة للجيش، و اعتبر بومدين هذا القرار تجاوزا للخطوط الحمراء.

هاهي 42 سنة تمر على وفاة الرئيس هواري بومدين، لكن صوته لا يتردده صداه في أذن الأجيال، و هي أفكره تطبق اليوم، و لا شك أن نجاح الجيش اليوم في أداء ادواره يعود الفقضل فيه إلى تصور بومدين لمستقبل الجيش، جعلت صورته ترتبط بالزعامة، حيث كان شخصية "كاريزماتية" تعرف كيف و متى توجه و كيف تقود و كيف تؤثر في الآخر، شخصية أثببت كاريزمايتها يوم جلس على كرسي منبر الأمم المتحدة و ألقى خطابه الشهير كزعيم، كانت الصرامة و الجدية تبدو على ملامح وجهه ، و ها هو الجيش الشعبي الوطني يطبق تعاليمه و وصاياه، بالوقوف في صف الشعب يوم خرج في مسيرات سلمية في 22 فبراير 2019 و تبني خياره من أجل تهدئة الوضع و حماية البلاد من فتنة جديدة قد تدخل البلاد في متاهات و تكون أسوأ من العشرية السوداء.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى