بهجت العبيد - تهنئة المسيحيين... ما بين شيخ الأزهر ومحمد صلاح

هالني كم الهجوم الوقح على مولانا شيخ الأزهر الشريف الشيخ الدكتور أحمد الطيب، بعد فتواه، العام الماضي، بجواز تهنئة الأخوة المسيحيين في أعيادهم، فكم كان الهجوم قويا وشرسا، وكم كانت دهشتني ممن صدر عنهم هذا الهجوم، حيث تنوعت فئات المجتمع التي شاركت فيه، وحيث ادعى كل منهم علما بالدين، ولقد انبريت دفاعا عن الرجل في الكثير من المواضع، فكان الهجوم يطالني، بل الشتم والسب والقذف، هذا الذي جعلني أتساءل عن طبيعة مجتمعاتنا الإسلامية، وهل مهيئة لقبول الآخر؟ أم علينا أن نسير الطريق الوعرة من أولها ونعترف أن المجتمع لم يخط في هذا الاتجاه خطوة واحدة بعد؟!.

لم يقتصر الهجوم على فضيلة الإمام شيخ الأزهر، بل طال الهجوم كذلك دار الإفتاء المصرية التي أعلنت جواز تهنئة المسيحيين، بل اعتبرت ذلك من البر، أما نجم الكرة المصرية والعالمية محمد صلاح فلقد تنمّر به وبأسرته المتنمرون رافضو الأخذ بفتوى شيخ الأزهر ودار الإفتاء المصرية، وذلك حينما نشر صورة له مع زوجته وطفلتيه ويظهر فيها شجرة عيد الميلاد، فلاقى النجم الكروي ما لاقى من هجوم شرس، الطريف فيه أن هناك من اعتبر احتفاله نوع من "التقية"، إن جاز الوصف، لمغازلة الجماهير الأوروبية والعالمية، وهناك من ذكر أنه لاعب كرة ولا يفقه في الدين شيئا، ومن ذكروا ذلك فات عليهم أن كل من شيخ الأزهر والمفتي، أجازا هذه التهنئة، وبالأمس فقط وصف الشيخ الدكتور أحمدكريمة العالم الأزهري من يرفض تهنئة المسيحيين بأعيادهم بالمتنطعين.

إن مولانا شيخ الأزهر الشريف وهو من هو من حيث العلم والتخصص والوعي ولم ينج من الهجوم والتطاول لأنه أطلق فتوى تتفق مع العقل وبكل تأكيد لها ما يسندها من الشرع، لا لشيء، سوى لأن هذه الفتوى نزلت على قلب مغلق وعقل خاو، لا، حاشا لله، بل عقل قد تم تركيبه بحيث لا يقبل غير ما تم حشوه فيه حشوا، ولم يعد، لضيقه، يستطيع أن يتقبل ما ليس من مقاسه من اجتهاد حتى لو كان هذا الاجتهاد من رأس أعلى مؤسسة إسلامية في العالم.

يقول أبو الوليد بن رشد أحد أعظم الفلاسفة المسلمين، وأحد أعظم الفلاسفة على مر التاريخ، أنه لا يمكن للنقل أن يتعارض مع العقل، وإن بدا ذلك، فمرجعه، في كلمة واحدة، إلى خلل في فهم النص، فالرجل ثقته في العقل مطلقة، كما إيمانه في النص الصحيح، الذي لم يتدخل فيه راو، ولم يبدل فيه مفتئت على الدين، مطلق كذلك.

وليس هناك عقل ولا عاقل يمنع أن تقوم فئة تنتمي لعقيدة ما بتهنئة فئة أخرى تنتمي لعقيدة لمغايرة بمناسبة عيد من أعيادها، أو بمناسبة حلول مناسبة من مناسباتها الدينية، في ذات الوقت الذي يسمح لهذه الفئة بالتعايش مع الأخرى، بل أكثر من ذلك، بالزواج منها، وتوفير السبل لها للإتيان بشعائرها، إنه التناقض في أبشع صوره، والتنطع، في أقبح معانيه.

ويظل لدي قناعة عميقة أن هناك من يحاول دوما إزكاء روح العداوة بين البشر على أسس مذهبية وعرقية، ويظل اليقين الأعظم لدي أن الدين يتم استخدامه ليصبح مُفَرِّقا بين الشعوب، بدلا من أن يكون جامعا لهم، فنجد هناك من يجعل من الدين الذي هو عبادة لله سبحانه وتعالى وسيلة وسببا للكره والبغضاء بين بني البشر، الذين خلقهم الله جميعا، الذي خلق الأديان وبعث الرسل.







بهجت العبيدي
كاتب مصري مقيم بالنمسا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى