رحو شرقي - المدينة و الثالوث..

سأل أحد الجالسين عبدالقادر (البهلول ) ، أظنه كان يتحين فرصة سانحة، إما لمزاحٍ أو لشيء آخر يضمره في نفسه، فالقلوب ظلت صناديق مقفلة واختلط الجد بالهزل!.
توجس عبدالقادر بنظرة استطراد ووجه مشحوب قائلا :
كلكم في هذه المدينة تبحثون عن ابنة الحلال أو قديسة، كأن بيوتكم أصبحت دور عبادة ...حتى الفاجر يبحث عن هذه القديسة، و اللئيم، البغيض، العنصري، المملوك لغيره، الكذاب ...في النهاية سيرتمي الحلال والقداسة بين أحضان السيكوباتية وابناء عمومتها.
أذكر في إحدى المرات، تقدمت لخطبة فتاة وبقيت أنتظر ردا من أهلها، بعد مدة قابلني أبو الفتاة قائلا :
نحن لا نزوج بناتنا إلا للشرفاء،
قالها دون حياء.
حتى أشعرني في تلك اللحظة أنني ولدت من عدم.
ياصديقي أنا لا أصلح للحب، قد تشابه علينا في هذه المدينة.
فوجهي قبيح، وجيبي شحيح،
أم أن الحب عندكم، هو امتلاك ناسخة لطباعة السيكوباتية وأبناء عمومتها؟
تزحزح ذلك الرجل عن مكانه وهو يغمغم قائلا " الله يجيب الخير" وغادر المكان.
كان جواب عبدالقادر بمثابة إنطاق المسكوت، وكشف المستور، لكن أصوات أمثاله لاتتعدى ظله.
في هذه المدينة فاز من خُلقت له الأعذار كقول بعضهم " لاتهتموا لقول فلان أو لفعلته" وهو أحد أبناء عرشهم... "هذا بهلول أو عقون" رغم اقترافه جرما عظيما،
حتى ولو كان أعقل رجل!
وهل هتان الكلمتان " بهلول، مجنون" لا تعني شيئا من المعاني المطروحة لعقلاء المدينة؟
أعتقد أنهما تحملان الكثير، إما عرش يستند عليه، أو مال، أو جاه...لكن في نهاية المطاف، أظنها نصرة ظالمة لمجرم على حساب مظلوم تعرى رأسه، فلا صدر غريض يحتمي به، ولا أخ عزيز يسند ظهره عليه.
ويا ويحى المساكين من هذا الثالوث العظيم في المدينة ... هذا الثالوث الذي بُني من خرسانة العادات التاجية التي ورثُوها وأورثوها!
لو أُمرت بإزالة هضبة ( شارب الريح) من مكانها لكان أسهل من نزع عادة تاجية من عادات أصحابها.
هكذا يتحدث عبدالقادر ( البهلول) دون أن يكنه لاحد.
بالضاحية الجنوبية من المدينة حي ( العرقوب) العتيق، يتوسط ساحتة مقهى صغير متميز بالشاي الأخضر، ذوقه يفتح الصدر ويهدىء النفس.
يجلس عبدالقادر( البهلول) على طاولة بلاستيكية بيضاء ذات الكراسي المفلطحة، أين يجد الجالس متعته، بنظراتهم المغروزة في حركة المارة.
يصفق عبدالقادر للنادل طالبا نصيبه من المتعة ( الشاي الأخضر)، وهو لايتوقف عن رصد كل شيء من تحت مظلة صيفية يحركها نسيم خريفي عليل، لايكاد يخلو من رائحة الخبز الساخن والدجاج المشوي المنبعثة من خلف جدران الملعب، بعدما رُفع الغلق عن بعض المحلات...
وإذا بعبد القادر يحدق إلى شابين في عقدمها الثالث، يرتديان سراويل (جينز) مرخية ونصف خواصرهما ظاهرة للعيان.
قال أحد الجالسين ذو وجه عريض أحمر تغزوه لحية خفيفة بيضاء، يقترب من العقد السادس، يغازل عمامته وعصاه عند حديثه وأترابه يلفهم الصمت، بأذان صاغية قائلا :
أنظروا... لهذين الشابين ...هاهاهاها ..كيف لفرنسا وقد أستعمرتنا قرنا ونصف القرن من الزمن ، لم تقدر على نزع عمائمنا ...أما هؤلاء, مجرد هاتف نقال نُزعت لهم سراويلهم...و
أعتقد أنه يقصد المودة التي كشفت عن خواصر الشباب.
قهقه عبدالقادر ( البهلول) ضاربا يده على الطاولة، حتى كاد أن يسقط كأس الشاي، ويفقد متعته مُثنيا بهذه الحركة على حديث ذلك الرجل الكهل الذي مازال يغازل عمامته وعصاه!
________
شارب الريح هي أعلى قمة جبلية عندنا


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى