محمد عارف مشّه - قراءة في رواية "الكبسولة" لكميل أبو حنيش

كميل أبو حنيش من مواليد بيت دجن قضاء نابلس عام 1975 ، حاصل على بكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية ، من جامعة النجاح الوطنية ، ثم أكمل دراسة الماجستير من جامعة القدس المفتوحة في ( أبو ديس ) في الشؤون الإسرائيلية ، تمّ اعتقاله منذ عام 2003 ، حكم عليه بتسعة مؤبدات وخمسين عاما ( المؤبد الواحد 99 عاما في حكومة الاحتلال الصهيوني ، صدر له العديد من الروايات والقصص والأشعار وغيرها ، منها : رواية خبر عاجل ، ورواية بشائر ، ووجع بلا قرار ، ومريم مريام ، والكبسولة ، ويعمل على إعداد مؤلفات ورواية قيد الانتهاء من طباعتها قريبا من داخل سجن رامون الصهيوني . مع الأخذ بعين الاعتبار دوام واستمرارية تنقل الأسرى الدائم ، في سجون الاحتلال .

الكبسولة :

سميرة الأولى

للمرة الثانية ، أقرأ رواية الكبسولة التي تقع في ( 395 ) صفحة ، وقد أحجمت عن الكتابة عن الرواية في المرة الأولى ، ربما لاندهاشي برقي لغة الرواية وأسلوبها ، والتي تصلح لفيلما سينمائيا ، أو مسلسلا تلفازيا ، لما فيها من مشاهد واقعية تجذبك إليها منذ سطورها الأولى ، فعدتّ للقراءة مرة أخرى بعد مضي قرابة الشهرين ، قراءة خلال هذه الفترة العديد من الروايات للأدباء الأسرى في سجون الاحتلال . فوجدت أن انطباعي في المرة الثانية بقراءة الكبسولة ، لم يختلف عن القراءة في المرة الثانية . فلماذا كتبتُ عن الرواية في المرة الثانية ، ولم أكتب عنها بعد القراءة الأولى إذن ؟

في القراءة الأولى عشقتُ سميرة كما عشقها عدنان بطل الرواية ، سميرة تلك التي تقوم برعي الغنم ، يعرّفك عليها عدنان الرواي البطل ، بأنها بنت تقوم برعي الغنم ، هرب أبواها من بئر السيع المحتل ، إلى غور الأردن ، لأب مُقعد وأخ قد تم قتله ، دون معرفة المزيد من أنه كان يُهرب أشياء من شرقي الأردن لفلسطين ، ولا تفاصيل بعد ذلك . أما عدنان بطل الرواية فهو في السادسة عشر من عمر ، لم يكمل تعليمه لأكثر من ثلاثة أعوام في الصفوف المدرسية ، أمّي لا يعرف القراءة والكتابة ، مارس معنة الرعي ، في الوقت الذي كان فيه أخوه حسان ، قد أكمل الثانوية ، وكان طموحه أن يكمل دراسة الطب في روسيا ، والعودة بالزوجة ذات العينين الزرقاوين والشعر الأشقر .

ربما كان هذا شيئا طبيعيا يحدث كثيرا في الروايات الرومنسية ، وأن يقع البطل في غرام بنت في مثل عمره ، راعية غنم مثله ، مارست رغي الغنم منذ كان عمرها عشر سنوات . لكن سرعان ما يقذف أبو حنيش بالقارئ في بحر متلاطم الأمواج ، أمام قوة شخصية هذه البنت ( سميرة ) ، وثقافتها الأدبية في الشعر والمسرح الشعري والغناء ، وغمس كلامها بأشعار المتنبي تارة ، وعنترة ، وأحمد شوقي ، وغيرهم من الشعراء ، حين كان يقف عدنان ، أمام ثقافة البنت مثل الأهبل كما أسمته بالأهبل في أحيان كثيرة عن مصدر ثقافتها ، فتجيبه من خلال المذياع الصغير الذي تحتفظ به مساء ، تتابع من خلاله نشرات الأخبار والتمثيليات والأشعار ، والقدرة على الحفظ والذي يتميز به البدوي في العادة . ومن هناك يفسر أبو حنيش منذ البداية لاختيارة شخصية سميرة بنتا بدوية وراعية غنم ، لصفاء الذهن والقدرة على الحفظ ؟

يتابع أبو حنيش روايته ، لتجد أن سميرة ليست مجرد بنت للعشق أو النزوات الجنسية ، فهي البنت التي تسطيع اقتلاع عيني من يحاول الاقتراب منها جسديا ، وتستطيع الدفاع عن نفسها أمام الأخرس ، لتكتشف أن الأخرس ليس رجلا عدوانيا شهوانيا ـ يطمع بامتلاك سميرة جسديا من خلال إيحاءاته الجنسية لها ، بل ولكل من يحاول الاقتراب . تستمر محاولات الاقتراب من سميرة ، وتبدأ خيوط العشق بينهما ، هو العاشق بقلبه ومشاعره ، وهي البنت القيادية ، التي تعمل على تثقيف عدنان ، والخروج من الجسد إلى الروح ، إلى أن يقعا في موعد ليلي بينهما ، ليقضيا متعة الاستحمام معا ، في حمام الهنا ـ كما أسمياه ـ ، وحين لم يجد عدنان سميرة في انتظاره ، وعندما انتظرها طويلا ، ولم تأت . غضب ولعن سميرة ، ولعن عشقها ، وقرر معاقبتها في الغد حين يراها ، وقد يضربها ويجعلها تبكي .

لكن ظروف عشق سميرة له كان يختلف ، أو ربما جعل أبو حنيش تلك الليلة ، ليلة تحول في حياته ، في قادته وفسرت له مفهوم هزيمة حزيران عام 67 ، وهي التي أفهمته ماذا تهني كلمة فدائي فلسطيني ، وهي التي غنّت ورقصت وفرحت بانتصار معركة الكرامة عام 68 ، جعلت من سميرة نموذجا لفتاة تعمل على إعداده ليكون بطلا فيما بعد . ففي تلك الليلة التي لم تأت سميرة لحمام الهنا ، جاء له الفدائيون الذين خرجوا له من بين الأشجار ، وبعد أن عرفهم وعرفوه ، واطمأنوا له ، طلبوا منه إحضار الطعام والماء لفدائيين خمسة ، فلبى عدنان النداء ، وأسرع في إحضار الطعام والماء للفدائيين الخمسة سرا بمساعدة أخته سهام ووضعة الطعام في ( صرّة من القماش ) ، وفي طريق عودنه للفدائيين ، يجد دورية عسكرية صهيونية في انتظاره ، ويتم إلقاء القبض على عدنان ، وتكون جولة التعذيب الأولي لانتزاع الاعتراف منه عن موقع الفدائيين الخمسة ، فينمو عشق سميرة تحديا للدورية العسكرية ، وتظهر أغاني سميرة بعد معركة الكرامة نصرا لعدنان ، فيرفض الاعتراف ، ويحتمل سنتان وشهرين مابين الزنازين والسجن ، لم يندب حظه ، ولم يتباكى ، ولم يصرخ ، ولم يملأ رؤوسنا بضجيج الشعارات البراقة ، بل كل أبو أسعد رفيق سجنه ، هذا الرجل القيادي الذي قام بإعداد وتدريب عدنان ، لمرحلة نضالية أخرى ، من خلال الكبسولة ، التي حملت اسم الرواية ، ونتابع تكملة القراءة لرواية الكبسولة بإذن الله في الجزء الثاني من الإضاءة مع ال ( سميرتين ) ، والكبسولة ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى