محمد علي عزب - المعنى والدلالة ( 16 )

اختلف النقاد والباحثون حول طبيعة العلاقة بين مصطلحى "المعنى" و"الدلالة" فهناك تيار نقدى يرى أنهما مصطلحين مترادفين, وهناك تيّار آخر يرى أنهما مصطلحين مختلفين, ومن أبرز ممثلى التيّار الثانى الناقد الأمريكى "هيرش" الذى قال : فى كتابه "صحة التفسير" اٍن ( المعنى هو ما يمثله النصّ وما يعنيه المؤلف حين يستخدم مجموعة معينة من العلامات, أما الدلالة فتشير اٍلى العلاقة بين ذلك المعنى وشخص ما, أو بين المعنى ومفهوم ما )1, ولأن التفرقة بين مصطلحى المعنى والدلالة تشير اٍلى عدم تطابق ما يقصده ويعنيه الشاعر أو المؤلف, وبين ما يستنتجه القارئ, فاٍننى من المؤيدين لهذه التفرقة فالمعنى مرتبط بكتابة وبناء النصّ ومقصدية كاتبه, أما الدلالة فهى مرتبطة بالقراءة وفهم معانى النصّ, وكل قراءة جديدة للنصّ قد ينتج عنها دلالات جديدة, ممّا يعمل على اٍثراء النصّ, ويتسق ذلك مع مقولات النقد الحديث والمعاصر الذى يعطى للقارئ دورا مهما فى اٍعادة اٍنتاج النصّ عبر تفكيكه واٍعادة بنائه واكتشاف بنيته الجمالية والدلالية .
والجدير بالاٍشارة أن مقولة "تعدد الدلالات" فى النقد الحديث والمعاصر لا تعنى بذلك االتعدد وجود تضارب أو تناقض بين الدلالات التى يستنتجها القارئ, ولكنها تعنى اشتراك الدلالات المتعددة فى نواة معنوية واحدة موجودة داخل النصّ الأدبى, فمثلا مفردة "حبيبة" فى النصّ الشعرى قد يرى قارئ أنها تدل على الحبيبة ذاتها, ويرى آخر أنها تدل على الوطن أو الحلم .
وليس المهم فى دلالة النصّ الشعرى هو الدلالة ذاتها ونوعية الموضوع الذى يعالجه الشاعر, فالموضوعات والأفكار كلها صالحة للشعر, ولكن المهم هو كيفية معالجة الشاعر للمعانى والأفكار والموضوعات معالجة شعرية, بشكل رمزى تصويرى يقوم على الاٍيحاء والتلميح, وكيفية اٍنتاج القارئ لدلالات النصّ عبر فكّ الشفرات والرموز, فمثلا فى "القراءة السيميولجية" للنص الأدبى يتم التعامل مع المفردات اللغوية على أنها علامات ودوال لفظية تشير اٍلى مدلول, والدال هنا صورة لفظية تشير اٍلى صورة ذهنية تتكون فى مخيلة القارئ وهى مجكومة بسياق النصّ الشعرى, فمفردة "شجرة" لا تشير اٍلى الشجرة الموجودة فى الواقع كشئ عيني, ولكنها تشير اٍلى تصوّر القارئ للشجرة, وكل قارئ حُر فى تصوره لشكل تلك الشجرة الذى يرسم صورتها فى خياله وفقا لسياق النصّ, وبذلك يتحقق ما يسميه علماء السيمولجيا أو السيموطيقا "علم العلامات داخل النظام الاجتماعى"*2 اعتباطية الدلالة, وليس المقصود بالاعتباطية هو العشوائية ولكن المقصود حرية القارئ فى اٍنتاج الدلالة وفقا لسياق النص الشعرى .
واٍلى جانب العلامات اللغوية هناك العلامات الأيقونية, والأيقونة فى السيميولجيا هى علامة تقوم فيها العلاقة بين الدال والمدلول على التماثل أو التشابه الشكلى, فالصور الفوتوغرافية والخرائط واٍشارات المرور أيقونات سيميولجية, وفى الشعر والأدب فاٍن الصور الشعرية والمجازات علامات أيقونية, تجسّد عبر اللغة الشعرية ملامح العالم الذى يشير اٍليه النص الشعرى, وتستحضره أمام مُخيلة القارئ ليفك شفراته ويستنتج دلالاته, ويمكن أن نعتبر علامات الترقيم ومساحات البياض والفراغات النصية علامات ودوال أيقونية تساهم فى توجيه القارئ واٍرشاده لقراءة النص واستنتاج دلالاته .
ـ


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ د. محمد عنانى ـ معجم المصطلحات الأدبية الحديثة ـ الشركة المصرية للنشر والتوزيع ـ القاهرة 2003م ص 52
2 ـ أنظر المصدر السابق ـ السيموطيقا من ص 153 ـ ص 179

  • مقتطف من الفصل الأول من الكتاب النقدى "مقاربة مفهومية فى مصطلحات شعرية معاصرة" ـ قيد الكتابة



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى