جيمس جويس وأسماك البلادة- أمل الكردفاني

إن أغبى سؤال يمكن أن يطرح على شاعر أو أديب بشكل عام هو: ماذا تعني بهذا الكلام؟
التفت الأدب العربي القديم لذلك، حينما قص قصة اعرابي جلف سأل احد الشعراء:
- يا رجل..لماذا لا تقول ما لا يُفهم؟..
فأجابه الشاعر: يا رجل ولماذا لا تفهم ما يُقال؟..

وبعد قرابة الف عام، يظل سؤال الغباء مطروحاً، ولكنه يتحول لتنين ضخم يبتلع الذكاء، ويحرق الابداع، خاصة مع التوجه العالمي نحو تأنيث الشعوب، والتأنيث هو إطفاء روح التمرد والمقاومة، وتحويل العقول نحو اللعب والتسلية السطحية.
عندما عانيت من عدم الفهم رغم قدراتي المتواضعة مقارنة بعظماء آخرين، طرحت على نفسي ذلك السؤال: كيف استطاع هؤلاء اختراق البلادة المستشرية في هذا العالم.
اثناء ذلك الضيق؛ أحد أعظم أدباء القرن العشرين "جيمس جويس" ورد إلى خاطري بسرعة. فأدب جيمس جويس حتى الآن عصي على الفهم، فكيف كانت بداياته. لقد طرحت على نفسي ذلك السؤال، لكي أعرف كيف اخترق جويس ذلك الحاجز الفولاذي للبلادة. لأفاجأ حينها أنه عانى معاناة كبيرة من ذلك. فصدقت توقعاتي. جويس ك"بيكت" كان عليه أن يُنتج فقط. هذا الرجل الذي عانى طوال حياته، فهرب من ايرلندا إلى فرنسا، لم يحاول تقديم تنازلات كما يفعل الكثير من الكتاب. أولئك الذين يبدأون بالهبوط لأسفل ليحصلوا على القبول العام أولاً. لقد ظل صامتاً، وتلك معاناة عظيمة. حتى هروبه لفرنسا، كان رفضاً للتنازل وليس جُبناً. وهناك تعاقبت رسائل أسماك البلادة المفترسة تطعن في أدبه لدى الصحيفة التي كان يكتب فيها.
إن صمويل بيكت لم يكن بأحسن حالاً من جويس، عندما سخطت الجماهير من مسرحياته.
لكن الملاحظ، في كل تلك الحالات المتشابهة، أن الإفلات من عضات أسماك البلادة كان يحدث بسبب شخص واحد، يملك مفتاح الهروب من بوابات التفاهة.
إن المسألة الأشد بشاعة هنا، هي أنني أستطيع تخيل قيمة الانتصارات التي حققتها تلك البلادة والتي اسفرت عن قتل إبداعات لم نتمكن نحن من معرفتها اليوم عبر التاريخ.
شوبنهاور، وهو أحد الفلاسفة الذين غيروا وجه الفكر الإنساني، خرج من قائمة المفكرين العظماء، ووضع نيتشه في المؤخرة، وجاء ماركس في المقدمة وبعده آينشتاين. رغم أنني متأكد من أن الملايين الذين صوتوا لآينشتاين لا يعرفون شيئاً عن نظرياته.
إن الشعوب تعتمد على الصيت المُسبق، لتضع علامة صاح داخل المربع. وهنا نعيد طرح السؤال الدموقراطي من جديد: هل بإمكان الغالبية أن تكون دائماً على صواب في ظل هذا التأنيث الإنساني.
وأجيب على ذلك بواقعة طريفة، فقد قيل بأن شكوكو (وهو ممثل كوميدي) قال أنه لو نزل إلى الشارع ومعه العقاد فسيتجمهر الناس حوله وليس حول العقاد. فقال العقاد: قل لشكوكو أن ينزل إلى الشارع، ولتنزل معه رقاصة وليرى حول من ستتجمهر اسماك البلادة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى