د. عبدالقادر رابحي - ثلجٌ كثيف يتساقطُ على مئزر الحِلاقة..

1- السّلحفاة

هذه الكلماتُ ليستْ مِلكك
الكلماتُ عُشبُ الأرض..
أنت مجرّدُ عابر
يتقدّم بخطى وئيدة،
مُثْقلاً ببيتِهِ النّازح،
لا يدفعُ ثمن الكراء
ولا يُقاسم الغريبَ كأسًا أو ابتسامة..
أنت لا تجيدُ الرّكض
لكنّك تعرف الطّريق..
متأخِّرًا كما كنت
عن مراسيم المجْدِ المصْكوك
في بنادقِ الجنود العائدين،
لا تفتحُ بابك للآخرين،
ولا تطْرقّ بابَ أحد..
ربّما عمّرت طويلا،
لكنك لم تحرثْ الغيم الهارب،
ولمْ تسْقِ البُورَ الصّاعد إلى أعالي الجبال..
هذه الكلماتُ عشْبُ الأرْض،
تسْري في بطونُ الدّيدان العمياء،
وتقضمُها اليرقاتُ الحالمة،
وتجترُّها بقَراتُ الضّرع الفائض..
يصِل النّهش إلى العظم،
والحَفْرُ إلى رؤوس العروق،
لكنّ الأرض جِلدٌ أملس..
تعوي الذّئابُ الجائعة،
وتتمرّغ الخنازيرُ الدّكناء،
وتمرحُ فئرانُ الحقُول..
قد تغيبُ في هَجْعة النّاسك،
غير أنّك تعاودُ الظّهور
مع كلّ غيمٍ باكِر،
وتصِلُ قبل الجميع
إلى مراسيم المجْدِ المصْكوك
في بنادقِ الجنود العائدين..
الآن فقط
تستطيعُ أن تقْطف وردةً
ثم تموتُ بهدوء..

ـــــــــــــــــــــــ

2-الخفّاش

على عكس ما تظنُّ الشّمس،
لا تكْرهُ الخفافيشُ الظّهور..
الخفافيشُ تظْهرُ كثيرا،
ولكنْ في الظّلام..
الظّلام نورٌ دامس،
تمامًا مثل السرّ،
لا يليقُ إلاّ بأهْله..
الخفافيشُ تعمَلُ بجدّ،
وتتكاثر بمحبّة..
تتسوّق في بريّة الكهوف،
وتقيمُ حفلاتِ زفاف
في قاعات أفراحٍ مكيّفة،
بين صخرة وصخرة
في أعالي الجبال الشّاهقة..
يحضرُ مدعوُّون كُثْر
فيقعُ حسَدٌ قديم،
أو عيْنٌ تكْسرُ الخاطر،
أو غيرةٌ مُلبّسة بـ'البْرَالِين' ..
الخفافيشُ تُحِبّ الحياة،
وتظهرُ كثيرا في العتمة،
لكنّها لا تُخبِرُ أحدًا..
تلك طبيعتُها الأولى..
تعيشُ بعيدًا عن الأضواء،
وتطلّ على العالم المشْمِس
من نافذةِ الكهف الغامر..
تتأملُ سيرةَ العابرِين،
ويُحزِنها أمْرُ العصافيرِ المفتونة بالمرآة
وهي تصطدمُ بزجاج ناطحات السّحاب،
ثمّ تهوي على الأرض قَصائِدَ نافقة..
الخفافيشُ تُشفِقُ على الفراشةِ العاشقة
وتردّد كما العادة:
يا إلهي
ستحترقُ المسكينةُ بعد قليل،
مثل أخواتها الفقيرات،
وهي تقتربُ من هالةِ النّور الهادر. !
ــــ
ـــــــــــــــ

3-الدُبّ

ثلجٌ كثيف
يتساقَطُ على مِئزر الحلاقة
الخريفُ شتاءٌ أبيض..
هكذا يقولُ الدبُّ الحائر
وهو يتأمّل حيلة الصيّاد
في مرآة الصّيفِ القادم..
ثمة احتمالٌ كبير أنْ أصبح معطفًا فخمًا،
أو فَرْوًا عصيًّا على الرِّيح،
أو جيبًا دافئا في حقيبةِ أسرار ..
عادةُ القلوبِ البيضاء
أنْ تتلطّخ بسهولة..
أنا لا أثق في الألوان..
يكفيني بياضي النّاصع..
لن أبدّل الوخز بالشَّهْد،
ولا الوفاء بالضّربة القاضية..
ثمّة أنهارٌ تحت الجليد
طافحةٌ بروائح اليتم..
ثمّة حياةٌ خلْف البياض،
دفءٌ رقيقٌ متوثّبٌ
وسمَكُ سلَمون طريّ
وحوضُ سباحةٍ يُبهِج الصّغار..
فَقْمةُ العشاء الأخير
ستكونُ لذيذةً أيضاً..
نبوءةُ الباقاتِ الملوّنة
التي تترصد ثقْب الأوزون
وتطلق النّار على الصّفاء
في لحظة سهْوٍ قاتلة..
ها أنا أموت مع الفجر
وحيدا كما في الأفلام الحزينة..
مئزرُ الحلاقة الأسود
يغارُ من رغوة البياض
ومن حقولِ القُطْن الآتية من السّماء..
هناك في الأفق الممتدّ
شعاعُ شمسٍ وحيد
وسائلٌ أحمر بريء
ينزّ من صِدْغِيَ الأيسر..
انتهت في: 13/01/2021

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى