مؤيد عليوي - أخرُ عشاءٍ للشاعر تأبط شرا في بغداد

وأنتَ جالسٌ في كوخِ الاعواد
تنتظر أمُّكَ أن تأتيكَ بقدرها الخاوي
تنتظرها ..
...
...
...
أن تفتَّ الخبزَ بصحن حسائك البائت منذ خمسينَ عجافاً
وأنتَ تسألً نفسكَ..
كم مرةْ ..
جئتها من غزوك تمرح بالجراح
كم وطنْ ..
يغارُ منكَ أنْ تحاربَ في صفه
ويغروك بعيش الليالي الملاح على سواتر غربتك التي تشبه السراب ..
وأنتَ تنتظرُ الايامْ ..
...
تنتظرها أن تصفّ أعوادَ الكوخ صفاً صفاً
لتمنع برد الشتاء عن قلبك المفعم بحرارة العشق لقبلة واحدة
مِن أية أنثى ..،
ولو كانت أتانُ جيرانكم الحمّار .
ثم تجلسُ بين يدي زوجتك أنْ تأتيكَ بقدر أمّكَ
تنتظرها تفتَّ الخبز الفائت وباقيا جود المطعام
في ماءِ نبْتة الخبّاز الزائدِ من حسائك الاخير قبلَ سبعين عجافاً
وتنتظر ..
...
...
...
فلنْ تمرّ بكَ الاحزابْ
بلْ لا تدري بكَ أينْ
في جحرٍ.. أم مازالت تطرق الابواب
ماداً رقبتكَ للسنينِ.. قبل يدك للناس
وتنتظر أن يأتي ذاك اليوم وعلى ظهرك كيس الطحين
من كدِّ يمينكَ ..
...
...
...
لا تنتظره فلا عمل في ورشة المحرر " الجنرال مود "
عوالمه صارت عالما واحدا يبيعك وبيع اجدادك العربنجية
فأن الذين أمنو بالتحرير هم الفائزون
في منظور الحزب الواحد وجميع الاحزاب
كلُّ له تحريره ..
وللناس الجوع والخذلان
في كل زمان ..
وأنت مازالت تطرق الابواب
ولا تؤمن سوى بقول علي عليه السلام
ما جاعت أعواد الاكواخ
لولا جشع التجار والسلطان
لو لا شبع قصور النسوان ..
وأمّك مازالتَ تحلم في قبرها
بقول أبيك أن الجنة فيها قصور ومناديل ورقية
تمسح عنها أعباء قدرها الخاوي
يا مَن تقرأ هذا.. هل صارعتْ يوما
همَّ الخبز الحلال
في زماننا وفي كل زمان..
مات الملك وعاش الملك
وثار الثوار...! وطار لحم ونزل فحم
... وكل شيء من اجل المعركة
شعارٌ لا يستثني منه الانسانْ..
وأنت تقفُ على باب التجنيد تردد
"رادله كرون كصوا أذنه "
فصرتَ أنتَ هارباً من معركة الخفاجية
جالساً في مقهى العربنجية
حتى تورّطتَ هذ المرّةْ..
يصدحُ عبد الرازق عبد الواحد بقصيدته من التلفاز
" السابقون هبوبَ النارِ ما عصفتْ "
فتضحكُ غير مبالٍ
بشرطي الامن وكاتب التقارير السرية
لتنشد قولَـك الذي ذهب مثلا " جامنو شرد بالخفاجية "
وضحكتَ على نفسكَ بصوت عالٍ ..
ثم سرحتَ بين الناس في سجن مديرية الامن العامة
" ما تدري الطراك منـين... "
مادا رقبتكَ للسنين
قبل مدّها للناس..
وجاءَ يوم الاحزاب
فتُغلق كل الابواب
بوجهكَ الذي يشبه وجه حمارك الجديد
وصل توا في عربة قطار التحرير الجديد
عفوا هذه المرة دبابة التحرير
مِن افخر انواع الدبابات في العولمة
وكنتَ تضحكُ مثل ناسكٍ وقد جاوزتَ السبعة قرون
" يله خلي ياكلون ..."
على شاشة التلفاز
تفجيرٌ سياسيْ
راح ضحيته ماء وجه الحكومة والاحزاب وووو
وبابَ الشرقي الذي لا يعيره الباب العالي شيئاً من الاهتمام
عاجل عاجل ....
طُرد المذيعُ لخطئه "التفجير ارهابي "
وتم السيطرة على ماء وجه النظام قبل سقوطه الى الارض
عاجل عاجل ....
بيان الحكومة عن التفجير
سنفتح تحقيق وســـ.. ، وســــ... ، وســ...
كان جالساً في مقهى العربنجية
يشاهد البرد يقص أطلاع النهار
يشاهد شاشة التلفاز
ومع اول عاجل
ضرط وسط المقهى الفارغِ إلا منهُ
وردد: "جانتْ عايزه التمت "
فتح عينيه من غفوته تلك
على شاشة التلفاز
دعك الليلَ من عينيه
فتحهما على بياض المقهى
على الشارع ...
على الله
في السماء وعليائه
" إلك الله : يا ع را ق "
مَن المسؤول ؟؟!!!
اذا جمعُ الدول كبيريها وصغيرها
تشجب .. وتشجب ... ؟!
واذا جميعُ المسؤولين
يشجبون.. ويستنكرون وووو ؟!
أذن مَن أدخل المدفع في دبر الواقع
مَن اكل العراق لحماً وقظم حتى العظم منه
" اي قابل ابو تك تك "
...
..
...
ورجعتَ وحيدا
مع وحدتكَ المقدسة
فلا تريد الصحف ولا نشرة الاخبار
ولا الليل ولا النهار
تقرأ وحدك
وتحلم وحدك
لأن الجميع في وديانِ نفوسهم قابعون
لتكنْ أنتَ وحدَكَ
الشمسَ والقمرَ
مثلما العراق وحدهْ
هل تعرفُ معنى أن العراق وحدهْ ...؟!
حين تصادره كلمة
امة عربية صادرته
وامة اسلامية باعته
غنيه مُتعب
فقيره مرهق
فهل جربتَ ان تعيش وحدك
وتحلم وحدك
لتكن مثل وردة لوحدها
فــرحلتَ الى مثواك الاخير مبتسما غير راضٍ عن قرون السنين، وعن رحيل عروة أبن الورد العبسي وابي ذر الغفاري ...
...
...
...
وكان وحيدا العراق في داخلي
وأنا لا أعلم حتى تاريخ ميلادي
حقا لا اعلم
سوى ما في الجنسية
فقد اخبرني أبي : ان التاريخ اصغر مني ..
قال أبي : أنت من العراق .
كان أبي يرى الحربَ قادمة
ولكي يحـميني منها ومِن عسكرة النظام السابق
صغّر السنين في الجنسية ..
ونسي الايام تهاجر بي ...
فلا اعلم تاريخ ميلادي حقا
قالت امي "انت شفت الدينا بتموز بعز الحر
وشفنه كل الخير على وجهكْ .."
كان ابي يعلم تاريخ ميلادي
فلم يخبرني ولم يخبر أخواني العشرة
كي لا يُسرق تأريخي .. في زمان الساحرات
أو أشباه الرجال
لكني أعلم أن أبي
جعلَ من أسماني المُؤيد والناصر للحسين .. ولكل مخلوق مظلوم
فقد سمعتُ أمي مرارا تدعو "فاطمة الزجية وعلي المندوب يا راعي الغروب" أن يحفظاني
في تلك الدار التي ولدت فيها على حبِّ علي وفاطمة كان اسمها العراق
فلــا أقبل ثانيا للحبِّ فيهما : علي وفاطمة وهذه الدار
وعندما بلغتُ سنّا معقولاُ عشقتُ اسم فاطمة بنت اسد وابو طالب وجعفر المروءة
فلتحب أنتَ ما شئتَ ومَن شئتَ
احبوا .. احبوا حتى تغارَ طيورُ الحبِّ منكم
لعلّ الحبَّ يغسلُ وجهَ الصباحات مِن أدران الساسة
احبوا .. تفحلوا
ولكن دون سياسة
فـاذا حكم القساوسة والفقهاء .. صار الدين من سقط متاع
واذا حكم أهل الرواتب الخمسة .. طار الوطنُ ولن يحطّ الى الآن
واذا لعب مَن يريد العدالة الاجتماعية دور المراسل الحربي
وهو يستلمُ ثلاثة رواتبَ نافخاً أوداجَهُ في ساحة التظاهرات..، وكنتَ أنت تراقب الجميع لتقول في سرّك "خابص روحه يهوّس بلحية ونص"..، ثم ترفع صوتكَ بتساؤل ابله :عن أية عدالة اجتماعية يتحدثون مع علامة تعجب في عينك اليمنى وعلامة استفهام في عينك اليمنى الأخرى .. فاغراً جيبكَ للهواء يعلبُ به أنى شاء، وتذهبُ مسبحاً بحمدِ ربكَ ،
وإذا حكم العسكر..
وإذا حكم ...
وإذا ... ، وإذا ...،
وكنتُ جالساً اسمعهم يقولون : " المشكلة ... أنتــه ما تدير بال "
فلم أصغِ لهم ولا للدنيا في شيء.. "هي هيج لا تساوي شسع نعل قنبر هي وكراسيها، سوي زين وعلى الله "
وتضحكُ أنت في سرّكَ
"وتبرطم على الشفة ونص"
مَثلك مَثل الدنيا
"مركصه الوادم على كرسي ونص"
ويضحكُ سنك كأنّكَ لم تضحكْ من قبلُ ..
لا أدري هل تضحكُ مني؟ أم تضحكُ على حالنا وحالكَ الذي غدا موجعاً لكل مَن يراكَ يا عراق..



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى