محمد علي عزب - شعر العامية والشعرية العربية.. وتوَهُّم الازدواج اللغوى (2/1)

يُعرف الشعر العربى بين آداب الأمم المختلفة بأنه الشعر الذى يُكتب باللغة العربية فى المنطقة المُسماة بالوطن العربى, والممتدة من غرب أسيا حتى شمال اٍفريقيا, وكانت بلاد الأندلس قديما ـ أسبانيا والبرتغال حاليا ـ اٍحدى بلاد العرب منذ القرن السابع حتى القرن نهاية القرن الخامس عشر الميلادى, والجدير بالاٍشارة هو أن الشعر العربى فى دول شمال اٍفريقيا يختلف تماما عن الشعر الاٍفريقى, حيث ان الأدب الاٍفريقى يُعرف بين الأداب العالمية بأنه الأدب الذى تكتبه البلاد التى تقع جنوب الصحراء الكبرى, وهو أدب يعبر عن قضايا وتراث القارة السمراء ويُكتب بلغة المحتل الأوربى القديم أو باللغات المحلية الاٍفريقية مثل اللغة الاٍثيوبية واللغة الصومالية, وهناك بعض التشابه بين الأدب العربى فى شمال اٍفريقيا وبين الأدب الاٍفريقى, لكن هناك اختلاف على مستوى اللغة والروح والبيئة الثقافية والتراث .
وبعض الباحثيين العرب المعاصرين يُخرجون الشعر العامى من دائرة الشعرية العربية ؟!, اٍذ أنه من وجهة نظرهم مرتبط بظاهرة "الاٍزدواج اللغوى" فى بلادنا العربية, فأى "ازدواج لغوى" يتحدث عنه هؤلاء الباحثون بين لغة قومية وعاميتها الدارجة التى تنتمى لنفس الجذر اللغوى وهى ليست بدعا بين اللغات فى ذلك, والمعروف أن مصطلح "ازدواج لغوى" أو "ثنائية لغوية" يعنى : ( وجود لغتين مختلفتين أو من جذرين مختلفين عند شعب ما, كوجود اللغتين : الأرمينية والعربية عند الأرمن, والهندوسية والاٍنجليزية عند بعض الهنود )1, والشعر العامى منذ القدم كان يكتب ويدون بالحروف العربية, وأقدم نص زجلى وصل اٍلى عصرنا مكتوبا باالحروف االعرببة كان للزجال الأندلسى يَخْلُف بن راشد الذى عاش فى القرن الخامس الهجرى, وقد نشره المستشرق الألمانى "شتيرن" بمجلة الأندلس سنة 1951م ص 413, وأورده الدكتور عبد العزيز الأهوانى فى كتابه "الزجل فى الأندلس" وهذا جزء منه :
كل مِنْ يِعِيبْ حُبِّى اٍيش يِفيدوا
ذا هَمّ لِيشْ يِلومْ كَذاكْ نِريدو
كل مِنْ يِعِيبْ حُبِّى لِسْ نسمعْ لُو
ونْدارى من نِهوى ونِخضعْ لُو
بُدّ للغلامْ ميمون يخضع لِسِيدو
اٍن تِعبْهُ فى عينى ايش لك فى صدرى
هُوَ طلع لى بالقُرْعَه وأنا وسعدى )2
ويمكن للقارئ االعربى االمعاصر فى أى بلد عربى أن يقرأ هذا النص, ويمكن أن نُعَرِّف العامية بأنها طريقة نُطق لسان الشعب فى هذا البلد أو ذاك لعربية قريش, واٍعمال اللحن فيها وتجريدها من القواعد والاٍعراب, وبالطبع هناك بعض الخلافات فى النطق, وهناك بعض الكلمات التى ذات الأصل الأعجمى قد توجد فى عامية بلد عربى ولا توجد فى عاميات البلاد الأخرى, وقد اقترحت فى كتابى "الشعر العامى العربى .. وقضاياالشكل والتاريخ والتدوين ـ تحت الطبع" أن يتم تدوين الشعر العامى بالرسم العربى للحروف وأن تكتب القاف كما هى "ق", ولينطقها كل قارئ حسب عامية بلده, "قاف" كما هى فى المغرب العربى أو ألف "أ" كما فى مصر وبلاد الشام أو "جيم قاهرية" كما فى بلاد الخليج والعراق والسودان والأردن, وقد كان ذلك مُتَّبعا فى تدوين الشعر العامى فى العصور الوسطى, كما أن استخدام علامات التشكيل سيكون مهم جدا فىى تسهيل نطق الكلمة, واٍضافة لما سبق أرى أنه ممن الضرورى عمل هوامش لتوضيح معانى المفردات الدخيلة التى قد توجد فى عامية دون أخرى, ومن أمثلة تلك الكلمات كلمة "بِلِطْ" بمعنى "سَمِجْ" فى العامية المصرية وكلمة "حاتى" بمعنى جزار و"كُخّ" بمعنى سيئ أو قبيح, وهذه الكلمات من اللغة المصرية القديمة, وكلمة "ماكو" فى العامية العراقية بمعنى "لا يوجد" وهى من اللغة السومرية القديمة, ويقول العراقيون "شاكو ماكو" بمعنى "ماذا هناك أو ماهى آخر الأخبار .


محمد علي عزب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى