أحمد عمر النائلي - رحيل أحد رجالات حزب البعث في ليبيا..

انتقل الى رحمة الله تعالى يوم السبت الثامن من أيار مايو للعام الحالي 2021 وفي مدينة بنغازي
" محمد أحمد السكر الحاسي "
وهو أحد الشخصيات الوطنية الليبية التي عملت في المجال العربي القومي ، منذ أكثر من خمسين عاما ، وكانت مؤمنة بالوطن العربي الكبير والهوية العربية الواحدة ، كأغلب جيلها الذين تأثرو آنذاك بالمد القومي الوحدوي والاشتراكي ، والذي أشعلته ثورة يوليو ناصر في مصر عام 1952 ، رغم أن محمد أحمد السكر لم يكن متفقا بشكل تام مع النهج الناصري رغم إقامته ومساندته إياه ، لارتباطه كما يقول بشخوص أكثر من ارتباطه بأفكار ، بالاضافة الى إنتفاء الحياة الحزبية والتضييق عليها ، وهو ماجعله ينضم في عقد الستينيات من القرن الماضي الى حزب البعث العربي الاشتراكي ، باعتباره حزبا يقوم على مجموعة من الأفكار تم انتاجها وتبنيها من قبل الأباء المؤسسين ، وتقوم على تحقيق دعائم الوحدة والحرية والاشتراكية ، ولم يكن محمد السكر شخصية بعثية عابرة بل كان فاعلا في الحزب و عضوا في مكتب المغرب العربي بالقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي ، وعمل على إقناع الكثيرين للولوج للتيار القومي وخاصة بعد إنهاء دراسته في مصر وقدومه لليبيا ، وأذكر أنه يكن احتراما وتقديرا لكل قومي عربي ، حيث كان يسبقني دائما رغم كبر سنه وعلو مقامه بمعايدة العيد ، ويقول لي أني أحمل تقديرا لكل ذات عربية تؤمن بالوطن والهوية العربية الواحدة ، وجذير بالذكر أنه كان فاعلا منذ صباه ، حيث كان أحد المؤيدين لجمعية عمر المختار عندما كان في مقتبل العمر وأثناء دراسته الثانوية في بنغازي ، وشارك في مظاهرة طلابية إبان حكومة برقة .
ومحمد أحمد السكر الحاسي من مواليد مدينة سوسة عام 1932 , ودرس الابتدائية في مدينة سوسة و المرحلة الثانوية (نظام 5 سنوات) في مدينة بنغازي ، حيث درس في تلك الفترة مع عدد من الشخوص الوطنية نذكر منها الشاعر الليبي رجب الماجري ، فلقد كانت المدرسة مزدهرة بالمسابقات الادبية والثقافية ، حيث كان الطلبة يتنافسون في قرض الشعر و لديهم الرغبة الجامحة في نهل العلم والمعرفة .
بعد ذلك أوفد عام 1954 لمصر للدراسة الجامعية ، ولكنه لم يلتحق بالدراسة إلا عام 1956 ، لرفضه الدراسة في كلية التربية التي أوفد إليها وذلك لرغبته في دراسة الهندسة ، ولكن لم يتحقق حلمه، فدرس في كلية الاقتصاد بجامعة عين شمس ، وأثناء دراسته وعند حدوث العدوان الثلاثي على مصر كان أحد الليبيين المتطوعين برغبتهم لمواجهته ، حيث حمل السلاح وانتظم في صفوف المقاومة والتي كانت داعمة للجيش المصري ومساندة إياه ، وأثناء إقامته في مصر شارك أيضا كممثل عن الطلبة الليبيين في تأسيس أول اتحاد للطلبة العرب .
وكانت نشأة توجهه العروبي حاضرة لديه منذ أن كان في ليبيا وفي قريته الوادعة سوسة ومنذ نعومة أظفاره ، حيث البداوة العربية المزدانة بالكرم والشهامة والمرؤة ، فكان يقول لي عبر الهاتف أنا عربي بدوي لا يمكن أن أكون إلا قوميا ، ناهيك عن تأثير التعليم والذي كان مصريا الطابع عروبيا المتن ، فكان يحتفي اطلاعا وتأثرا بالشعراء العرب ، فقاده كل ذلك الى مشارب العروبة بكل ألوانها ، مفضلا البوابة البعثية ، والتي انتسب إليها عندما كان طالبا في مصر ، حيث كان المناخ الطلابي في الجامعات المصرية آنذاك يعج بتيارات سياسية مختلفة وخاصة اليسارية والقومية والدينية ، وهو ماخلق له فرصة للتعرف على هذه التيارات السياسية المختلفة ، والحوار والنقاش وبكل عمق حول القضايا الفكرية والسياسية ، فتكون لديه وعي مبكر وعميق ومعرفة بكل التيارات السياسية ، ولكنه وجد أن أقربها إليه هو مايدعوا إليه حزب البعث العربي الاشتراكي وهو الوحدة والحرية والاشتراكية ، وخاصة التجربة البعثية العراقية والتي يراها أفضل بكثير من التجربة السورية ، فالأخيرة كان يعتبرها مجرد نظام طائفي عسكري برداء وشعارات حزبية تدعي القومية ، والدليل مشاركة قادة النظام في الانقلاب على القيادة القومية للحزب عام 1966 في سوريا وتشريدها في بقاع الارض ، هذا وكان محمد سكر أحد الذين منعوا من الدخول الى سوريا رغم أنه بعثي ، بل أن بعض الدول الاخرى منعته لاحقا من الدخول إليها مثل مصر والاردن .
وحزب البعث العربي الاشتراكي حزب سياسي تأسس في سوريا على يد ميشيل عفلق و صلاح البيطار و زكي الأرسوزي ، وربما يكون الأخير هو صاحب متن الفكرة والذي اندمج حزبه مع حزب عفلق والبيطار فيما بعد ليكونا مجتمعين حزب البعث .
.
ومن العناصر الليبية والتي سبقت محمد سكر في الانضمام لحزب البعث العربي الاشتراكي وشكّلت النواة الأولى؛ ثم القيادة القطرية للحزب في ليبيا:
• المرحوم/ الأستاذ عامر الدغيس
• الأسـتـاذ/ عبـد الله شـرف الدين
• الأسـتـاذ/ مـنـصــور الـكـيخــيـا .
ومحمد أحمد السكر أقام وطاب له المقام ومنذ بداية عقد الثمانينيات وحتى عام 2003 في العراق ، وذلك لحصوله على لجوء سياسي هناك ، حيث رفض البقاء في بريطانيا مفضلا العراق عليها ، وكان أحد الليبيين الذين تطوعوا لنصرة العراق في الحرب الايرانية العراقية ، حيث كان ضمن القوات العراقية التي دخلت الاراضي الايرانية لمسافات ليست باليسيرة ولمدة أشهر في بداية الحرب ، وكذلك شارك في صد العدوان الامريكي بعد غزو الكويت وكذلك مواجهة العدوان الامريكي على العراق عام 2003، ولمواقفه القومية تحصل على تكريم من الجمهورية العراقية تمثل في ثلاثة أنواط للاستحقاق العالي و كانت بقرارات جمهورية وفي فترات زمنية مختلفة ، وهو يرى أن الرئيس صدام حسين ورغم بعض أخطائه شخصية حزبيه قياديه قومية منضبطة ، وأن أحد أهم أخطائه الفادحة غزو الكويت والذي كان يراه فخا للعراق وقع فيه ، رغم عدم معرفة القيادة القومية لحزب البعث بقرار الحرب الذي تفاجأت به ، ولقد أكد لي الاستاذ محمد سكر أنه رفض بشكل علني الهجوم على الكويت في لقاءات القيادة القومية لحزب البعث آنذاك
وبالنسبة لعلاقة الليبيين مع العراق إبان نظام صدام حسين ، فلقد قسمها السكر الى شطرين .
الشطر الأول : ليبيون حزبيون بعثيون يؤمنون بمبادئ حزب البعث ، تجمعهم الايدلوجيا و مشروع القومية العربية الواحدة ، وهولاء كانوا ذوي احترام وتقدير لدى النظام ، حتى أن السلطات الامنية العراقية لا تستطيع الاقتراب منهم ، وان علاقتهم فقط مع القيادة القومية لحزب البعث وهولاء ماكان محمد أحمد السكر واحدا منهم .
الشطر الثاني : هم ليبيون كانوا يعملون مع أجهزة المخابرات العراقية لمأرب شخصية أو ربما لمناوءة نظام معمر القذافي .
ومن أرائه السياسية تجاه المسألة القومية ، أن شكل الممارسة السياسية لتطبيق القومية العربية لا يهم ، سواء أكان ناصريا أو بعثيا أو غير ذلك ، ولكن المهم هو العمل على توثيق وتوحيد آواصر العمل العربي مرحليا لتحقيق المصلحة العربية المشتركة في نهاية المطاف ، في ظل مجتمع تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية ، وأنه لا خيار لنا إلا الوحدة أو أن نضيع في ظل هذا العالم القائم على التكتلات .
وهو يرى أن سقوط العراق عام 2003 ينطبق عليه البيت الشعري التالي .

أضاعوني وأيَّ فتًى أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسِدادِ ثـَغْـر

وننتهز هذه الفرصة لنقدم خالص التعازي لنجله الدكتور أحمد الحاسي ولبقية أفراد العائلة و ندعوا الله الرحمن الرحيم أن يرحمه رحمة واسعة وأن يدخله فسيح جناته ، وأن يلهم أهله وذويه جميل الصبر والسلوان ، وأن يرحم كل ذات سعت الى اصلاح هذه الأمة وخيرها من مختلف المشارب والرؤى والاقطار .

(مصدر.هذه المعلومات الواردة في المقالة من مقابلة أجريتها مع المرحوم سابقا )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى