إنعام كمونة - دراسة تحليلية للوحة جدار الدم /للفنانة التشكيلية خيرة مباركي

تكثيف الرموز وانتقاء الدلالات
_الفن البصري تكثيف واختزال ..يجاذب العين والقلب , يستحضر روح الفنان من عمق خياله ورشاقة ريشاته, وللفن ايماءات والغاز مبهمة تغريك لتفهمها.. ان كنت متذوقا او منبهرا باحساس الفنان وفلسفته المترجمة لذا نستقرأها بشوق ولهفة , وقد استوقفتني لوحة للفنانة التشكيلية خيرة مباركي , استرقت السمع لنبضات ريشتها باحساسها الدافق , حاورتها فاستجابت , أجزَلَت مراسيم الحزن اللاذع اغدقتُ عليها ضمة تاويلي, وددت ان اخبركم بما دار بيننا من حوار عصري واستضافة في اعماقها لتشاركوني متعتني ….

أوصاف اللوحة : اسم اللوحة جدار الدم ..رسمت اللوحة بالوان زيتية على قماش خاص بالرسم بابعاد 60/70

رؤية بصرية ::
عنوان برمزية… جدار الدم… مضمون حوار انساني من وجدان الروح البشرية خيال مترامي الوجع عميق الدلالة متعدد التأويل نسج بنغمات ريشة مغمورة بألوان المعاناة للفنانة التشكيلية خيرة مباركي فانساب خيالها ألم رموز ومزيج خبرة مقتدرة وموهبة متمكنة .. رشاقة ريشة جسدت مكامن الوجع بلمسات حزينة رسمت آلامها العربية ذبذبات عذاب .. عمل أنبثق من منطق فكرة واناقة تامل بنبض من واقع تعايشه الفنانة بادراك حسي وليد اللحظة والانفعال فأينع موضوع معبر عما تحتويه من ذهنية فنان يتاثر بما يحدث فيثرينا بنواة احساسه ترجمة فن بالهام ملون المداد……
_برؤية متنوعة الخبرة وتقنية ادوات احكمت التمرس بانامل بارعة النقش طوعت جيد ريشة لراقصة مرنة تخترق مسالك التدوين لا تنفك عن سلطة الخيال الماتع لما تمتلكه الفنانة من قوة تعبير بغموض متزاوج ووضوح متجانس.. يمثل ترابط التكوين للرؤية البصرية وابعادها الظاهرية بخطوات لونية ميزت فواصل اللوحة بين الأرض والسماء بظلال قاتمة ازاحها افق فجربالوان شعاع شمس مما اظهر المعنى بتجرد الفكرة من حيرة التحليل واضفاء فضاءات تفسير لرموزها الثلاث الغامضة .. الجدار وامرأة تحتضن طفل وشجير صغيرة .. بتقسيمها المنطقي والذي ينبلج عن نوافذ تجذب المتذوق والنخبة بانطباعات متفاوتة .. وهذه ميزة جوهرية في تامل الفنانة القديرة وما اضمرت من تلويح معني فالتأويل بالتحليل والتفسير يسمر المستقرئ والباحث بحيثيات الشمول الرؤيوي لأستيفائها .
استعين برصد محتواها أشرع لودقات نبضها الملونة المحملة بغيم الانين لنكتشف خبايا الأعماق فاستقرأ ما كتم!!.
قراءة اللوحة : لوحة لفنانة مزجت ببراعة محترفة انواع من الفن التشكيلي باسلوب متجانس من مدارس الرسم السريالي والتجريدي والأنطباعي.. ولكونها لاتنتمي لمدرسة معينة فهي ترسم ما يقتضيه اي عمل ضمن تاثيره الأنفعالي وتاملها الآني… تمثل اللوحة التوترالنفسي وسايكولوجية القلق العربي الأنتماء للأرض وللوطن متاثرة مما يحدث من انهيارات بواقع الحياة وضمير يرتجف حنين ومحبة اصيلة لذات الأنسانية .. ومن فلسفتها التاملية توالدت رؤية جدار الدم.. بثلاث رموز رئيسية فسرت خيالها الخصب وكثفت تاملها بالوان وخطوط وفواصل ايحائية ترجمت ترابطها الرصين بثوابت تقديرية بين الأرض والسماء ..شذبت الوان العتمة ببزوغ الأنبعاث فاستشفت زمن حرر قيود الفجر وارخت بصيص النور لتزيح سدم الغواش.. شعورمدهش ان يخترق خيال الفنان ناظريك بشغف معرفي فيتملكك احساس مبهم للأبحار وبلوغ رمق الارتواء باستكشاف كنوز الأعماق وخلجان المراسي .. فتضع تاويلك ومضة حدس بين انامل الفكرة وريشة قافزة لا تعرف الأستقرا ر تلك المتعة بمغناطيسية الفضول المعرفي والتي تتلبس البعض لحل احجية ما .. تلبستني.. واستوقفني تاويل اللوحة النازف.. والتي رسمت جدار ذُبح عليه كل معاني الأنسانية المتمثل بجدارالعزل المفروض من المغتصب المحتل يستنطقه موت مغمس بدماء الأنتصار.. وبادِرَتَهُ منتصف اللوحة ….
__دمعة صاخبة بالأحمر القاني نازفة الجرح المزمن نابعة من ارض الأنبياء نافرة للسماء الا ان جذورها عميقة .. وايضا هي قلب الوطن العربي خارطة فلسطين .. ايحاء برؤية تثير الذهول لدلالتها التحليلية العديدة.. ابداع رافل التوهج بالفكرة المؤلمة ولون الأحمر التدرج .. ثم يترائ امرأة تحمل طفل فوق كتفها موشحان بالدماء.. استنطاق بعدة دلالات يبهر المتأول الباحث والمستبصر العنيد يمتع ذخيرة الهاوي .. اي نظرة عميقة الخيال لوجع مكلوم فحواه دمع قاني من نزف الأحاسيس .. أضافة الى روعة التفاصيل في هذا المقطع نرى تفاصيل الجسد سيقان المرأة جيدها ويديها قد رُسمت باتقان ظاهر.. ابدعت الفنانة برسم الظلال الا انها ادهشتنا ببروز الأنحناءات والأعضاء والأطراف والرأس والوجه باستخدام درجات نفس اللون الأحمر الغامق لأضفاء الظلال والأنطواءات ..و بشفافية لأيضاح تقاسيم الجسد الواضحة للعيان لتشير الى مكامن الوجع الأنساني النازف بالعباءة المغمسة بالدماء وبث روح المغزى وايصال الخيال بتدرجات اللون والحواف الغامقة بانعطافات حية وملموسة ..
_ احتضانة الطفل تنم عن الحنان والأحتواء وقوة التماسك والحماية فهم متلاصقان لا يمكنهما التجزأ رغم المعاناة المؤلمة فالمرأة حب ونشوء حياة وصبر والطفل سلام وحرية وامل وكلاهما يعني الأنتماء والوطن ورحم الأرض لا يمكن انتزاعها من بعض او اقتطاع من كل .. اضمامة فارهة الحنان لأحضان الأم تمثل الجزء المقتطع من رحم فلسطين العريقة العروبة والغريقة بالدماء بلونها الأحمر لما تعانيه من قتل من المحتل المغتصب الصهيوني
_ ازاحة الطفل فوق هامة الأم ورفعه اعلى الكتف والتفاف اليدين بقوة اصرار تمثل اصالة الأنتماء للتراث والتاريخ .. للقبلة الأولى.. لأرض الأسراء والمعراج قدس الحجيج هيكل الأنبياء..
_ وتلك الأيماءة المتمثلة بالأم والطفل المتجهة لجهة اليسار من اللوحة تعني الكثير .. التفاتة فارهة التعبير رغم عتمة الوجوه وحجب المعالم الا اننا نرى كل تفاصيل الوجه بايحاء نظرة الأمل والأنتظار لوليد يحبو.. لأمرأة تستنجد بملأ فاها.. شجيرة صغيرة تصرخ بالأنبثاق والتمدد الزاحف..اي استنطاقا يعج بالأحتجاج والأستنفار لما ترى من قتل وتعسف لأرض اغتصبت غدرا .. لجرائم لا يحصى عددها .. لأسماء لا يحويها رقما .. وما يبدو من تفرعاتها شكل اليد الصغيرة المرفوعة للسماء وبزوغ فجر دعاء مستجاب لأمل لابد ان يتحقق فالجذور بارض النبوءات ملاحم اسطورية والأغصان انبعاث الأنتفاضة والوريقات تعني استشهاد وفداء لوطن يبذر شموخ وكبرياء .. شعب لا يستكين .. لا يهاب الموت.. لا يقبل الذل كلما استنزف دمه أزداد التصاقا بارضه وتراثه .. والأنتصار ينابيع نور يبرق بلحاظ الأسود المستنفرة فما اجمله من خيال مزيج من التناقضات اورثت قصص وحكايات بالوان تميزت بلسان ناطق ماضٍ وحاضر ذكاء في استخدام الريشة وتداخل الوان كانبثاق من دهاليز الظلام
--- ننتقل لذلك العنوان القابع في وسط آخر للوحة والذي يعتبر مركز التكثيف والعنوان الرئيسي والمغزى الموسوم والمرسوم بعناية فائقة خلف دمعة الامة العربية ( فلسطين ) الحبيبة الحبيسة الأستعمار والسجينة المواثيق والعهود البالية والصدقة الموروثة دون قرابة .... جدار بانحناءات عمودية امتد بعمق العروبة احدث شرخا لا يتغاضى عنه ولا يسكت عليه بلون الأحمر والأسود لا يخلو من غموض وتلك الأنعكاسات البيضاء عليه ماهي الا نور الأستشهاد من اجل الوطن ثم يميل للخلف يهرب من مساره ينخفض على شكل سلالم اشارت به الفنانة الى مداره الطويل الممتد في عقر بطونها استحدثه العدو على ارض فلسطين.. ذلك الجدار الذي قلع بساتين الزيتون خنق حمائم السلام هدم بيوت الله اهدر دماء البراءة حصار بجمع المعنى للأنعزال ..
_ بتاويل آخر.. تلك الأنحناءات والخطوط استنطاقا لتقلصه وتجعده لتلاشيه فهو حتما زائل لم يعد الا ركام ولن يغلق باب الكرامة والدفاع عن الوطن وإباء العروبة.. وبدلالة اخرى موقعه في ارض الوجع خلف ايقونة الخارطة المحمولة بقلب العرب ( فلسطين الحرة ) يخترق سماء ملبده بالغيوم بالوان معتمة وجو مفعم بالكئابة والحزن العميق من الوان الأسود والازرق والرمادي بشكل متفاوت العتمة الا ان شعاع النور يترامى خلفه ببصيص الأمل .. رغم تشابك العتمة بالغيوم الا ان الفنانة ترسم بزوغ ضياء وان لم يكتمل فهو نشوء وانبعاث تمخض عن اشراق جديد رغم السماء القاتمة والملبدة بغيوم رمادية الألم قاحلة الغيث الا ان ذهبية الالوان تغمرنا بالتفاؤل المشرق من اعماق احساسها الدافق لتحقيق امنية الأستقلال والتجرد من التبعية والتي اصبحت تحيط بمعظم الدول العربية .. على جدارالغدر والتقسيم انهمر خيال الفنانة التشكيلية الرائعة بالهام روحي حمل اوجاع ألشعوب العربية المظلومة من حكامها فقتادت شتات الموقف لملمت جراحها اهدرته دما على جدار مزروع بلا جذورمتهاوي بلا سند مستبطن القتل والأذى, زواله حتمي , ومن غمر التاويل ودلائل التفسير هناك ضمائر لاتعرف الصمت يتصاعد استنفارها كحداء الروح تتصدى لربيعهم المزعوم وما هو الا خريف وثير الطعنات والجروح خائب الأماني كهل الملامح لتغريربعض الجهلة وضعاف النفوس , في وطن مزقته ايدي الطمع على حساب الأنسانية ومن رحم الله قد لا يرحمه بشر… ذلك الترابط بين الأنسان والقسوة .. بين القوي والضعيف .. وبين التطرف والتحضر.. هو عين التشظي والشقاق .
_تتناول الفنانة رشقات ريشتها من واقع حياتنا اليومية ببصيرة نافذة واحساس مرهف وغاية سامية .. لوحة دقيقة الأختيار شخصت فيها عواطف انسانية كثيرة من حنان وقوة, حقد ووحب , اصرار وشكيمة , حياة وموت , عزيمة واستصراخ حضور وغياب , تلك التناقضات التي تلاقحت بمشاعر متسامية تضج برؤية واعية لحقوق الأنسانية تعكس توافذ التصدع لواقع مؤلم .. فاللوحة توحي بالكثيرمن التكثيف المكتنز ونغمة غامضة لوحت بالآسى المتراكم لسنين الحصار والفقد والجدب الممتد في تلك الفراغات مابين الرموز بارضية قاتمة الالوان كئيبة الظلال موحية بالظلم واختناق الحرية والتشتت.. ومعاناة التهجير والأغتيلات والتعسف وكل الجرائم ضد الأنسانية مارسها الأستعمار ضد الشعوب العربية باسم ربيع الموت غاية الروعة للوحة فنية صورت محك الحقائق بعمق خيال انتقائي بدقة ذكاء واختزال لدلائل عدة ولكل خط من خطوط اللوحة هو معنى معين ولكل رشقة ريشة خفايا تعلن بتفكيك الرموزوواستفهام التداخل..ولكل لون غاية مرئية وغير مرئية من خليط او نقاء.
_ لله درك ايتها المبدعة خيرة مباركي كم من التفاصيل منحتيها اوكسجين الحياة وحيوية الحركة بدقة مبهرة واجدت العزف بضربات ريشة منحتها الرقة ورشاقة تصوير .. نبرة ريشة بغاية الأبداع استخدمت تفاصيل الاتجاهات والأنطواءات لتجسيد حركات معينة معنية متوامئة الأنحناءات.. خطوط ناطقة التامل .. باذخة التاويل .. ثرية الدلالة .. متعددة الرؤية .. ما اروعه من خصب فن تكلم بكل اللغات ترجم أدق المضامين الغائرة في فيض الشعور بريشة عميقة العواطف استصراخ من بركان القهر .

إنعام كمونة


1621316996139.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى