بوشكين - بنت البستوني_

عاش شاب في مدينة سان بطرسبورغ في روسيا، وكان والده قد جاء من ألمانيا للعمل في روسيا قبل ولادته. وبعد وفاة والده، أصبح هيرمان ضابطا في الجيش الروسي
لم يكن هيرمان يملك الكثير من المال على عكس العديد من الضباط الآخرين الذين كانوا يملكون المال الكثير
وقد أحبوا قضاء أمسياتهم في شرب النبيذ ولعب ورق الشدة،
وفي بعض الأحيان كانوا يمكثون طوال الليل وهم يقامرون
لم يكن هيرمان يشرب أو يلعب الورق فقد كان شديد الحرص على نقوده
لكن أحب مشاهدة الشبان الأغنياء وهم يلعبون كل ليلة.
لقد أراد أن يصبح غنيا لكنه لم يكن يملك من المال للمقامرة.
وكان أحد هؤلاء الذين يقامرون كل يوم شاب يدعى تومسكي،
والذي غالباً ما كان يرى هيرمان جالساً على طاولة اللعب ومستغربا عدم لعبه للورق مطلقاً
في إحدى الليالي كانت هناك حفلة امتدت حتى الرابعة صباحاً، وقد خسر فيها تومسكي الكثير من المال، وكان تعيساً فأراد التكلم مع أحدهم فجلس بجوار هيرمان وسأله:
- لماذا لا تلعب ورق الشدة مطلقاً؟
- لا أملك الكثير من المال، لذلك لا أستطيع خسارتها على لعب الورق.
- لكنك تجلس هنا كل ليلة وتراقبنا ونحن نربح ونخسر
- نعم، فأنا أحب ورق الشدة كثيراً
فسأل تومسكي بابتسامة: إذا هل تحب أن تلعب ورق الشدة إذا كنت واثقاً من الربح؟
- ربما ولكن ذلك مستحيل.
- ربما لا يكون مستحيلاً فجدتي الكونتيسة آنا فيدوتوفينا تعرف سر الورقات الثلاث لكنها لن تخبر أحدا بها ولن تقامر أبداً.
- لا أصدقك.
- أذا اسمع إلى هذه القصة:
ان جدتي تبلغ الثمانين من العمر وأكثر، وفي صغرها كانت غاية في الجمال، ومنذ ستين سنة خلت ذهبة جدتي إلى باريس ولعبت الورق مع دوق أورليانز، وخسرت كل أموال جدي الذي غضب جدا وقال بأنه لا يمكنه أن يدفع، فلم يكن معه المال الكافي ليدفع ما ترتب عليه من ديون.
فقلقت جدتي كثيرا وحاولت اقتراض المال من صديق مشهور الكونت سان جيرمان، لكن الكونت شخصاً غامضاُ، فاحش الثراء، ولكن لم يعرف أحد من أين أتت ثروة الكونت الذي كان يعرف العديد من الأسرار الغريبة، وقد أخبر جدتي بسر الورقات الثلاثة الرابحة. ربما كان الكونت مغرما بجدتي، من يعرف؟؟؟
في الليلة التالية لعبت جدتي الورق مع دوق أورليانز من جديد، وربحت جميعها ولم تقامر ثانية ولم تخبر أحد بسر الورقات الثلاث الرابحة.
فقال هيرمان بهدوء: لا يمكن أن يكون ذلك صحيحاً، إنها مجرد قصة أليس كذلك؟
لا أعتقد ذلك، لكن انظر إلى الوقت، لقد حلّ الصباح، إنها السادسة إلا ربعاً وقد حان وقت النوم.
لم يستطع هيرمان التوقف عن التفكير في قصة تومسكي وفي صباح بارد أثناء مسيره عبر شوارع بطرسبورغ التي تغطيها الثلوج قال لنفسه:
لو أني أعرف سر الورقات الثلاثة الرابحة فسأصبح غنياً، وإذا كنت غنيا لن أضيع مالي مثل تومسكي.
عرف هيرمان أين تعيش جدة تومسكي وقرر المرور أمام منزلها الكبير وقف عند الجهة المقابلة للشارع، وأخذ ينظر لأعلى إلى النوافذ المنزل الكبيرة. وفي ضوء الصباح الباكر رأى فتاة شابة جميلة تجلس عند النافذة وقد بدا على وجهها الحزن وكأنها كانت تبكي نظرت للأسفل ورأت هيرمان وهو يحدق بها، ابتسم هيرمان فاحمر وجه الفتاة خجلا، ثم ابتعدت بسرعة عن النافذة، فابتسم هيرمان في نفسه مستغرقا في التفكير.
وفيما بعد سأل أحد أصدقاء تومسكي عن الفتاة فأخبره أنها ليزا فيتا ايفانوفنا وقد توفي والداها عندما كانت صغيرة وذهبت للعيش مع الكونتيسة العجوز، لكن الكونتيسة لم تعاملها معاملة جيدة.
تعيش ليزافيتا المسكينة كخادمة لا يدفع لها أجرها، ولم تكن تعامل كفرد من العائلة.
وضع هيرمان خطة للدخول إلى منزل الكونتيسة القديم فكان يقف كل يوم خارج المنزل الكبير ويتأكد أن ليزافيتا تراه وبعد أسبوع كتب لها رسالة.
وفي الصباح التالي وبينما كانت ليزافيتا خارجة من المنزل مع الكونتيسة العجوز، عبر هيرمان الشارع باتجاهها، وأثناء قيام الخدم بمساعدة الكونتيسة للصعود إلى العربة، اعطى هيرمان الرسالة إلى ليزافيتا وابتعد بسرعة.
خبأت ليزافيتا الرسالة ثم قرأتها فيما بعد عندما كانت لوجدها في غرفتها.
عزيزتي ليزافيتا ايفانوفنا أنا احبك كثيرا ويجب أن أراك
المعجب هيرمان
لم تعرف الفتاة المسكينة ماذا عليها ان تفعل، فقد عاشت كالأسيرة فقد عاشت كالأسيرة في المنزل الكبير ولم يكن لديها أصدقاء او أي شخص يمكن أن يقدم لها النصيحة قررت أن تكتب رسالة إلى هيرمان وترد على رسالته في اليوم الثاني وعندما رأته في الشارع فتحت النافذة ورمت بالرسالة إليه فالتقطها وذهب بعيدا كانت تقول الرسالة:
ليس من الصواب أن أتلقى رسالة من شخص غريب ولكن يجب أن أرد على رسالتك لأني لا أعرفك، أعتقد بأنك رجل طيب
توقع هيرمان أن ترد ليزافيتا بهذه الطريقة، وفي الأيام القلية التي تلت، عمل هيرمان على إعطاء ليزافيتا رسالة كل صباح وكانت بدورها ترد على رسائله وأصبحت ردودها أطول وأطول وبعد أسبوع رمت ليزافيتا بالرسالة التالية من النافذة:
ستكون الكونتيسة في حفلة راقصة الليلة ولن ترجع حتى الثانية صباحا ساترك الباب الامامي غير مقفل، وسيكون الخدم نائمين تعال في الحادية عشرة والنصف اصعد للأعلى وانعطف نحو اليمين اذهب إلى غرفة الكونتيسة هنالك بابان خلف ستارة حمراء كبيرة في غرفتها الباب على اليمين يؤدي إلى مكتب صغير حيث لا يذهب إليه أحد أبدا وخلف الباب الأحمر هنالك سلم يؤدي إلى غرفتي
انتظر هيرمان طوال اليوم بفارغ الصبر، وعند العاشرة في ذلك المساء كان يقف خارج منزل الكونتيسة كان الطقس عاصفا ومثلجا، لكنه لم يشعر لا بالبرد ولا بالريح
راقب هيرمان الكونتيسة وهي تصعد إلى عربتها وتنطلق بعيداً وفي الساعة الحادية عشرة والنصف تماماً دخل إلى المنزل وصعد السلالم بسرعة ودخل إلى غرفة نوم الكونتيسة وكان الضور الوحيد القادم هو من مصباح ذهبي كان موقداً أمام أيقونة. لم يذهب هيرمان إلى غرفة ليزافيتا، بل عوضا عن ذلك ذهب عبر الباب اليميني إلى المكتب الصغير ووقف في الظلام والسكون مصغيا إلى كل الساعات في المنزل وهي تدق الساعة الثانية عشرة ثم الواحدة ثم الثانية.
وأخيرا، وصلت عربة الكونتيسة ألي المنزل الكبير وبعد دقائق قليلة جاء الخدم وهم يحملون شموعا تتبعهم الكونتيسة.
راقب هيرمان من وراء الستارة الحمراء ما يجري، قام الخدم بإلباس المرأة العجوز القبيحة ثياب نومها، لكن الكونتيسة لم تكن راغبة بالنوم فجلست على ذي ذراع بالقلاب من النافذة وحدقت بالمصباح أطفئ الخدم الشموع وتركوها لوحدها.
وفيما كانت الكونتيسة تنظر حولها، خرج هيرمان من خلف الستارة وقال لها: لا تخافي فلن أؤذيك. لقد أتيت لأسالك سؤالا كانت السيدة العجوز صامتة
انت تعرفين سر الورقات الثلاثة الرابحة أخبريني عن السر وسوف اتركك بأمان
فقالت هامسة: لا، لا. لا أستطيع أخبارك.
فسأل هيرمان بغضب: لماذا؟ ألا تعرفين السر؟
لم تجب الكونتيسة
- ما حاجتك بالسر. أنت امرأة عجوز، ولست بحاجة للمال، وستموتين قريبا، أسعديني، أخبريني عن السر.
- لم تقل الكونتيسة أي شيء
- أنت عجوز غبية، سأجعلك تتكلمين، أخذ هيرمان مسدسا من جيبه فرفعت الكونتيسة يديها أمام وجهها ثم سقطت للخلف في كرسيها ولم تتحرك واستمرت عيناها في التحديق بهيرمان ولكنها كانت عينان بلا حياة، رأى هيرمان بان المرأة ميتة، ففتح الباب إلى غرفة ليزافيتا وصعد السلالم حيث كانت لم تزل في انتظاره، وكانت ترتدي أجمل ثوب لديها، وكان وجهها شاجبا همست قائلة أين كنت؟
- كنت في غرفة الكونتيسة العجوز ‘نها ميتة
واصغت ليزافيتا بينما كان هيرمان يخبرها كيف ماتت الكونتيسة.
- لقد أتبت إلى هنا لأكتشف سرا، أردت أن أعرف سر الورقات الثلاثة الرابحة،
لقد طلبت من الكونتيسة أن تخبرني فرفضت ثم سقطت للخلف ميتة في كرسيها، أنا لم أقتلها.
اغرورقت عينا ليزافيتا بالدموع، فقد فهمت أن رسائل الحب التي كان يكتبها لم تكن تعن شيئاً، بدأت تبكي بمرارة، وأرادت أن يخرج هيرمان من المنزل بأقصى سرعة ممكنة، ولم ترغب أبدا في رؤيته ثانية،
قامت بتجفيف دموعها ثم قالت له:
هناك سلم سري من مكتب الكونتيسة وهو يؤدي إلى الشارع خلف المنزل هو ذا المفتاح خذه واذهب الآن.
عبر هيرمان غرفة ليزافيتا ومشى نازلا السلم وعاد إلى غرفة نوم الكونتيسة كان وجه الكونتيسة مسالما ـ ولم يكن هيرمان حزينا على موت الكونتيسة، بل كان حزينا لأنها ماتت دون ان تخبره عن سرها.
ثم وجد الباب السري في المكتبة، دفعه فانفتح ثم نزل عبر سلّم معتمٍ.
وبعد ثلاثة أيام، ذهب هيرمان إلى جنازة الكونتيسة، كانت الكنيسة ممتلئة، وتقدّم الناس واحدا تلو الآخر لتقبيل وجه الكونتيسة المتوفية التي كانت مستلقية في تابوت مفتوح.
تبعهم هيرمان وتقدّم على التابوت ثم نظر إلى الكونتيسة الميتة، وفجأة حدث شيء غريب، بدا لهيرمان وكأن المرأة الميتة قد فتحت عيناً وغمزته. خطا هيرمان إلى الخلف وتعثر وسقط على الأرضية الحجرية، وقام الناس الذين كانوا حول التابوت بمساعدته بالوقوف على رجليه فركض بسرعة خارج الكنيسة، وفي نفس الوقت أغمي على ليزافيتا ايفانوفنا.
بعد ظهر ذلك اليوم شرب هيرمان الكثير من الخمر، واستسلم للنوم في سريره، دون أن يخلع ملابسه، وعندما استيقظ كتنت الساعة الثالثة إلا ربع ا صباحا، وظنّ بأنّ أحداً كان ينظر من النافذة.
جلس على سريره وبعد دقيقة فتح الباب ودخلت سيدي ترتدي ثوباً أبيضاً طويل. إنها الكونتيسة الميتة.
لقد أتيت لأخبرك عن سرّي، يجب أن تلعب كل ليلة ورقة واحدة فقط لثلاث ليال. ثم عليك عدم لعب ورق الشدة طوال حياتك، وعليك ألا تخبر أحداً أبداً بخصوص هذا السر، الثلاثة والسبعة والآس سوف تربحك.
استدارت الكونتيسة وذهبت مغلقة الباب خلفها. مضى وقت طويل قبل أن ينهض من سريره. حاول أن يفتح الباب لكنه وجد بأنه مغلق.
كان هناك مقامر مشهور في سان بطرسبورغ يدعى تشيكالينسكي، وقد ربح الملايين من الربلات في لعب الورق، وكان أي شخص مرحب به لزيارة منزله واللعب ضده
ذهب جميع الشبان الأغنياء للمقامرة على طاولته وكان تومسكي زائراّ مواظباّ، وقد طلب هيرمان من تومسكي أن يأخذه إلى منزل تشيكالينسكي.
ولدى وصولهم كانت لعبة الورق قد بدأت، وكان تشيكالينسكي يضع الورق على الطاولة ـ انتظر هيرمان انتهاء اللعب ثم قال: هل يمكنني أن أسحب ورقة؟
ابتسم تشيكالينسكي وأومأ برأسه، أخذ هيرمان ثلاث أوراق من مجموع الورق ووضعها مقلوبة على الطاولة، ثم أخرج نقوده من جيوبه، وبدأ يغطي الورقة بالنقود.
كان تشيكالينسكي متفاجئاّ، ما هو المبلغ الذي تريد الرهان عليه؟ فقال هيرمان محدقا إلى كومة الأوراق النقدية: أربعة وسبعون ألف روبل
التفت الجميع ونظروا إلى هيرمان، فقال تومسكي: إنه مجنون
وقال مقامر آخر: إنه ثمل.
فقال تشيكالينسكي: اعذرني ولكن هذا مبلغ كبير، أكبر من أي مبلغ سبق لأحد أن راهن عليه من قبل.
- هل ستقبل ا لرهان أم لا؟
أومأ تشيكالينسكي برأسه وبدأ بتقسيم الورق إلى مجموعتين كانت أوراق الشدة الخاسرة على يمينه، والأوراق الرابحة على يساره.
قلب التسعة على اليمين وغلى اليسار قلب الثلاثة فقال هيرمان مظهرا ورقته: لقد ربحت إنها الثلاثة.
ابتسم تشيكالينسكي ثم قام عد النقود فأخذها هيرمان وغادر.
في الأمسية التالية عاد هيرمان إلى منزل تشيكالينسكي في هذا الوقت أخذ الورقة رقم سبعة من أوراقه، ووجها مقلوب على الطاولة وغطاها بكل ما يملك من نقود. بدأ تشيكالينسكي بتوزيع الورق ظهر الشاب على اليمين وعلى اليسار ظهرت السبعة أظهر هيرمان ورقته بقد ربحت ثانية.
شحب وجه تشيكالينسكي وهو يعد التسعة والأربعين ألف روبل وضع هيرمان النقود في جيوبه ثم خرج.
عندما ظهر هيرمان في الأمسية الثالثة، أتى لمشاهدته جنرالات الجيش ورجال ذوو شان رفيع. وعندما جلس هيرمان مقابل تشيكالينسكي وقف الجميع بصمت وضع هيرمان ورقة مقلوبة على الطاولة وعلى رأسها وضع كل نقوده، مئة وثمانية وثمانون ألف روبل،
بدأ تشيكالينسكي بتوزيع الورق وكانت يداه ترتجفان، ثم وضع الورق على يمينه وعلى يساره. كانت البنت على اليمين والآس على اليسار.
الآس يربح صاح هيرمان وأظهر ورقته.
بنتك تخسر قال تشيكالينسكي بهدوء، نظر هيرمان ثانية إلى الورقة في يده كيف قام بهذا الخطأ الغبي؟ فبدلا من الآس كان يحمل بنت البستوني.
وبينما كان ينظر إلى الورقة بدت بنت البستوني وكأنها تفتح عينا وتغمزه وقد بدت تماما مثل الكونتيسة الميتة.
المرأة العجوز صرخ هيرمان لكن لم يسمعه أحد، كان الجميع يهنئون تشيكالينسكي فهو كان الرابح "العب جيدا "صرخ تومسكي.
لم ينتبه أحد لهيرمان عندما استدار وخرج من الغرفة وهو في حالة ذهول ولم يره أحد في بطرسبورغ ثانية.
أصيب هيرمان بالجنون ووضع في مشفى هناك. وكان يكرر ذات الكلمات دائما ولم يكن يقول شيئا آخر ثلاثة، سبعة، آس! ...ثلاثة، سبعة، بنت!
تزوجت ليزافيتا من ضابط في الجيش، وعاشا بسعادة أما تومسكي فقد تزوج من أميرة





أعلى