شوقى جلال - دعوى.. محاكمة العقل العربى

هذه ليست بدعة، بل هى القاعدة السوية فى كل المجتمعات الدينامية النابضة بالحياة حين تعقد العزم على النهوض والانتقال من مرحلة تطور حضارى الى مرحلة ارتقائية اخرى، اذ تبدأ فى مراجعة نقدية لعدتها وعتادها الفكرى وبيان أسباب إعاقتها وتعطل حركتها فى سياق الفكر والعمل التطبيقى الحياتي.
هكذا كانت أوروبا حين كان التراث التقليدى عائقا يحول دون إمكانية ابداع معارف جديدة. هنا جاء الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت بمذهبه فى الشك المنهجي ليؤسس نقطة انطلاق جديدة من يقين بالنفس المفكرة. وواكبه الفيلسوف البريطاني فرنسيس بيكون الذى كشف زيف أوثان وأوهام السوق وانحيازاتها المعطلة للفكر والحياة .وفى مرحلة تالية ظهر شوبنهور الذى أعلن يأسه الكامل من العقل العربى ودعا الى الإطاحة به ثم من بعده فريدريك نيتشه الذى عمد بمعوله الفكرى الى تدمير واعدام جميع القيم والأوثان الفكرية والوثن الأعظم لتنطلق إرادة الذات الجسورة القادرة على الفعل الحر وإعادة البناء .
وهكذا كانت اليابان فى عصر الطوكوجاوا الذى مهد لعصر المسجى - الإصلاح وصارع وصرع المعوقات التقليدية التى تحول دون انطلاق اليابان على طريق النهضة وانتصر شعار العقل والواقع. وهكذا كانت الصين فى القرن الخامس ق . م. حين سادت شهوة الطمع والجهالة والأنانية ظهر الحكيم لاوتسو والحكيم كونفوشيوس وغيرهما . وأطلق كونفوشيوس دعوته (دع مائة زهرة تتفتح ودع مائة مدرسة فكرية تتصارع) وتكرر الموقف ذاته فى الصين مع بداية القرن العشرين .
وشهدت مصر محاولة مماثلة جسدتها الحركة الوطنية المصرية من اجل تحديث مصر واللحاق بركب الحضارة العالمية ولكنها كما توصف مثل السيمفونية التى لم تكتمل وتوقفت المراجعة النقدية للعقل المصرى - العربى.
وهنا نقول العقل العربى التقليدى هو ذلك الموروث من اطر فكرية وثقافية حاكمة لسلوكنا ونظامنا فى إدارة شئون مجتمعاتنا وفى نظرتنا عن معنى الانسان / الكون / الواجب. /الوطن / المصير ...الخ ونهج التعامل مع هذا كله. وتتمثل الدعوى فى السؤال : كيف واجه العقل العربى التقليدى على مدى عشرة قرون تحديات حياتنا فى الداخل والخارج؟ وكيف اهلنا او ارتضى لنا البقاء حيث نحن وحيث كان السلف نهناء بيقين مجهول ونرهن حياتنا العاجلة لمستقبل اجل دون معادلة وأصبحنا فريسة لكل جارح فى حلبة الصراع العالمى.
العقل العربى التقليدى اغتال العقل النقدى / الفلسفى والعلمى. الذى أرسى دعائم لبناء حضارة إسلامية عربية.
العقل العربى التقليدى عمد باسم الاجماع الى الإبقاء على الانسان سجين حيّز ضيق من الأفكار والمفاهيمالتى تعطى صورة زائفة جامدة عن الحياة والكون وعن رسالة الانسان.
العقل العربى التقليدى باغتياله للعقل الإسلامى النقدى أهل الشعوب او الانسان للتخلف والفشل والعجز عن مواجهة تحديات الحياة على مدى عشرة قرون .
العقل العربى وهو ذلك الموروث من اطر فكرية وثقافية هو رصيدنا المسموح به شرعا، والمفروض قسرا ماذا كان دوره على مدى القرون العشر بالنسبة لقضايا المنافسة الحضارية / تطوير الحياة / التعليم/ضمان القوة الذاتية لمواجهة الأعداء/ حق وحرية المشاركة للإنسان العام فى شؤون مجتمعه. ودنياه ورسم مصيره... اى بناء انسان متطور ذَا كبرياء بفضل إبداعاته وانجازاته وانتصاراته.
العقل العربى التقليدى فرض قسرا الاهتمام بالحياة. بعد الموت دون الحياة قبل الموت فكان الموات المجتمعى الحضارى هو الحصاد الدائم وعلمنا احتقر العقل والنفس.
العقل العربى عمد الى طمس تواريخ الشعوب المغلوبةفقوض ثقافتها ووعيها الذاتي المتكامل.
العقل العربى التقليدى أسس لثقافة القطيع وثقافة الخوف : الخوف من السلطة والسلطان فرسخ لقيم النفاق ... والخوف من التغيير والخوف من الصراع وليس تعلم إدارة الصراع... والخوف من الابداع... الخوف من التفرد واسس لتمجيد النمطية... ورسخ قيمة الطاعة والولاء دون حق المبادرة... الخوف من النقد ومن حرية اعمال العقل ومن حق السؤال... والخوف من التفاعل مع الاخر المختلف... والخوف من التنوع والتعدد ومن التغيير والحركة ... والنتيجة جمود وسكون وثبات وتجانس شكلا فى كل شيء
لذلك نحن بحاجة الى مراجعة نقدية بشأن جد جدوى العقل التقليدى وهذا لا يكون مجديا الا فى مجتمع عرف صورة مستقبله وعرفخطواته نحو استراتيجية البناء ليكون الجهد هادفا وليس سجالا فارغا من المضمون، ذلك لان غياب التوافق بشأن صورة المستقبل يعنى الجمود مع الموروث.


شوقى جلال



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى