مقتطف شريف محيي الدين إبراهيم - الحريف.. طارق محيي الدين إبراهيم.. فصل من رواية شارع العزب

(الحريف)


فنان بالفطرة. ...
يعشق محمد منير. ..
يحفظ معظم قصائد نزار ...
خياله واسع وله قدرات لغوية وعقلية لم يستثمرها كلها حتى الآن. ...
كان ابى يوليه عناية خاصة ،فهو يتعامل معه بحرص شديد ويخشى منه أو عليه من حماقة تصرفاته. ...
ولكن حين يصطدم به يحدث انفجار عظيم نخشى جميعا عواقبه. ..
قبل انتهاء عامه الدراسى للثانوية العامة بأقل من شهر ،أراد ابى أن يطمئن على مستواه الدراسى، وهنا حدثت الكارثة....
اكتشف ابى أن طارق لم يفتح حتى كتبه المدرسية فهى نظيفة،جميلة، أوراقها تلتصق ببعضها وكأنها للتو خارجة من المطبعة،الحكومية. .
النتيجة هى علقة موت لطارق ،وحلاقة شعر راسه بشفرة موس الحلاقة ،وحرمانه من الخروج من البيت حتى يوم الامتحان. ..
حرمانه من جميع الدروس الخصوصية التى كادت تفلس ابى، بعدما أدرك أن طارق يستولى على المال المخصص لها ويدعى انه فى الدرس بينما هو يمارس هواية كرة القدم. ..
بل وحرمانه من الذهاب للمدرسة،لأنه بالفعل لم يكن يذهب اليها. ....
النتيجة،أن طارق نجح فى الثانوية العامة بمجموع كبير والتحق بكلية مرموقة. ...
كل متعلقاتنا الخاصة انا واخى أحمد وأبى بل واختى دينا كانت حلالا بلالا له فهى مال عام يحق له استغلاله فى أى وقت. ...زجاجات البرفان وعلب كريم الشعر،والزيوت، والشامبو ...بل والملابس الداخلية، والساعات والكتب والمجلات وكل ما تطوله يده أو تهفو إليه نفسه حتى مرطب البشرة وزبدة كاكاو شفتى أخته كانتا ضمن غنائمه. ..
حاولت يوما ان أخفى عنه بعض متعلقاتى، والنتيجة اننى تفننت فى اختراع مخبأ سرى، سرعان ما نسيته انا واستطاع هو أن يصل إليه، حتى استهلك كل الكميات المخبأة به وحده وبكل اريحية وثقة.
استولى على المسجد القريب من بيتنا بعض الشباب ذوى اللحية الطويلة والجلباب القصير. ..
كانوا يستوقفون بعض المارة من سكان الشارع،الذين يلتمسون فيهم طيبة وصلاحا، كانوا يطلبون منهم الانضمام إليهم ،للحضور فى حلقاتهم الدراسية وقراتهم الجماعية للقرآن والحديث النبوى الشريف، واستذكار السيرة النبوية، ومراجعة بعض كتب ابن تيمية، وسيد قطب. .
ذهب طارق يوما ليصلى فما كان منه سوى أن تقدم جميع الصفوف، وقام بتأدية الأذان والإقامة وعندما اقترب أحدهم منه نظر إليه شزرا فلم يجرؤ سوى على أن يفسح له مكانه ليقوم أيضا بإمامة جميع الحضور.
إذن طارق وأقام الصلاة وصلى بالجميع إماما وهو حتى لم يتوضأ. ...لما سألته عن ذلك اخبرنى أن الوقت لم يسعفه، ولم يكن ليسمح لأى من هؤلاء الصبية بأن يصلى أو يؤذن للناس وهو موجود في المسجد. ..
كان جميع الشباب يخشنوه ويتجنبون الصدام به، بل ويطيعونه في كل ما يطلب دونما مراجعة ...
ورغم ضالة حجمه إلا أنه كان شجاعا مغوارا لا يهاب أى فرد مهما كان يفوقه حجما وقوة.
بياض وجهه الشديد المشرب بالحمرة، وشعره الأصفر الناعم، وزرقة عينيه جعلت جميع من فى الشاعر يلقبونه بكرتر لشدة الشبه بينه وبين الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كرتر. ..
وكثيرا ما لمحت طارق وهو يجمع صبية الشارع فى طابور كبير ثم يقوم بمعاقبتهم فردا فردا عن بعض الصغائر التى ارتكبوها دون علمه. ..
طارق يكتب الشعر والقصة ولاعب عبقري فى كرة القدم وتنس الطاولة، حتى أن مدربى نادى الزمالك، والاتحاد، والاوليمبى، عرضوا عليه الانضمام إلى فريقهم الأول بعد أن شاهدوه صدفة ،على شاطئ البحر وهو يلعب الكرة بمهارة فائقة وكأنه محمود الخطيب أو حسن شحاته،او حتى طاهر ابوزيد او حمادة عبداللطيف،،
حينما كان طارق يلعب الكرة فى الشارع كان يصطف الجميع فى شرفات منازلهم، ويتجمع معظم أفراد الشارع لمشاهدته وهو يستعرض مهارته الخارقة فى التحكم بالكرة وقدراته على مراوغة بفريق بأكمله ثم احرازه لأهداف غاية فى الروعة ....حتى أن جدى أحمد العزب، وجدتى ملك هانم كانا يتركا ما بيديهما، ويستندا على حافة شرفة الفيلا ليشاهدا مهارات حفيدهما مستمتعان بتلك الحالة من الابهار والمتعة التى يصنعها طارق فى شارع العزب....ولكن طارق لم يعبأ بكل العروض التى انهالت عليه من أندية الاسكندرية والقاهرة! !
وظل مجرد لاعب شوارع حريف !!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى