عبدالله محمد بوخمسين - عقلُ الحكيم...

الآية الكريمة " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ "{البقرة:269
حكَم فعلٌ ماضي ومضارعه يحكم واسم فاعله حاكمٌ، والحكمُ /اسمٌ معناه الضبط والربط والإتقان والتوازن في القول والسلوك الظاهرين والباطنين، ويأتي بمعنى الشد والتوثيق وكذلك بمعنى قضى(حكم) حكماً قضائياً ( يقتضي العدل أو مجانبته) وليس بشرط أن يكون القاضي حكيماً لأنه ملتزم بدستور وقوانين تشريعية وقد تكون وضعية أو قد تكون رأياً خاصاً أو رأي قياس ، ويلازمه أمرٌ بوجوب تنفيذ الحكم.....
والحَكَم هو الذي يتوسط في حل نزاع بين من يطلبانه أو يطلبونه من المتخاصمين بموافقة الطرفين أو الأطراف، وذلك كما يحدث في النزاعات والخلافات بين زوجين وقد ذكر الله سبحانه (حكماً) في الآية 35من سورة النساء (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)
وهذه الآية الكريمة إنما تؤكد على دور الحكماء (المصلحون) في الإصلاح الإجتماعي وبالذات فيما يحدث من خلافات أسرية...
وحكمة العقل القدرة على الإستيعاب الكلي بعد تفكر وتفكير عميقين بعد مماحكة وتمحيص لحادثٍ أو حديث، بحيث يوضع في ميزان العدل والعدالة والإنصاف دون ميل عاطفي أو جورٍ مصلحي أو تعسفٍ لا أخلاقي بدون شطط اولغط من أجل تحقيق ميزان العدل وتطبيق العدالة...
ومن أهم ميزات الحكيم وصفاته الذكاء والدهاء حيث تلك الميزتين متلازمتين للحكمة..
هذا وليست الحكمة العقلية مقتصرة على عمرٍ معين أو جنس، فمن الحكماء منهم حديثي أعمار حيث يظهرُ عليهم أثر النبوغ والنضج والإتزان والميل إلى التعفف من الأوزار والآثام ونحوهما، ومن النساء حكيمات كذلك وليس لأعمارهن في ذلك إشارةً أو سبيلاً....
والحكماء قليلون وهم متميزون في مجتمعاتهم وقد يُعدون على رؤوس الأصابع إذ يُشار لهم بالبنان كما يُشار للكرماء بسبب بذلهم في الخيرات ومساعدة المحتاجين، حيث يكون الحكماء مقصداً لفض التنازع بين المتنازعين والتخاصم بين المتخاصمين، وذلك لما يتصفون به فوق حكمتهم من لطفٍ ونزاهة وعدالة ، والحكيم يتصف برجاحة العقل والإتقان والتوازن إذ تراه لا يميل إلى شطط في فعل أو قول، ويغلب عليه الحلم والعلم والتأكد والتأني، ومن صفات الحكيم الصمت جراء انشغال العقل في التفكير والتحليل من أجل التدبر والتدبير والإستنتاج لأمور لايراها غيره من غير صنفه....
إن من نعم الله سبحانه وتعالى أن يمن على قومٍ بحكماء يكونون مراجع لهم وقت الحاجة التي قد يترتب على عدم وجود حكماء بينهم حدوث مالا يُحمد عقباه ...
برجوعنا إلى الآية المباركه يتبين لنا أن الحكمة تمييزٌ اختص الله بعضاً من البشر واصطفاهم على غيرهم، كما أوضح سبحانه وأبان أن الحكمة (خيراً كثيراً) وبأنهم (أولوا الألباب) والألباب جمعٌ مفرده (لب) واللب هو العقل العاقل المدرك لصغائر الأمور قبل كبيرها بوعي وإدراك متناهين توصلان صاحبهما إلى بلوغ درجة الحكمة المنشودة.. ول اللب معاني في اللغة كثيرة ومنها قلبُ الثمرة...
كما أن الآية الكريمة توضح لنا أن من أوتي الحكمة فإنما هو من أصحاب العقول الواعية التي لاتَنسى وإنما هي في حالة تذكر ...
ولربما لانُدرك أن الحكماء لهم مكانةً رفيعة عند الحكام في جميع حكومات الدول في كل العالم إذ هم يُعينون مستشارين يرجع لهم الحاكم في الشئون المحلية والدولية...

عبدالله محمد بوخمسين

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى